محمد فقيري يكتب : دَوَّامة التّوهـــان بين تعاليم الإسلام وسلوك المسلمين الالتصاق الصفيق والبُعد السحيق السودان نموذجاً (1)

 

بول هوسفورد ، بروفسر وباحث بريطاني، أعد دراسة مثيرة جداً، استخرج الباحث من القرآن 113 مبدأ مثالياً يعتمد على العدل وتساوي البشر وحرية الاعتقاد وحُسن الأخلاق والمعاملة والنزاهة وعفة اليد وتحمل المسئولية وبناء المجمتع وتوفير الأمن والسلام وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوفير كل ما يؤدي إلى الرقي والتطور. أخذ الباحث في مقارنة دساتير  وقوانين  دول العالم، ومدى اقتراب هذه الدول أو بُعدها عن هذه المبادئ والتعاليم في إدارتها للدولة فيما يتعلق بالعدل وتوزيع الثروة والحريات العامة وإدارة الاقتصاد واحترام حقوق الإنسان ونزاهة القضاء وتوفير الكرامة وتوفير الحد الأدنى للمعيشة مجاناً وتوفير فرص التعليم والصحة ومدى فهم الشعوب ومدى التمسك بها وتطبيقها لهذه المبادئ في ذاتها دون النظر إليها كمبادئ دينية، وإلى إي مدى تظهر هذه المبادئ في المجتمعات.

لم يتطرق الباحث إلى العبادات، فالعبادات من صوم وصلاة وحج و…. إلخ ، لا تخص إلاّ صاحبها، ولا ينتفع بها الآخرون في شيء، ولم يتطرق الباحث للحدود باعتبار أنها كقوانين يُمكن أن تتغير من مكان/ زمان وآخر.

النتيجة، رغم غرابتها، لا تصدم إلاّ من كان من المغيبين أو قل المُستعطفين، فكل من يَعْلم (الدين) في أصله القرآني لن ينصدم، لأنه يعلم البُعد السحيق بين روح الدين الإسلامي ومقاصده العليا وتعاليمه الأسمى وبين ما يصوره فقه الشريعة للمسلمين من قشور وفرعيات ومضامين بعيدة عن روح الدين، أو تصوير هذا الفقه للعبادات والحدود كأنها هي الدين، الفقه الإسلامي (اختزل) الدين في المظاهر الشكلية في اللبس والهيئة الخارجية والعبادات (الحركية) ورجم الزاني وقتل المرتد وقطع يد السارق والتكبير والتهليل، وانشغل هذا الفقه في جانب كبير منه بـ (الأرأيتات)، أرأيت إن فعل أحد كذا فما حكمه؟ ، وانشغل في جانب منه كبير بإثبات الأحاديث وصحتها وعدم صحتها وضعفها وحسنها وعنعنتها وآحادها ومتواترها، وانشغل أيضاً في جانب منه كبير بمغالطة آيات القرأن الكريم في قضية حرية الاعتقاد، الآيات صريحة وواضحة في مخاطبة الفرد وتخييره  في الإيمان أو الكفر، ولكن الوقت الذي يبذله الفقهاء في تعيين الكافر والمشرك والمرتد والزنديق والخارج عن الملة أكثر بكثير من نشر الوعي الأخلاقي الديني الذي يؤدي إلى صلاح الفرد وبالتالي المجمتمع، واللحية وحف الشوارب والمسواك وشرب الماء في حالة جلوس فيه كلام أكثر مما في الأمانة والصدق، وقضايا النفاس والاختلاط ورضاع الكبير، أهم من الحرية الشخصية، ودخول الحمّام بالرِجِل اليسرى والخروج منه باليمنى، أهم من بسط العدل وتوفير لقمة العيش للناس، وعدم مصافحة المرأة أهم من عدم مصافحة المال الحرام، وقضية مثل مجامعة الزوجة المتوفية تأخذ من النقاش والجدل، أكثر مما تأخذ قضايا النزاهة وعفة اليد، والكلام عن الواجب والمكروه والمستحب في العبادات أكثر بكثير عن الكلام في الواجب والمكروه والمستحب في الآداب والمعاملات، واللعن والشتم والتفاف والقذف، أهم من احترام حقوق الإنسان، وحجاب المرأة أهم من تعليمها، ومقالة قصيرة  في صحيفة أو رأي مخالف في مقابلة تلفزيونية يقيم الدنيا فتنطلق هراوات الفقهاء الغليظة وتتطاير أحكام التكفير المُجهّزة مسبقاً لتحطم رأس المُفكر صاحب الرأي المخالف، وكِتاب صغير في نقد الإرهاب الديني، يحلل دم الكاتب ويسوّغ قتله، بينما يسد الفقهاء والشيوخ حراس الشريعة آذانهم عن فساد (أولياء الأمور) وظلمهم البائن، ولحكمة ما لا يسمعون صراخ المظلومين وتضور الجوعى وأنين المرضى وموت الأطفال جوعاً، المساحة التي تحتلها القضايا الجانبية في الفقه الإسلامي أكبر بكثير مما تحتله قضايا كرامة الإنسان والقيم الأخلاقية والإنسانية العليا.  الفقه الإسلامي هو المسئول عن فساد المفسدين وتجبر الحُكام وتسلط السلاطين وبقاء المجرمين في السلطة بتبريرها لوجودهم بحجة درء الضرر ، والفقهاء والشيوخ في تلك الحجة منافقون، إذ هم قعود على منافع ومصالح مرتبطة بوجود هذه الأنظمة المستبدة، فهذه الأنظمة تشتري منهم النفاق بالصرف عليهم وعلى هيئاتهم ورابطاتهم بسخاء. وفي المحصلة تضيع حقوق الناس بين استبداد المُستبد وخضوع الفقهاء والشيوخ لشهواتهم الدنيوية.

ما تعيشه الأمة الإسلامية من تخلف وأزمات وانحدار وجهالة وهمجية وغيبوبة وانهيار أخلاقي وانحطاط قيمي وهوان وذُل وسطحية في أمور الدين والدنيا، هي نتيجة ما جَنى علينا الفقه الإسلامي في محاولة تفسيره  للنصوص الدينية لسن قوانين الشريعة الإسلامية وتثبيتها في القرون الأولى، ونتيجة لذلك فالتصاق المسلمين بالدين الإسلامي ، للتصاق صفيق، بكل ما لكلمة (صفاقة) في اللغة من معنى، أو أن علاقة المسلمين بالإسلام هي نوع من التوأمة السيامية يقال لها (توأم طفيلي)، وهما (تَوأَمان مُلْتَصِقانِ لا مُتَنَاظِرَان، حيث يكون أحد التوأمين صغير الحجم وغير مكتمل و يعتمد على التوأم الأكبر للبقاء على قيد الحياة.)، فالمسلمون توأم قبيح غير مكتمل مُشوِّه للدين السمح الحنيف المبني على مكارم الأخلاق التي جاء الإسلام ليتمها في المقام الأول.

دعونا الآن نشنف آذاننا أو نسعد عيوننا بنتيجة الدراسة المذكورة أعلاه، والتي قلنا إنها أُجريت للتحقق من مدى تطبيق الدول لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف في الإنجازات الاقتصادية، والحقوق الإنسانية والسياسية والاجتماعية، والعلاقات الدولية للبلد، إضافة إلى بنية السلطة ومدى قربها أو بعدها من المبادئ الإسلامية. ليس عجيباً ــــ بالنسبة لي شخصياً ـــــ أن من نسميهم بدول الكفر والإلحاد والشِرك والإباحية والعلمانية واليهودية والنصرانية وأعداء الله والدين ، ومن ندعو عليهم ليل نهار بالدمار الشامل والانهيار الكامل والتفتت والتشرذم والذل والزلزلة وتشتيت الشمل، ومن نعِدهم، في صولاتنا الأسدية الكاذبة، بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ومن نهتف بأن عذابهم قد دنا على أيدينا، هؤلاء الكفرة الفجرة، جاءت دولهم في المراتب الـ 32 الأولى، ثم ظهرت ـــ على استحياء ـــــ أولى الدول الإسلامية في المرتبة الـ 33 ، وهي ماليزيا ، ثم ظهرت ــــ على استحياء أيضاً ــــ أولى الدول العربية في المرتبة الـ 48 ، وهي الكويت ، وجاءت السعودية  ـــــ صاحبة الشريعة السمحاء ــــــ في المرتبة الـ93 ، أما سوداننا الحبيب ـــــ صاحب المشروع الحضاري الإسلامي ـــــ وصاحب أعلى الأصوات في الكلام عن الشريعة الإسلامية ، فلم يقصّر أبداً، إذ كافح كفاحاً مستميتاً حتى لا يأتي في مرتبة (الطيش) فتمكن من الالتصاق بالعشر ة الأواخر. جاءت إيرلندا في المرتبة الأولى ثم الدنمارك ثم السويد ثم تلتها الدول الأخرى ذات الرفاهية العالية و(الترطيب) العالي. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

نواصل

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى