الخرطوم ــــ تل أبيب.. زاوية دبلوماسية 

 

الخرطوم ــ مريم أبشر

نهاية أغسطس المنصرم، رمى السفير د. حيدر البدوي الناطق باسم وزارة الخارجية حينها، بحجر ضخم في بركة ساكنة بإثارته ملف التطبيع مع إسرائيل على خلفية لقاء عنتيبي التاريخي بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، وما يدور من نقاش حوله في الغرف المغلقة، وقال إن السودان يتطلع لتطبيع علاقاته مع إسرائيل، وخاطب البدوي في مقال إسفيرى أردفه لاحقاً بحديث لوسائل إعلام وبعض القنوات، البرهان ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بأن يحترما شعبهما ويكشفا له ما يدور في الخفاء والغرف المغلقة بشأن العلاقات مع إسرائيل.

ظهور علني

حديث البدوي الذي قال فيه إن الخارجية مغيبة عن هذا الملف، لم يرض وزير الخارجية المكلف د. عمر قمر الدين، حيث أصدر قراراً بإبعاده من وظيفته ناطقاً باسم الخارجية، وقال في بيان إن أمر العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لم تتم مناقشته في وزارة الخارجية بأي شكل من الأشكال، ولم يتم تكليف الناطق للإدلاء بأي تصريح في هذا الشأن، غير أن تطورات الأوضاع وما رشح من تسريبات حول الهدف الأساسي من الزيارة التاريخية لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من تل أبيب رأساً إلى الخرطوم ومباغتته لـ”حمدوك” أثناء لقائهما فور وصوله مطار الخرطوم بمد هاتفه وطلبه له بالحديث مع نتنياهو، لتمهيد الطريق لتقديم طلب للكونغرس لإصدار قرار برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، أثبت صحة حديث السفير البدوي.

وبعد ظهور ملف التطبيع للعلن والربط المحكم لواشنطن بينه وبين رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وما تشهده البلاد جراء ذلك الوجود في القائمة السوداء للخارجية الأمريكية من ضائقة اقتصادية خانقة، تباينت مواقف وآراء عدد من الدبلوماسيين من هم في الخدمة والخبراء المعاشيين بين مؤيد مستنداً على تغليب مصلحة الشعب السوداني الذي ثار واقتلع النظام الذي وضعه بموجب سياسات رعناء على تلك القائمة، وبين رافض للابتزاز الأمريكي وربطه غير الأخلاقي بين ملفين مختلفين ومبدئي من القضية الفلسطينيةوحقهم العادل في قيام دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية.

كل الاحتمالات

وكيل الخارجية السابق السفير صديق عبد العزيز، يرى أن فاعلية عملية التطبيع بين البلدين تعتمد على الأهداف الحقيقية لأطراف التطبيع، كما تتوقف أيضاً على أهداف الطرف الثالث وهي أمريكا وقال لـ(الصيحة): “إذا اعتمدت كافة الأطراف مبدأwin-win situation ستتسع دائرة فرص نجاح العملية”، لكنه لفت إلى أن واقع الحال قد يشير إلى غير ذلك لأن إسرائيل تسعى لتطبيع بأقل ثمن وواقع السودان يتعارض مع ذلك, وفي وقت يعلم الكل العقلية الأمريكية هي مراعاة ما تريد واشنطن فقط، وبالتالي تبقى العملية مفتوحة على كل الاحتمالات.

توازي المصالح

لا يوجد شيء دون ثمن ويجب أن يكون الثمن متوازناً مع الفعل، وهذا ما يعتقد السفير إسماعيل أحمد إسماعيل، وأنه يجب أن تعمل به الحكومة الانتقالية وهو تغليب المصالح، وقال إن كثيراً من السياسات التي اتبعتها الحكومة خلال الثلاثين عاماً السابقة أضرت بالبلاد كثيراً وأقامت علاقات مع جهات لم يكن للسودان مصالح فيها خاصة سنين الإنقاذ الأولى القائمة على مفاهيم أن الدولة الإسلامية ليس لها حدود، وأضاف لـ(الصيحة)، بأن السودان استوفى كل شروط إعفاء الدين، ولكن وجوده على اللائحة حرمه من الإعفاء، وأيضاً لم يستفد من اتفاقية كوتونو ووقف العون التنموي الأوروبي والإمداد المالي الدولي، وأشار إلى أن السياسات الرعناء وضعت البلاد في قفص مغلق بطبلة، وقال “حتى الإسلام يدعو لتغليب المصالح، ولذلك يجب أن نجعل مصلحة الإنسان السوداني تعلو فوق أي اعتبارات أخرى”.

نظرة دينية

هناك من ينظر إلى الأمر بمنظور ديني رغم أن القضية الفلسطينية في الأساس قضية سياسية اكتسبت بمرور الزمن أبعاداً دولية وإقليمية وشكلت فزاعة لما عرف في الدوائر الغربية والصهيونية بإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط، وهذا ما يراه الناطق الرسمي السابق لوزارة الخارجية السفير الصادق المقلي في حديثه لـ(الصيحة)، وقال “لعل النزاع  في إطاره وبعده الإقليمي إن كان قدر السودان بحكم انتمائه للوطن العربي أن يكون جزءاً من اللعبة الإقليمية، حيث دفع ثمناً لاهتمامه بقضايا الآخرين دون أن يجد منهم سنداً في محنه وأزماته الداخلية”. وأضاف: “ليس لإقامة علاقة للسودان مع إسرائيل أو عدمها خطر على الدين”، وأكد أن القضية سياسية يجب ألا يقحم الدين فيها، بيد أنه أضاف “لكن ذلك لا يمنع أن  نناصر الحق الفلسطيني وأن ندين أي محاولة لتدنيس القدس الشريف وتهويده”.

واستشهد المقلي في فقه الضرورة بحديث الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد في مقال له معلقًا على لقاء البرهان ونتنياهو حيث قال “تتعامل السلطة الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية لأنها مضطرة لذلك.. لماذا لا يلتقي مسؤول سيادي سوداني مسؤولاً إسرائيلياً؟  بلاده محاصرة وهو مضطر للبحث عن حلول لإنهاء أزمتها”، ولفت المقلي أيضاً لأحاديث بعض الدعاة القائم على أن مقاطعة إسرائيل موقف وليس مبدأ، وأن المواقف تتبدل وفقاً للمصلحة، وأن السودان جرب أسلوب المقاطعة ردحاً من الزمن دون جدوى بل تضرر منه كثيراً وأنه حان الوقت لاتخاذ طرق أخرى مثلما فعلت تركيا، مصر، الأردن وقطر خاصة وأنه  جائز شرعاً كما حكت عنه السيرة النبوية وليس هنالك في القرآن أو السنة ما يحرم التعامل مع إسرائيل أو تجريم التعامل مع اليهود.

ربط غير أخلاقي

وكيل سابق بوزارة الخارجية ــ فضل حجب اسمه ــ انتقد بشدة ربط واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل، وقال “فنياً ليس هنالك ما يربط بين الملفين خاصة وأن السودان استوفى كل الشروط منذ العام 2018م بما فيها الأجندة السياسية.

وأضاف لـ(الصيحة): “ليس هنالك ما يضمن إذا قبلنا بالتطبيع أن يتم رفع اسم السودان من القائمة”، وتابع “هنالك اختلاف في وجهات النظر حول التطبيع حتى داخل الحاضنة السياسية”، وزاد بأنه يجب أن تكون هناك قوة داخلية والتركيز على التطبيع بالداخل وعمل توافق وطني ووضع استراتيجيات للحلول، بجانب إقامة علاقات جيدة مع دول أخرى ذات تأثير كالصين والبرازيل وروسيا وغيرها، ولفت إلى أن المجتمع الدولي أصبح أكثر حرصاً على مصالحه، ويجب أن نستفيد من تجارب الآخرين.

ويشير الخبير الدبلوماسي السفير الطريفي كرمنو, إلى أنه منذ حرب 1948م أصبح واضحًا أن العالم العربي غير قادر على خوض حرب ضد إسرائيل خاصة بعد خروج مصر ودول أخرى بعد تطبيعها مع إسرائيل, وقال لـ(الصيحة): “حاليًا أمريكا تمارس إرهاباً غير قابل للمساومة وربطها للتطبيع مع إسرائيل مقابل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لا ينطبق على إسرائيل، لأن البارجة والسفارات التي اتهم النظام السابق بضربها وجراء ذلك وضع السودان على القائمة تخص أمريكا وليس إسرائيل، ولكن لأن أمريكا تعتبر إسرائيل إحدى ولاياتها وتضع إسرائيل في الظل وتعتمد إسرائيل على أمريكا كلياً من ناحية سياسية”.

وأضاف كرمنو بأن كل الفيتو الذي استخدمته أمريكا بمجلس الأمن كان في الواقع لصالح إسرائيل لحمايتها ومع ذلك إسرائيل تمارس العنجهية وترفض أي تنازلات أو إيقاف بناء المستوطنات، أضف إلى ذلك فإن وزير الدفاع الأمريكي أكد في حديث له أن بلاده ملتزمة بالتفوق العسكري الإسرائيلي على جيرانها في المنطقة.

واعتبر كرمنو أنه ليست هنالك أي مكاسب يمكن أن يجنيها السودان من إسرائيل، لكنه قال: “إذا تم ذلك ورفعت أمريكا اسم السودان من قائمة الإرهاب يجب أن يتبع ذلك شرط هو خروج تشريع أو قرار يمنع اتخاذ أي قرار آخر ضد السودان”، ورأى أن مبلغ السبعة مليارات دولار التي رشح الحديث عنها مبلغ ضعيف قابل عبور الطيران الإسرائيلي عبر الأجواء السودانية، فضلاً عن خسائر السودان جراء الحصار ووضعه على اللائحة السوداء، بجانب خسائر ضرب مصنع الشفاء واليرموك وقتل مواطنين ببورتسودان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى