من يخلف المهدي؟

 

تقرير: عبدالله عبدالرحيم

لم تكن هذه المرة هي الاولى التي ترك فيها الامام الصادق المهدي مساحة للتأمل والبحث عن من يخلفه في رئاسة حزب الأمة عقب نصائحة الغالية للساحة السياسية وللشعب السوداني. فقد ألمح المهدي إلى أنه قد يترك العمل السياسي قريباً، أو هكذا قرأ المراقبون لأحاديث المهدي خلال الحقبة الاخيرة. ولكن ما يجعل هذه القراءاة صحيحة وتدور في فلك من الواقعية هو أن الامام نفسه قد أقر قولاً بإنه زاهد في العمل السياسي معلنا رغبته في التنحي عن هذا الحقل الذي مارس فيه حياته كسياسي لأكثر من خمسين عاماً أو زد على ذلك وهي فترة رئاسته للحزب الطائفي الكبير. ففي عام ٢٠١٢ وبمناسبة عيد ميلاده الـ(٧٧)، فاجأ الامام الصادق المهدي  الحاضرين من اهله والضيوف والاجانب وعدد كبير من الدبلوماسيين والصحفيين حينما أعلن في هذه المناسبة عن عن نيته التنحي عن قيادة الحزب وكيان الأنصار وبدأت علميات تدريب لبعض القيادات لتقوم المؤسسات باختيار خليفة له. وقال الصادق إنه سيتفرغ بعدها للأعمال الفكرية والاستثمارية. وتكرر ذات السيناريو في عدة مناسبة أخرى ولكن في أغسطس من العام 2018 طالبت قيادات شبابية بحزب الأمة بضرورة عقد المؤتمر العام الجامع لاختيار رئيس جديد للحزب بديلاً للصادق المهدي. ووقتها كان الامام خارج السودان لمعاداة النظام البائد له ولحزبه، الامر الذي جعل الحزب وقتها يمضي دون وجود رأسه المدبر وقائده.

وترك الامام الصادق الباب مفتوحاً أمام الخيارات القادمة لإدارة شؤون الحزب، فيما لازال أمر التنحي  وقتها مشكوكاً فيه لجهة تمسك المهدي بالمنصب لعدم إعلانه الزمان والمكان المحدد للتنحي.

تأكيد الرغبة

تواترت المناسبات التي يبدي فيها المهدي رغبته التنحي، ففيما أكد أنه سيتنحى وسوف يتجه لكتابة السيرة النبوية والاعمال الفكرية فقد دشن هذه الخطوة قبل شهر حينما لبى الدعوة المقدمة إليه من الامارات العربية وقال إنها للحديث عن السيرة النبوية والتي تمثل أهم اهتماماته. وقد قدم المهدي محاضرة قيمة في هذا الجانب خلال الندوة التي حضرها مختصون وعلماء مدعون من إتجاهات متعددة ما يشير إلى أن الامام في طريقه لتنفيذ وعده الذي قطعه وهو التنحي من العمل السياسي والاتجاه للعمل الفكري وكتابة السيرة النبوية العطرة فمن سيخلف الامام في رئاسة الحزب الكبير؟ وقد أكد الصادق بقوله: “إنّ هذه الخطوة قديمة وتجدّدت في الظرف التاريخي الحالي الذي تمرّ به البلاد”. فهل ستكون هذه هي الأخيرة للابتعاد عن رئاسة أكبر أحزاب السودان ومن سيخلفه؟

مكانة الإمام

الأستاذة ندى جوتار عضو المكتب السياسي لحزب الأمة تقول لـ(الصيحة) إن الفكرة لم تكن فكرة تنحٍّ ولكنها كانت رغبة قديمة للامام الذي يرى أنه ضروري ان يتفرغ للقضايا العامة. وترى أن الحزب حزب مؤسسات ولا علاقة للانتخابات القادمة بأي تغيير يطرأ على ساحة الحزب. وتقول ندى إن الحزب لا يمكن أن يترك الامام رئاسته ما لم يقدم استقالته إلا عبر المؤتمر العام الثامن القادم والذي من أولى أولوياته ترشيح رئيس بديل خلفاً للامام. وتقول عضو المكتب السياسي إن الحضور في ساحة ميدان الخليفة والذين شهدوا تلك الليلة كانوا يرون دون رغبة الامام ويريدون استمراره في رئاسة الحزب حينما قاطعوه رفضاً لتلك الرغبة في الوقت الذي يرى الامام أن المهام الملقاة على عاتقه أكبر ولابد له أن يتنحى. وتشير ندى إلى الاستقالة التي تقدمت بها الاستاذة سارة نقد الله من قبل تأكيداً لمؤسسية الحزب الذي تحال إليه مثل هذه القضايا المتعلقة بكيان ومهام مؤسسات الحزب الكبير. وترى أن المهام الجديدة للإمام أكثر تأثيراً على السودان الوطن الكبير ومكانته الدولية باعتبار أنه رئيس منتدى الوسطية العالمي. وقطعت ندى بأن المؤتمر “الثامن” القادم الذي يُعد له الحزب الآن هو الذي سوف يحدد من يرأس الحزب بعد الامام الذي حزم أمره تماماً لترك رئاسة الحزب. وقالت إن الإعداد يجري على قدم وساق للمؤتمر العام الثامن وقد بدأ تكوين مؤتمراته القاعدية بالاضافة إلى تكوين لجنة عليا له وهو الذي يأتي برئيس جديد لحزب الأمة القومي. وقالت إن الامام لم يفرض نفسه على الحزب وإنما جاء رئيساً للحزب عبر مؤتمر عام ولذلك فإن المؤتمر العام هو الذي يحدد الرئيس الذي سيخلفه على رئاسة الحزب في الوقت الذي لا يتطلب الأمر منه تقديم استقالته لجهة إن قرار التنحي جاء عن رغبة أساسية وأكيدة.

فاتورة باهظة

ويقول عروة الصادق مدير المركز الاعلامي لحزب الأمة، إن المهدي يعد أطول رؤساء الحزب بقاء في سدته، وللأسف لم تحظ هذه المدة رغم طولها باستقرار إذ أنها تبددت بين الاعتقال والتشريد والنفي والملاحقة الأمنية، ودفع لذلك فاتورة باهظة الثمن من ماله ووقته وعمره حتى أن أبناءه كانوا يعرفونه كصورة معلقة بجدران المنزل، نال في هذه المدة النصيب الأوفر من محاولات الإغتيال المادي و القتل المعنوي التي لم تخل من الإساءة والتجريح والسباب. مع ذلك حظي بالتأييد الشعبي الأوفر وصدقت فيه معايير الاختيار للقيادة أعلاهم همة وأوفاهم ذمة وأوفرهم إيمان زاد عليها الجهاد والاجتهاد، ورفد الكيان بانتاج فكري واسهام جعله يتموضع في صدارة القوى الفاعلة في السودان،  لذلك قوبل القرار الذي اتخذه بالتخلي عن المسؤوليات التنفيذية في الحزب بالرفض الواسع والاحتجاج العارم.

لا للتوريث

ولكن الأستاذة ندى جوتار عضو المكتب السياسي لحزب الأمة، ترى أن الامام ما يستطيع تقديمه للحزب قدمه ولذلك فهو يرى ضرورة ترك وإفساح المجال لغيره ليقدم الجيد في دائرة الحزب الكبير. وحول من يخلف الامام في رئاسة الحزب ترى إن الحزب زاخر بالقيادات والكوادر ولم تكن هذه بالمعضلة الكبيرة أمامه وتقول إن أي قيادي بالحزب مؤهل تماماً لرئاسته. وتنفي ندى ما يروج في الساحة السياسية بأن الامام يسعى لتوريث الحزب وتقول إنها رغبات وأماني بعض الذين يقولون بذلك وتؤكد بأن ساحة الحزب خالية تماماً من مثل هذه الأفكار بقولها: “إن من يقول بأن الحزب حزب رجل واحد فهو خاطئ وكلامه غير صحيح” في الوقت الذي ترى فيه أن مسألة (البيتية) والتوريث، والاشارة لذلك هي أشواق لبعض الناس، مؤكدة أن حق الترشُّح للرئاسة مكفول لكل أعضاء الحزب بما فيهم آل بيته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى