مُظاهرات 30 يونيو – غداً أكثر إشْراقاً قضايا الإستراتيجيّة والتّكتيك الثّورة والثّورة المُضادّة

بقلم : ياسر عرمان

“ان مناهج التفكير؛ التي تدعي قيادة عالمنا باسم الثورة، قد أصبحت في الحقيقة عقائد جامدة وليست تمرداً أو ثورة”.
(البير كامو)
—-‐—————————–

(1)

تطرح مظاهرات 30 يونيو كامل قضايا الثّورة السّودانية مُنذ إنتصارها في أبريل 2019 وربما؛ ما قبلها من ثورات في أكتوبر وأبريل وان المُستجد الوحيد هو جائحة الكورونا بشقّيها الصّحي والسّياسي.
تطرح مظاهرة 30 يونيو قضايا جوهرية شديدة التأثير على مستوى الإستراتيجيّة والتّكيتيك ولأن الحوار هو الفريضة الغائبة بين قوى الثورة والتّغيير فقد ساد مكانه الإحتقان والكراهية والتربّص وتصيّد الأخطاء وتصفية الحسابات حتى في الحزب والجماعة الواحدة، وإقامة الجنائز قبل موت الخصوم المتوهمون. أُلاحظ منذ وقت ليس بالقليل وأتمنى أن أكون مخطئاً ؛ ان المعايير الأخلاقية العالية والإستقامة التي تُصاحب الثورات عادةً أُفسح مكانها للإتهامات المجانية والمرسلة والتّشويه بل التّخوين!! يمكن لأي شخص أن يسحب منك بطاقة إئتمانك الثّورية بمقال أو فبركة رخيصة بل؛ تم تجريم أحزاب وحركات بكاملها دفعت ثمن مواقفها عدّاً ونقداً بُعملة الشّهداء والسّجون ويومياً نشتّم رائحة الشّواء الآدمي والتّدليس والكيل بغير ميزان في بيانات صادرة حتى بإسم أحزاب خفت موازيين فكرها ورجّحت التّغبيش على التّمحيص ونحن بذلك لن ننتج مجتمعاً جديداً بل؛ نزيد الغبن والإنقسام ونعمل على تضييق قاعدة الثّورة بمعايير ضيقة لاترحم حتى المنتمين اليها ونشتري بضاعة قديمة وقفنا ضدها بالأمس لن تمكننا من بناء نموذج مغاير والثورة الحقيقية؛ ليست هي التي تهدم النموذج القديم بل هي التي تبني ايضا النموذج الجديد.

(2)

حينما كنت طالباً ويافعاً؛ في المدرسة الثانوية اطلعت على الكتاب الاول للدكتور. منصور خالد ( حوار مع الصّفوة) وهو مجموعة مقالات تعالج؛ احتقانات مابعد ثورة أكتوبر 1964 وتنمّر اليمين على اليسار، واليوم نشهد تنمرا مضاداً على طريقة ( يوم لك ويوم عليك). في ذلك الوقت كنت أصنف الدكتور منصور خالد بقسوة ولاحقاً التقيته واتسعت المساحات بيننا وكتب د. منصور خالد حينها مذكرا اليمين ان صحت هذه التصنيفات بدقة في واقع بلادنا المعقد بالقصة المشهورة ( اكلت يوم اكل الثور الاسود) وتعلمت أن قضايا تغيير المجتمعات معقدة وشاقة وان مجتمع مثل مجتمعنا لا يمكن أن يحدث التغيير به الا اذا اتسعت جبهة الواقفين على ضفة التغيير، وان أعوامنا ومهامنا هذي في البناء الوطني تحتاج لقوى اجتماعية واسعة ومدارس فكرية متعددة لبناء دولة حديثة قائمة على المواطنة بلا تمييز والديمقراطية التعددية ؛ وهذا كان درساً عظيماً لي سأرجحه حينما أكتب عن الدكتور منصور خالد.

(3)

خرجنا في مظاهرة الثلاثين من يونيو أو لم يخرج بعضنا؛ علينا ان لا نقسّم قوى الثورة الى دار ( كفر) و ( ثورة) . فوحدة قوى الثورة تحتاج الى بصارة وبصيرة بعيداً عن المزايدة والتزييف والانقسامات الرأسية والافقية التي هي سيدة الموقف.

عليّ الآن أن أُجيب مباشرةً على سؤال من أسئلة محكمة التفتيش الثورية؛ هل أقف مع مظاهرة 30 يونيو أم أقف ضدها؟ حسناً أنني اولاً أقف مع مشاركة الحركة الجماهيرية المستمرة في إستكمال مهام الث؟ ورة والاستناد عليها كحائط صدّ صلب في كل المراحل والجماهير تبتدع أشكال متنوعة من التنظيمات الثورية بما في ذلك تنظيمات الكفاح المسلح وبعد الثورة برزت تنظيمات مهمة من لجان مقاومة وأسر الشهداء وتجمعات المهنيين ولجان النازحيين واللاجئين ومنظمات النساء والشباب والطلاب والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني… الخ وهي شريان الحياة وديمومة الثورة واتصال بنائها؛أما المظاهرة فهي نشاط ومنشط مهم ، وهنالك مناشط وأشكال أخرى؛ وأهمية مظاهرة 30 يونيو هنا تأتي في انها رسالة لِلجْم وتشكيم قوى الثورة المضادة ويجب ان لا تُصوّر كانقلاب من البعض ضد البعض داخل معسكر الثورة أو رفع شعارات تفرّق ولا توّحد وإشاعة البلبة والتضارب في سوق الثورة ؛ ومن المهم أن ندرك أن الشراكة الحالية التي رسمها الجميع على اساس الوثيقة الدستورية هشة وضعيفة ومليئة بالمتناقضات التي لاتخلو منها تصريحات المسؤوليين وهي تواجه تحديات جمة والسؤال هو كيفية إقامة شراكة صلبة دون زعزعة الوضع الهش سلفاً؟. إن المقياس الحقيقي لاتخاذ موقف من 30 يونيو؛ هو الاجابة على السؤال المركزي هل ستؤدي إلى المزيد من وحدة قوى الثورة والتغيير وتقوية الشراكة الهش؟ة واستكمال مهام الثورة؟.
هنالك مخلصات ومخلصين وقفوا مع الخروج في المظاهرة وضد الخروج؛ هل هنالك إمكانية لتوحيدهم؟ هل يمكن أن تكون مظاهرات 30 يونيو بداية حوار وليس شِقاق بين قوى الثورة والتغيير؟ وسوف أحاول الاجابة على هذه الاسئلة في اخر المقالة ولكن؛ علينا أن ننظر بعمق للخصائص والمكونات الشائكة لوضعنا الحالي.

?ضُعف برنامج الإنتقال:

برنامج الإنتقال الذي قدمته الحكومة وقوى الحرية والتغيير ضعيف ولم يستند على حوار واسع ولم يجذب قطاعات واسعة من الجماهيير لتنفيذه؛ ولم تفتح حوله حوارات جدية بين قوى الثورة والتغيير والكل يحتفظ بكروته بالقرب من صدره ولا توجد خطة جماعية لمواجهة الوضع الحالي.

?هشَاشة الأوضاع:-

أوضاع الشراكة بين المدنيين والعسكريين هشة؛ ومليئة بالشكوك وفقدان النظرة الموحدة لمهام وتحديات الحاضر، وتعمل أحهزة الدولة أحيانا ً كجذر منعزلة وهذا يضر بالمصالح القومية العليا للبلاد.

?ضبابيّة الرّؤية :

لا نمتلك حتى الآن رؤية شاملة؛ مما أدى الى ضعف الشراكة بين قوى الثورة والتغيير وكل يقرأ من كتابه .

?إحتقان الحوار وتصفية الحسابات:

هنالك إحتقان حقيقي وإتهامات مجانية تصل درجة التخوين بل أن مظاهرة 30 يونيو نفسها يعتبرها البعض مناسبة من مناسبات تصفية الحسابات وانفراد جناح من أجنحة الثورة واقصاء اجنحة أخرى والمستفيد الوحيد من ذلك؛ هو نظام الانقاذ وفلوله.الجيوش المنتصرة حينما ينشغل جنودها بالغنائم فان الجيش المنهزم يمكن أن يعيد تنظيم صفوفه محولاً الهزيمة الى نصر . درس قديم في كتب الاستراتيجيات العسكرية.

?إنْبهام الأولويات :

لاتوجد اولويات واضحة ومتفق عليها وهنالك تضارب بين أجهزة الدولة ومجالسها المختلفة ، والكتابة واضحة على الجدران ولا تحتاج الى فك شفرة.

?إستبدال تيّار فاشي ضيّق لايتم بتيار وطني أضْيق:

من ضمن أسباب أخرى؛ الذي أودى بالمؤتمر الوطني الى حتفه هو ضيق قاعدته الاجتماعية ولايمكن استبدال حكم المؤتمر الوطني بحكم تيار وطني أضيق منه، ما تحتاجه بلادنا هو تحالف واسع متعدد الالوان ( قوس قزح) والكل يقول بذلك ويلازمهم الفشل عند التطبيق فهم يتلون علينا دروس نظرية دون تطبيقها ، أن تضييق قاعدة الثورة هو لمصلحة الثورة المضادة .

?إسقاط أم إستكمال:

هنالك تضارب أجندة فالبعض يسعى لاسقاط النظام وقيام ثورة جديدة والبعض يسعى لاستكمال الثورة ؛ ولكل من الاسقاط والاستكمال أدواتهما المختلفة، واذا سقط النظام الحالي فان الذين يمتلكون السلاح ولديهم وجود فعلي في مؤسساته سيفرضون في خاتمة الامر قواعد اللعبة الجديدة؛ إن قوى الفاشية والظلام لن تتورع في إغراق الحركة الجماهيرية في العنف حتى تفقد زخمها، هذه الدروس مجانية يمكن مشاهدتها في التلفزيون فالثّورة هذه الايام متلفزة من سوريا الى اليمن.

?منْ لا يملك خبزه لايملك ثورته:

أهم مظاهر الضعف في عملية الإنتقال هو الوضع الإقتصادي المعقد وتبعاته الخارجية وكُلفة الإيفاء بالطّعام والأمن والخدمات للفُقراء الذين أتسعت أحلامهم مع الثورة وهذا يحمل في طيّاته تعقيدات داخلية وخارجية وكافة الخيارات صعبة ولايمكن إنجازها الا بتوحيد أوسع جبهة من قوى الثّورة والتّغيير والإتفاق على سياسات إقتصادية متوازنة لمصلحة المهمشين.

?الموقف من العسكر مواجهة؟ أم إستكمال الثّورة والشّراكة:

القطاع الامني السوداني يمر بتعقيدات ليست بالسهلة والسلاح في بلادنا على ( قفا من يشيل) وربما تضم بلادنا اليوم أكثر من “50” رئيس هيئة أركان غير رسمي ومثلهم من القادة العاميين للجيوش كبرت أو صغرت ، استبعاد العسكر الذين أتت بهم الوثيقة الدستورية غير سليم وخلق الفتن بين القوات المسلحة والدعم السريع لن يأتي بخير؛ المطلوب هو توسيع دائرة الشراكة واستكمال الثورة عبر حوار عميق بين المدنيين والعسكريين فهم جميعاً لا غنى عنهم في الوقت الحالي وعلينا أن لانسمح بانهيار بلادنا فكم من الحماقات دمرت بلداناً عظيمة .

?الوضع الإقليمي – هاجسُ المياه والحدود والإسلام السّياسي:

يشهد إقليمنا تناقضات مميتة تحتاج الى مستودع من الحكمة للخروج منها والسودان مؤهل للعب دورٍ أفضل في حل قضايا المياه والحدود والاسلام السياسي وهي أزمات تقبض بتلابيب بلادنا وفي بعض هذه الازمات فان السودان هو أول من يدفع الثمن؛ ان واجبات الثورة لا تلغي واجبات الدولة كما ان تعقيدات الوضع الاقليمي القريب والبعيد يمكن أن يقسم بلادنا الى الابد.

?تجريم السّلام موضة جديدة:

من أغرب الاشياء هي وقوف البعض على نحو صمدي ضد منبر جوبا؛ في لعبة مصالح سياسية محضة لا تنظر أبعد من أرنبة أنفها لقضايا السلام وهي قضايا معقدة ومتداخلة اقليميا ودولياً ومن الغريب أنه حتى أؤلئك الذين يمتلكون السلاح النووي يدعون للسلام بينما يدعوا البعض الى اسقاط اجندة منّا الى لسلام وقد شارك بعضهم واخذوا الصورة التذكارية معنا! بل وصل البعض الى تخوين ما يجري دون تقديم بدائل ملموسة وهم شركاء في كل أجهزة الدولة بل ان بعض المسؤولين يجأرون بالشكوى ويبدو ان الحالة السودانية حالة خاصة.
?الموقف من المؤتمر الوطني ونظامه والموقف من التّيار الإسلامي :

المؤتمر الوطني ونظامه؛ يجب ازالتهما وتفكيكهما دون رحمة، كهدف رئيسي من أهداف الثورة لا مجاملة فيه ولايمكن بناء نظام جديد دون تفكيك المؤتمر الوطني ونظامه الفاشي على الرغم مما نراه اليوم من تسامح جعل؛ المؤتمر الوطني يعمل كمعارضة رسمية خارج السجن وداخله، بل له رئيس يتجول في الاسواق ووسائل التواصل الاجتماعي ولكن التيار الاسلامي هو اوسع من المؤتمر الوطني ونظامه وهنالك اسلاميين وقفوا مع التغيير وعارضوا نظام الانقاذ ولهم منابرهم ؛ هذه الفئة يجب التعامل معها؛ مع التصفية الكاملة لنظام المؤتمر الوطني ومحاسبة قادته وفق القانون واحترام حقوق الانسان (ولاتزر وازرة وزر اخرى) ومستقبل السودان الديمقراطي مفتوح لكافة التيارات الديمقراطية؛ اننا ندعوا بضرورة ان تمتد يد لجان إزالة التمكين الى كل الولايات وتكوين لجان بها .

(4)

?مُظاهرة 30 يونيو

مظاهرة 30 يونيو لن تكون نهاية التّاريخ؛ وعلينا إزالة الاستقطاب حولها، بل أن نجعل منها بداية حوارٍ عقلاني حول؛ قضايا الإنتقال وإستكمال الثّورة وعلى رأس ذلك تحقيق السّلام وتوحيد قوى الثّورة والتّغيير وتمتين الشّراكة بين المدنيين والعسكريين وهزيمة قوى الثّورة المضادّة والحوار بذهن مفتوح حول مدى تأثير الكورونا مع المسؤولين والمُختصّين وإننا ندعوا بأن تجتمع قوى الحريّة والتّغيير وأن تُجري حواراً داخل صفوفها بما في ذلك الجّبهة الثّورية حول مظاهرة 30 يونيو، وحول كيفية إرسال الرسالة المناسبة لقوى الثورة المضادة دون تمزيق لقوى الثّورة وإضعاف الشّراكة الهشّة وحينها؛ يمكن أن يخرج الجميع في مظاهرة مع أخذ الإحتياطات وأن يكون الهدف هو؛ إستكمال الثّورة ولجْم الثّورة المُضادة ويمكن أيضاً التّوصل إلى أشكال أخرى للتعبئة وإرسال رسالة لكافة بقاع السّودان في الرّيف والمدن بمشاركة ملايين السّودانيات والسّودانيين والمُظاهرة ليست هي الشّكل الوحيد. لقد صاحبت خطوات سيرنا البطء؛ في العديد من القضايا ومنها السّلام وتعيين الولاة والمجلس التّشريعي وعلينا إتخاذ الخطوات التي تُعجّل بكل ذلك، فالسير ببطء يمكن معالجته ولكننا نخشى أن نسير الى الخلفْ وعلينا أن لا نُشيع البلبلة والفرقة في أوساط قوى الثّورة والتّغيير فانها تصب في مصلحة قوى الثّورة المُضادة.

⭕أخيراً ألا يحتمل نشاط قوى الثّورة والتّغيير الجماهيري بأشكاله المتنوّعة أن تطرح حركات الكفاح المسّلح الثورية مع الجموع أجندة السّلام ومكافحة العُنصريّة والمواطنة بلا تمييز وأن يشهر اليسار الغضب السّاطع لإستكمال أهداف الثّورة وأن يرفع أعضاء حزب الأمة العقد الإجتماعي وأن يطرح الوسط والمهنيين قضاياهم في بانوراما ثّورية تقبل التّنافس ولا تقبل التّخوينْ؟.

الأحد – جوبا 21- يونيو 2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى