مخاوف بالخارج ولا مبالاة بالداخل .. فيضان النيل يهدِّد التاريخ

الخرطوم- الصيحة

تهديد آخر من فيضان النيل غير المسبوق هذا العام، لفت إليه خبير الآثار الفرنسي مارك ميلوت، وهو تهديد التاريخ الطويل من المواقع الأثرية السودانية، والذي بدا أنه لا يجد الاهتمام الكافي في خضم الكوارث التي خلفها موسم الخريف الحالي في الأرواح والممتلكات ولا زال يواصل هياجه في طول البلاد وعرضها..

وكشف موسم الفيضان عن عورات كبيرة في جانب الاهتمام والاحتفاء السوداني بالآثار الممتدة لآلاف السنين، والتي جذبت ومازالت تجتذب اهتمام علماء ومختصي الآثار في كل دول العالم، ويُبدون شغفا واهتماما وتقديرا لها، أكثر مما يبديه السودانيون “أصحاب الحق”، ويتجلى ذلك في عمليات التمويل الكبير للبعثات الأثرية والترميم والتي تعتمد في غالبها على الخارج مقابل جهد متواضع من الداخل، ووصف البعض الجهود الحكومية التي ظهرت بعد بروز خطر الفيضان بأنها لا ترقى لقيمة هذا التاريخ الذي تهدده الفيضان، وقبل ذلك يتهدده الإهمال.

ابتلاع التاريخ

وحذَّر رئيس الوحدة الأثرية الفرنسية بهيئة الآثار السودانية مارك ميلوت، من العواقب الكارثية للفيضانات التي تضرب الدولة العربية، وقال ميلوت في تصريحات طبقا لوكالة (فرانس برس) الفرنسية الاسبوع الماضي “تهدد فيضانات السودان بابتلاع مواقع أثرية عتيقة في السودان”. وأضاف: “يبلغ عمر البجراوية نحو 2000 عام في عهد الحضارة المروية”.

وتضم المنطقة الأثرية المذكورة الأهرامات المروية التي تصنفها منظمة اليونسكو كموقع تراث عالمي.

واستطرد الخبير الفرنسي: “الوضع حاليًا تحت السيطرة لكن مستوى النيل يواصل ارتفاعه، وربما لا تكون الإجراءات المتخذة كافية لحماية الموقع الأثري الذي عادة ما يبعد مسافة 500 متر عن النيل”.

ووفقا لميلوت، فإن هناك مواقع أثرية أخرى في السودان تقع تحت طائلة التهديد.

واختتم  التقرير: “لقد بنت الحضارات السودانية القديمة عددا من الأهرامات يتجاوز ما بناه المصريون لكن الكثير منها لم يتم اكتشافه بعد”.

حالة طوارئ

الأمر إذن خطير، والمؤشرات غير جيدة بشأن هذه الجزء المهم من تاريخ السودان، وذلك ما يستدعي إجراءات وتدابير خاصة، ولو جاءت متأخرة وبإمكانيات شحيحة وربما غير مواكبة، وهو ما أقرت به الهيئة العامة للآثار والمتاحف منتصف الأسبوع، ومضت إلى إعلان حالة الطوارئ والاستعداد، وتم قطع الإجازات لكل العاملين في الهيئة إثر تعرض كثير من المواقع الأثرية لخطر الغمر بمياه النيل، حيث يجري عمل مسوحات ومصدات للمياه في المواقع التي تأثرت بمياه الفيضان.

وقال إعلام الهيئة في تصريحات صحفية، إنه يتم تضافر الجهود من الهيئة العامة للآثار والمتاحف ومكاتب الآثار الإقليمية وتوجت بزيارات ميدانية من قبل وزير الثقافة والإعلام ووزيرة التعليم العالي ووزارة السياحة والآثار ولاية نهر النيل وادارة السياحة بعطبرة وإدارات جامعات الخرطوم، بحري، النيلين، وادي النيل، حيث بذلت خلالها مجهودات كبيرة لإنقاذ موقع الحمام الملكي في منطقة البجراوية بعمل تروس بواسطة العاملين في الهيئة ومشاركة أهالي المنطقة بدعم مقدر من منظومة الصناعات الدفاعية تمثلت في الجوالات، كما أسهم العاملون في الهيئة بتبرعات نقدية لتوفير بعض احتياجات زملائهم العاملين في المواقع المتأثرة.

وأوضح إعلام الهيئة، أن المسوحات الأولية تشير لتأثر بعض المواقع الأثرية في ولاية نهر النيل أبرزها الحمام الملكي الذي غمرت المياه أجزاء منه تم سحبها وتأمين الموقع كما أن خطر الفيضان يهدد الآن مواقع جبل البركل، النقعة، وادب الطريف، الحصا، مويس. وفي ولاية الخرطوم لمواقع الطوابي في الحتانة، توتي، شمبات.

وأعلنت أن الجهود ستتواصل لدرء آثار الفيضان حيث يتزايد التهديد بارتفاع مناسيب النيل ويتزايد خطر بقاء المياه المحيطة بالمواقع مما ينتج عنه تزايد في نسبة الرطوبة وإمكانية التسرب مما يزيد الحوجة لمزيد من التحوطات العاجلة.

محاولات للتأمين

وفي السياق، أكد مدير السياحة والآثار بولاية نهر النيل عبد الباقي عجيب لـ(الصيحة)، التأمين على آثار البجرواية في محلية شندي من آثار فيضان النيل خاصة الحمام الملكي، وقال إن التأمين تم بفضل جهود حكومة الولاية وشرطة السياحة ومحلية شندي وشباب المقاومة بالولاية وجهود جامعات الخرطوم وشندي.

ونوه إلى أنه تم عمل ترس ضخم لحماية المدينة الملكية، وشكر العاملين بالآثار على جهدهم وكذلك وزيرة التعليم العالي على اتصالاتها حتى تمت حماية الآثار من فيضان النيل، وأكد بذل جهدهم مستقبلا لحماية الآثار الخاصة بالولاية لأنها مسجلة عالميا ومن أهم ثقافات الولاية.

وأبدت الحكومة اهتماما بالآثار الواقعة شمالا، من خلال زيارة تفقدية لموقع الحمام الملكي بالبجراوية من وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح، الذي أكد أن المدينة الملكية موقع في غاية الأهمية وهي أهم الشواهد على مدينة مروي بتاريخها وآثارها والتي تحوي معبد الإله آمون والحمام الملكي مما يجعلها موقعا مميزا.

ونوه إلى أهمية الموقع بعد أن تكتمل فيه بعض الترميمات وفتحه للزوار، وأوضح أن الناس يكتشفون جمال وروعة الآثار في هذه المنطقة، ولفت إلى أن سرعة وصول الجهات ذات الصلة للموقع الأثري والاطمئنان على سلامته تعكس أهمية الموقع.

وأشاد فيصل ببعثة جامعة الخرطوم وجامعة شندي كلية السياحة والآثار والهيئة العامة للآثار والدفاع المدني والشباب الذين قدموا جهودا مقدرة بإقامة التروس أو المصدات لصد المياه عن المنطقة، وأشار إلى تأثر الحائط الخارجي للمدينة الملكية والذي لازال جزء منه مغمورا بالمياه، ولفت إلى أن المنطقة الأثرية بالداخل لم تتضرر وذلك بفضل تداركها في الوقت المناسب بوضع مصدات المياه.

وقال صالح إن الحكومات السودانية المتعاقبة لم تخصص ميزانية لدعم البعثات الاثرية في التنقيب والترميم وانما اعتمدت على التمويل الأجنبي، ودعا إلى نفير وطني يخصص عائده للمدينة الملكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى