الصراعات داخل الوطني… هل عجّلت بالتغيير؟

 

تقرير/ أم سلمة العشا

تباكت قيادات المؤتمر الوطني المحلول، على ما جرى ووصل صوت اللوم فيما بينهم مرحلة إطلاق الاتهامات بـ(الخيانة العظمى) نتيجة تعرض الحزب ذي الأغلبية من حيث القوة والسطوة والجاه “للسقوط” بإجماع عامة الشعب السوداني، وذلك في صبيحة 11 أبريل الماضي، وتمت أزاحته عن السلطة وأودعت قيادات صفه الأول غياهب “السجون”، ورغم قناعة بعض منتسبي الحزب في أن ما حدث خيانة من الداخل، إلا أن الصراعات بين تيارات ومجموعات داخله أواخر سنوات النظام سيطرت على الوضع بصورة كبيرة، وتطورت بصورة أكبر، فباتوا يتلاومون ويتباكون على ما حدث.

سقوط من الداخل

الصراعات بين مجموعات وتيارات الوطني، من أجل إرضاء المصالح الشخصية، كانت بداية لسقوط الحزب الذي ظل يفرض هيبته عبر كل أجهزته الأمنية (الشرطة والجيش جهاز الأمن والمخابرات) من الداخل، لكن برزت المطامع والمصالح، وأبرز ذلك التصدعات الكثيرة التي كانت تحدث داخل الحزب، ومعروف أن أي نظام سياسي جبهته الداخلية هي صمام أمانه،  ولكن أثر ذلك بوضوح على أداء الحزب الحكومي، وتطورت مراحل الصراع السياسي داخل الحزب الحاكم آنذاك بالحرب على الفساد، وهو جزء من مراحل تطور الصراع بين تيارات ومجموعات داخل المؤتمر الوطني، رؤية متفقة أن حزب المؤتمر الوطني بعد كسر حاجز الصفوية التي كانت صفة ملازمة للحركة الإسلامية السودانية، وانفتاح باب عضوية الحزب أمام كل العناصر والتيارات ذات المصالح المختلفة، يلاحظ بوضوح تام تحول الحزب إلى ساحة للتكتلات الجهوية والقبلية والعشائرية والمجموعات الصغيرة ذات القبضة القوية.

وبحسب تأكيد للمحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة)، تلاشي معايير الكفاءة والخبرة لاختيار المناصب والمواقع، وبروز الترضيات السياسية والموازنات القبلية وأساليب المحاصصة لاقتسام الثروة والسلطة بين المكونات الجهوية والقبلية والمجموعات التي تربط بينها مصالح سياسية واقتصادية، هي واحدة من أسباب الصراع الظاهر والمستتر حول المواقع والمصالح ودوافع ذلك الصراع.

هيمنة وقرارات

كلما اشتد الصراع داخل الحزب، كانت في المقابل تحركات بغرض إجراء الإصلاح وهو أحد أشكال الصراع، وأن ما يحدث ليس تحركات للإصلاح، وإنما صراع بين مجموعة صغيرة تتحكم في كل شيء ومجموعات أخرى تحاول كسر الهيمنة ونفوذ تلك المجموعات، وأن الصراع داخل المؤتمر الوطني أصبح يتخذ وسائل شتى من بينها تقديم ملفات الفساد، الذي يمثل إفرازاً للصراع المحتدم بين التيارات “الإصلاحية” والمجموعات القابضة، ولعل احتدام الصراع  في الفترة الأخيرة بلغ درجة عالية من الخلاف المعلن مع أحمد هارون والي شمال كردفان، وداخل مجلس الوزراء والهجوم العنيف الذي شنه فيصل على هارون، في أن ولايته متأخرة من حيث تطبيق سياسات الإصلاح والتنمية والتطور، بجانب الخلاف الذي نشب بين فيصل حسن إبراهيم وإبراهيم محمود حامد حول التعيينات في الولايات، ولعل ما يؤكد حقيقة الخلافات داخل الوطني، حزمة القرارات التي اتخذها البشير بتسمية رؤساء القطاعات وأمناء الأمانات المتخصصة، وجاءت التغييرات في هياكل الحزب شاملة، وزادت من القبضة التنفيذية على عنق الحزب وكتم أنفاسه حتى بات الحزب بكامله في عباءة الحكومة، ما جعل الكثيرين داخل الحزب على قناعة تامة أن المؤتمر الوطني فقد القدرة على الاستمرار وتحول إلى مركزية مصالح.

نهاية سقوط

لم يتوقع البشير أن تكون نهاية سقوطه من الحكم وأن تكون الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت تنادي بإسقاط نظامه، سبباً رئيسياً في ذلك، فالرجل حوله قوات دعم سريع يعول عليها بصورة كبيرة وتتعامل معه تعاملاً خاصاً، بجانب جهاز مخابرات أمن قوي جداً، ولعل ما جعله يستقوي بذلك إعادته لصلاح قوش، لرئاسة الجهاز، وقال أبو خريس إن البشير يعتقد أن المنظومة الأمنية العسكرية قادرة على حمايته ومنحه الاستمرارية، هذا بجانب تناسيه أن هذه المنظومة، لديها قيادات وأنه حال لحظة الصفر، تتخذ قرارات ضد البشير نفسه، إذا كان الرئيس مهدداً أمنياً، وبالفعل هو أصبح مهدداً أمنياً متمسكاً بترشيحه لانتخابات 2020، وقيادة الدولة، غير أنه رفض اقتراحات تتعلق بهبوطه الناعم، وتمسك في آخر لحظة بوجوده في السلطة.

 مؤشرات ودوافع

مؤشرات ودوافع كثيرة كانت سبباً في نهاية حكم الإنقاذ في 11 أبريل العام الماضي، تمثلت في تمسك البشير بوجوده في السلطة في الوقت الذي تشتد فيه الاحتجاجات وتحاصر الأجهزة الأمنية الثوار وتطلق الرصاص وتقذف عبوات البمبان، حسب توجيهات البشير، فكانت الأيام تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، في المقابل كان الشهداء يتساقطون شهيداً تلو شهيد، وتزداد عزيمة الثوار أكثر ترابطاً أمام محيط القيادة العامة للجيش، كل ذلك شكل ملحمة لسقوط الطاغية الذي امتد حكمه ثلاثين عاماً.. وأظهرت بجلاء الانحياز للشعب، غير أن رؤية أبو خريس أن انسداد أفق حوار المؤتمر الوطني، واضمحلاله لعدم وجود القيادة المؤثرة، كذلك خروج القيادات وعدم وجود شخصيات لها كاريزما، وأصبح يلتف على شباب، ويعتمد على التوجيهات والأوامر، وكذلك لا يستجيب لآراء المركز، القاعدة تمددت على مستوى السودان، النظام الفيدرالي تم تطبيقه على مستوى الدولة ، ومنح الصلاحية للكل ليفعل ما يشاء، وهذا نوع واضح من التمرد على المركزية، ونتج عنها صراع المصالح، وهنالك ولاة يتحدثون في الشئون الخارجية،  المبادرات التي كانت تخرج كانت لها أهدافها ومصالحها، غياب الرؤية الجامعة سبب رئيسي في وجود خلل بنيوي لهياكل المؤتمر الوطني، الحركة الإسلامية أصبحت جزءاً من المؤتمر الوطني، وليست لها استقلالية، وأصبحت عبارة عن كتل وجماعات كل له مصالحه.

أعلن البشير في أواخر أيامه في السلطة في خطاب مشهور عن وقوفه كرئيس قومي على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية السودانية ضمن مبادرة له دعا فيها لحوار وطني في أول رد فعل سياسي لمخاطبة الحراك الاحتجاجي المطالب برحيله المتواصل منذ أكثر من شهرين، هذه الخطوة لها ما بعدها،  لم يأخذ أحد في الساحة السياسية السودانية هذه المسألة بجديّة لا في دوائر المعارضة، ولا حتى داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه الذي يترأسه البشير، باعتبارها خُطوة لها ما بعدها، وأعلن تخليه عن رئاسة الحزب، وأعلن الطوارئ فيما يشبه انقلاباً ناعماً يهدف إلى تعديل موازين القوى بنقلها من الحزب الحاكم إلى المؤسسة العسكرية، كان في المقابل تشهد الساحة احتقاناً كبيراً أدى لانفجار الاحتجاجات الشعبيّة المطالبة بسقوط النظام ورحيل البشير، ونجحت الاحتجاجات بامتياز في خلخلة تماسك الطبقة الحاكمة، وسقوط نظامها بالكامل ليشهد السودان فجراً جديداً رغم استشهاد الشباب فداء للوطن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى