اقتصاديات السلام .. بشريات الاستقرار والتنمية

 

الخرطوم : رشا التوم

تفاءلت الأوساط الاقتصادية بتوقيع الحكومة والجبهة الثورية اتفاقية السلام الموقعة في جوبا ووقف الحروب والنزاعات  للبدء في عملية التنمية وإحداث الاستقرار المطلوب لتوظيف إمكانيات وموارد المناطق التي شهدت حروباً تمهيداً لعودة اللاجئين والنازحين لإعمار قراهم ومناطقهم لزيادة عملية الإنتاج ودعم الاقتصاد الوطني.

  ما بين الحرب والسلام

وما يهم في المرحلة المقبلة إدارة الاقتصاد في وقت السلام، إضافة إلى تهيئة الأنشطة الاقتصادية وإعدادها لتغيير مسارها للسير في طريق السلام. ومثلما تهتم الدول بميزانيات الحرب يتوجب على الحكومة الأن الاهتمام  باقتصاد السلام بإعادة توظيف ميزانيات الإنفاق العسكري وإدارة مخصصات القوات المسلحة ومواردها لإدارتها بمنظومة اقتصادية تصبو نحو تحقيق الأمن والسلام.

وقد زاد اهتمام الاقتصاديين بمجالات الحرب والدفاع، مع التزايد الكبير في الميزانيات العسكرية من جهة، وضخامة النفقات التي تتحملها الدول المتحاربة، وأثر ذلك في النشاط الاقتصادي من جهة ثانية.

فقد دأب الاقتصاديون منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى على دراسة أثر الإنفاق العسكري في سير العملية الاقتصادية؛ كما اهتموا بضرورة تكييف النشاط الاقتصادي لتلبية الاحتياجات العسكرية والمدنية على السواء.

ومن المنظور الاقتصادي ليست النفقات العسكرية والحربية مجرد اقتطاع من الفعاليات الاقتصادية، ولكنها أداة تدمير للنشاط الاقتصادي أيضاً، مما يقتضي التخطيط والتهيئة لإعادة الإعمار بعد انتهاء العمليات الحربية. هذا كله جعل الاهتمام باقتصاد الحرب والدفاع يتزايد يوماً بعد يوم مع اشتداد النزاعات بين ىالأطراف المتنازعة .  وفي ضوء قيام نظام دولي جديد، ينتظر أن يتحول المجال الرئيسي لاهتمامات اقتصاد الحرب والدفاع إلى إعادة تأهيل الصناعات الحربية لأهداف مدنية، وإلى معالجة المشكلات التي ستنجم عن نزع السلاح مثل إعادة تأهيل أفراد القوات المسلحة وإيجاد فرص عمل لهم، ومعالجة فوائض الإنتاج التي ستترتب على تحويل الإنتاج العسكري إلى إنتاج مدني. وبما أن التوقيع على اتفاقية السلام قد تم فإن اهتمامات اقتصاد الحرب والدفاع ستتحول من التدمير إلى البناء، ومن معالجة الانعكاسات السلبية على الاقتصاد ومحاولة تخفيفها إلى دراسة الآثار الإيجابية الممكنة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية  على المستوي الداخلي  ومحاولة الوصول بها إلى الحد الآمن غير أن الأمر لن يحدث  في القريب العاجل، وبحسب مشروع ميزانية العام 2019م فقد رفعت توصية  بخفض نسبة الصرف على الأمن والدفاع الى 13%  بدلاً عن 16% في موازنة العام 2018م.

جيوش ومصروفات

ومن ناحيته قلل وزير المالية الأسبق د. عز الدين ابراهيم من تداعيات توقيع السلام على الاقتصاد الوطني وقال لـ(الصيحة) إن هنالك جيوشاً سوف تكون في تلك المناطق لحفظ السلام مثلما كانت موجودة إبان الحرب وقطع بأن الصرف علي تلك الجيوش لن يتراجع كثيراً من مستوياته السابقة، وهنالك جنود من الحركات المسلحة والتي انضمت حديثاً الى عملية السلام يلزمها مصروفات للتدريب  وغيره وتحاج أموالاً  كبيرة لاستيعابها وأثر وقف الحرب وإحلال السلام على الاقتصاد يتضح جلياً في المناطق التي شهدت نزاعات وكانت خارج الإنتاج الزراعي والرعي وبإحلال السلام تعود الأوضاع إلى طبيعتها مما يزيد الإنتاج وبعودة النازحين واللاجئين لإعمار مناطقهم وزيادة الإنتاج، ولفت الى أن النزاعات لها أثر سيئ جداً على التجارة والتي تعرضت لعمليات النهب والسلب سوف تعود إلى نشاطها تدريجياً ويعد العمل التجاري أحد أسباب النمو الاقتصادي بجانب انتعاش النشاط التجاري وعودة المدارس والمستشفيات والاتصالات مما يزيد الحركة التجارية وأكد أن حصاد ثمرة السلام لن تجنيها البلاد غداً أو بعد غد وإنما يحتاج الأمر الى المزيد من الوقت، مبيناً أن عملية  السلام تمهد الى جذب الاستثمارات في المناطق التي كانت تشهد نزاعات واستغلال إمكاناتها ومواردها الطبيعية.

وقف الإهدار

وفي اتجاه مغاير تماماً للرأي السابق، يرى الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم أن إبرام اتفاقية السلام يعد اختراقا كبيراً للسودان  والبدء في حل المشكلات التي خلفتها الحرب منذ تاريخ استقلال السودان وحتى اليوم، وأكد أن من نتائج الحروب الدائرة وصلت ميزانيتها  إلى مليون دولار في اليوم الواحد إبان فترة حرب الجنوب وتلتها حرب دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والتي استنزفت كثيراً من الأرواح والأموال والموارد والطاقات والتي حال تم ادخارها لوفرت وأحدثت نقلة كبيرة في البلاد، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن الحروب التي اشتعلت في البلاد كانت نتاج تدخلات دولية وإقليمية  في المقام الأول مستهدفة إمكانيات وموارد السودان والحد من انطلاقه،  وساهمت تلك الحروب في إضعاف السودان وتراجعه في كافة المناحي  أسوة  بدول الجوار واستطاعت الحروب أن تنقص من أراضي  وسواحل السودان،  وزاد  أن وقف الحرب يوفر موارد يمكن توجيهها  للتنمية، وعاد ليقول أظن الحرب  تحد من قدوم المستثمرين والاستثمارات  الأجنبية والمحلية وأن السلام له أبعاد سياسية واقتصادية، وتمنى أن  تلحق الحركات المسلحة التي لم توقع بركب السلام  لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى