الطريق إلى سنجة والدمازين.. السفر قطعة من الجحيم

 

المأساة في سنجة أكبر من الحروف.. غرق أحياء بالكامل وضياع ممتلكات وأرواح

المواطنون: والي سنار لم يهتم بصيانة ترس سنجة… وأحمد عباس كان يفعل ذلك باكراً

امتعاض أهالي سنجة من غياب دعم ولايات الجوار بالقوافل والإغاثة

 

المملكة العربية السعودية الحاضر الأكبر والأبرز في إغاثة المنكوبين.. خيامها تمتد على مد البصر

الطريق إلى الدمازين.. المواطن بين السيارات والمراكب ضياع الوقت والمال

السودانيون عباقرة في (استيلاد) المهن ولقمة العيش من رحم الكوارث والمصائب

الطريق إلى الدمازين منهار يعج بالحفر.. لجنة تفكيك التمكين مطلوب منها هذا

 

كتب/ أحمد جبريل التجاني

ييدو أن من نجا من فيضان وسيل سنجة، كتب الله تعالى  له عمراً جديداً وهو ما يفرض عليه حمد الله والثناء عليه، حكايات مريرة تستدر  الدمع المالح أناس فقدوا منازل وأرواحاً وأموالاً ومدخرات، بعضهم أخرج زوجته وآخر خرج بنفسه تاركاً كل ما يملك وراءه للسيل.

أحياء الشرقي والسلام والعشرة والرماش وأم بنين غمرتها المياه تماماً مُجرّدة الأهالي من كل ما يملكون

صاروا بين انتباهة عين وإغماضتها بلا شيء.

مواطنو سنجة يشكون ضعف العون والغوث لكنهم يشكرون الملك السعودي سلمان وقوات الشرطة التي قالوا إنها ما زالت تعمل في ظل ظروف قاسية محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعانة من خرجوا سالمين على ابتدار حياة جديدة ربما داخل فصل مدرسي اتخذ كسكن بديل أو بإحدى الخيم التي تبرعت بها المملكة العربية السعودية

غرق كامل وغياب لقوافل ولايات الجوار

بعض أهالي سنجة ممن استطلعتهم (الصيحة) تحسروا على الغياب التام للدعم والمساندة من حكومة المركز(المادة أعدت قبل زيارة رئيس الوزراء بساعات)، وأكثر ما أحزنهم وحزّ في نفوسهم غياب الدعم والإسناد من ولايات الجوار النيل الأبيض والجزيرة، حيث وجدوا للنيل الأزرق العذر لانقطاع الطريق القومي سنجة الدمازين  في موقعين كما سنبين لاحقًا.

ترس سنجة سبب الأذى والوالي أخطأ في هذا

أفاد مواطنون (الصيحة) أن سبب اجتياح المياه للمنازل بسنجة إهمال حكومة الولاية ووزارة البنى التحتية لترس سنجة الذي دائمًا يعاد تأهيله سنوياً وقبل الخريف في شهر يونيو، وذكروا أن الوالي الأسبق أحمد عباس كان يقف على ذلك بنفسه لأنه مهندس يعي تماماً خطورة إهمال صيانة الترس وإعادة تأهيله، المواطنون صبوا جام غضبهم على والي الولاية الذي وصفوا تعاطيه مع الكارثة بالضعيف وفاقم خسائرها، وأنه لم يسع لجلب العون من المركز أو الخارج، وانتقدوا مدير عام وزارة البنى التحتية ومساهمته في تراكم الأضرار بعدم اتخاذه أي إجراءات وتدابير تحد من الخسائر حيث حول آليات الوزارة للعمل في سنار بتوجيه من والي الولاية تاركاً صيانة ترس سنجة الذي يحمي المدينة من مياه النيل الأزرق الأمر الذي قاد إلى النتائج الماثلة والكوارث التي وقعت.

الطريق من سنجة إلى الدمازين.. قطعة من الجحيم

قديماً كان للسفر سبع فوائد، لكن في حاضرنا أضحى به من الأضرار الكثير، خاصة في بلادنا حيث ضعف البنى التحتية وشح الوقود وارتفاع أسعار الاسبيرات وجشع السائقين،  لم أجد من السبع فوائد حتى (صحبة ماجد) لم أجدها حيث استفسرني الشخص الذي يجلس خلفي (بتصور كتير كدة مالك مغترب ولا شنو) لحظتها أدركت أنني في سفر بلا فوائد بل نصب ومشقة وصحبة سائل لا ماجد، السفر من مدينة سنجة إلى الدمازين أضحى صعباً وخطيرًا جدًا، حيث دخلت فيه وسيلة نقل مبتكرة وجديدة (المراكب) ذات المحركات الصغيرة، السودانيون أهل إبداع، من رحم معاناتهم (يستولدون) مهناً وحرفاً وأدباً جديداً، انقطع الطريق القومي سنجة الدمازين في موقعين (أبوحجار وود النيل) العبور يتم بالمراكب وسط سيول جارفة منحدرة بسرعة مرعبة من الغرب تلقاء النيل شرقاً، لا يعلم أحد من أين وكيف وصل هذا العدد المهول من المراكب ذات المحركات الصغيرة والسعات المختلفة التي يقود بعضها صبية صغار دون الخامسة عشرة في مخالفة صريحة لقوانين العمل وتشغيل الأطفال وعدم مقدرة طفل صغير على التصرف إذا جرفت المياه المندفعة القارب الصغير أو تعطل محركه في عرض الماء، مياه بكميات مهولة ومرعبة عندما تسأل أهل المنطقة من أين تأتي هذه المياه الهدارة يردون بعدم العلم، يبدو أن التغيّر المناخي سوف يجلب لنا كل خريف كوارث إذا لم تلتفت لها الحكومة بالتخطيط السليم والعمل الجاد فلربما نجد مدنَا وقرى عتيقة تنمحي من الوجود.

تاكسي (الدوام لله).. السيل يكسر صموده ويبطّئ سرعته

عندما ينطلق بك التاكسي القومي الأصفر المسمى صدقاً (الدوام لله) من سنجة فإن محطته الأخيرة لن تكون الدمازين بل مدينة (أبوحجار) القريبة من سنجة حيث تبعد أربعين كيلومتراً، سعر التذكرة 200 جنيه تترجل من السيارة فترى أرتالاً من الدفارات والشاحنات محملة بالبضائع وناقلات البترول متوقفة عند (الكسر) جنوب مدينة (أبوحجار) حيث يستحيل العبور إلا على ظهر مراكب صغيرة تتنأثر داخل البحيرة الضخمة التي كونتها مياه السيول المنحدرة بقوة تجاه النيل الأزرق.

تمتطي المركب بـ50جنيهاً ليعبر بك أنواء وتياراً قوياً وموجاً يلطم حافتي المركب كأنه ثكلى على عزيز مات، ما أن تضع قدمك على اليابسة تحمد الله الذي نجاك من أليم وأهواله فلا هول أكبر من مد وجزر الموج وصعود وهبوط المركب على ظهر الأمواج العنيفة، تصطف السيارات الصغيرة بالضفة الأخرى بعد (الكسر) يتبارى السماسرة و(القموسنجية) في استقطاب الركاب، ألم أقل أننا شعب مبدع فى استيلاد المهن من رحم المعاناة، فقد خلق هولاء القوم حياة وسوقاً رائجاً وسط الأمواج والخلاء  تتناثر خيام بائعات الشاي والأطعمة وصبية الدرداقات حاضرين وغيرهم من المهن، تمتطى عربة ملاكي بـ150جنيهًا من تخوم مدينة (أبوحجار) حيث انشق نيل ثالث انضم لأشقائه الأبيض والأزرق إلى مدينة ود النيل  تهبط بجرف وكسر آخر أقل خطورة وطولاً من سابقه لتصعد إلى عربة أتوس مهترئة ثمن تذكرتها خرافي400 جنيه في حين ثمن تذكرة البص لذات المسافة 200 جنيه في صورة جلية لجشع وطمع أصحاب المركبات من جهة، وللظروف المحيطة بهم من قسوة الطبيعة التى حجزت ناقلات البترول بالناحية الأخرى ليرتفع سعر الجالون بالسوق السوداء الى 700 جنيه مع شح وندرة داخل الدمازين المرشحة في الأيام المقبلة لانعدام سلع وغلاء بعضها خاصة الأدوية بإضافة قيمة العبور براً وبحرًا وزيادة تكاليف التحميل بدخول تكلفة عمليات الشحن والتفريغ التي تتم في مناطق الكسورات.

 

طريق سنجة الدمازين.. هل تضع لجنة التفكيك يدها على منفذيه

ظل طريق سنجة الدمازين منذ العام 2010 أسوأ طريق في أفريقيا وربما العالم، حفر عميقة منتصف الأسفلت تبتلع السيارة بكاملها، لم تطله يد الترميم والترقيع والإصلاح، رغم أن عدة ولايات حظيت بطرق جديدة وبأطوال مختلفة ورقعت بعض الطرق القديمة إلا أن هذا الطريق الهام جدًا ظل مهملًا وهو أكبر شاهد على فساد النظام المخلوع، يشاهد المرء ذاك الفساد بعينيه حيث يمتد جزء من الطريق بأسفلت جديد لم يمض على تنفيذه عامان ونصف لكنه أصيب بالداء المزمن وعلامة الفساد الجهيرة (الحفر)، الجميع يتساءل كيف لطريق جديد يصاب بالحفر هل هو خلل في التنفيذ أم تلاعب في المواد وإخلال بكمياتها أم عدم التزام بالمواصفات من المنفذ ثم تساهل من الجهة التي استلمت الطريق سواء كانت الهيئة القومية للطرق والجسور أو جهة استشارية ولائية؟ وهو ما يستدعي أن تضع لجنة إزالة التمكين يدها على الجزء الجديد المنفذ من هذا الطريق لتحاسب الجهة المنفذة.

 

السيول تواصل التدفق.. والحذر واجب

 

تلاحظ بعد منطقة ود النيل وأنت على مقربة من الدمازين غمر المياه بشكل كامل لضفتي الطريق، باتت غابات كاملة مغمورة بالمياه التي تتدفق بقوة في اتجاه الشمال الجغرافي بل تجاوزت في بعض المواقع الاسفلت وعبرت من فوقه الأمر الذي يهدد بانقطاع جديد في مواقع إضافية ما يفاقم الأزمة ويضاعف تكلفة التنقل للمواطن ويؤخر عمليات إصلاح الكسرين لتنساب البضائع والبترول، حيث أن مدينة الدمازين والمدن والريف الذي يقع جنوب منطقة الكسر سوف يدخلون في ندرة وشح الغذاء والمواد الاستهلاكية والوقود وهو أمر تخوف منه مواطنون كُثر استطلعتهم (الصيحة) حيث أشاروا إلى ارتفاع حاد في أسعار بعض السلع على رأسها البصل الذي وصل إلى عشر آلاف جنيه للجوال الواحد.

 

حمدوك وحميدتي وعلاقتهما بفئات العملة 500 و200 جنيه

في مدينة سنجة أثناء الاستراحة مددت ورقة فئة 500 جنيه لبائعة القهوة التي تناولتها  وخاطبت جارتها بائعة الأطعمة عندك فكة؟ سألتها الأخرى حمدوك ولا حميدتي؟ ردت عليها حميدتي أجابتها نعم تتوفر فكة وقد كان، سألتها عن مغزى ذاك فقالت إنهم يطلقون على فئة الخمسمائة جنيه حميدتي بينما المئتي جنيه سميت حمدوك.

 

السودانيون.. ضياع الموارد وإهدار فرص النهوض

تأملت ما مررت به ومعي المئات من العابرين من وإلى الدمازين وسنجة من أزمات ومصاعب ومتاريس وربما غرق وشيك واهتراء بالكامل لطريق سنجة الدمازين وغيرها من المصاعب، نحن نهدر الفرص بشكل ينم عن لا مبالاة وغباء وعدم وطنية، لقد خصنا الله تعالى بموارد وخيرات تراها أمامك، المياه الجارية التي نخاف منها ونخشى اجتياحها لمنازلنا ومزارعنا وضرعنا وتسببها في مجاعة متوقعة هذا الموسم حيث غمرت مساحات شاسعة مزروعة بالذرة خاصة بين ود النيل والدمازين ، الأنعام التي ترعى وسط السهول الخضراء أبقار وضأن على مد البصر، محاصيل زراعية وغابات وسماء مثقلة بحملها من الماء كل هذه نعم لو وجدت شعب ونخب غيرنا لصنع منها عالماً من الرفاه والكفاية لكنا نظل ننتحب ونلطم خدودنا ونتخوف من المياه والخريف كل عام دون أن نمارس العصف الذهني لنفعل شيئاً غيجابياً  يعود علينا  وعلى اقتصادنا بالنفع.

أرجو أن تلتقط الحكومة الأفكار التي تبذل على وسائل التواصل الاحتماعي وغيرها وأن تحاول استغلال بنود محددة لدى المنظمات الكبرى والدول الصديقة لإحداث تغيير جذري في طريقة تعاطينا مع مياه الأمطار والسيول، لابد من إيجاد معالجات يستفاد بها من تلك المياه في موسم الصيف والسقيا، فلا يعقل أن تغرقنا المياه في موسم الخريف لنخرج منه ونواجه العطش.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى