قرارات حمدوك الأخيرة.. هل تُعيد المشهد إلى ما قبل 25 أكتوبر؟

 

تقرير: نجدة بشارة    24ديسمبر2021م 

مياهٌ كثيرةٌ جَرَت من تحت الجسر منذ ليلة الخامس والعشرين من أكتوبر.. وإعلان رئيس مجلس السيادة, حل الحكومة الانتقالية السابقة بمجلسيها السيادي والوزراء، وما تلاه من الإقالات والتعيينات بالجهاز التنفيذي, حيث أصدر البرهان قرارات بإقالة عدد من التنفيذيين والمديرين المحسوبين على الائتلاف الحاكم السابق الحرية والتغيير, حيث أعفى البرهان ولاة الولايات، وأعفى النائب العام من منصبه، وأعفى كلا من  مدير الإذاعة والتلفزيون لقمان أحمد ومدير وكالة الأنباء الرسمية محمد عبد الحميد عبد الرحمن من منصبيهما.

ما وراء الخبر

مؤخراً, أصدر رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك, قراراً قضى بإعادة تعيين المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المُقال بواسطة قرار سابق للبرهان، لقمان أحمد محمد إلى منصبه وإنهاء تكليف إبراهيم البزعي, كما أصدر حمدوك قرارا بإنهاء تكليف محمد آدم عبد الكريم من تسيير مهام مدير عام البنك الزراعي السوداني، والذي سبق وعُيِّن بقرار من رئيس مجلس السيادة البرهان عقب قرارات الخامس والعشرين، وتكليف السيد بدر الدين عبد الله أحمد العباس بتسيير مهام مدير عام البنك الزراعي.

جدل واستفهامات؟

في السياق, ضجّت منصات التواصل الاجتماعي جدلاً وتبايناً، بشأن الإعفاءات والتعيينات، القرارات الأخيرة لحمدوك، لا سيما وأن هذه القرارات أعقبتها أنباء متواترة تفيد أن د. حمدوك بصدد تقديم استقالته.

وتوقع محللون ان قرارات حمدوك المخالفة للمكون العسكري, اثارت حفيظة البرهان وخلقت خلافات مكتومة بين الطرفين.

وقال حمدوك عقب قرار الإعفاء في تغريدة له على تويتر عملاً بأحكام الوثيقة الدستورية، أصدرت قراراً أنهيت بموجبه تكليف السيد إبراهيم البزعي من منصب مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وإعادة تعيين السيد لقمان أحمد محمد مديراً عاماً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وعلى الجهات المعنية اتخاذ إجراءات تنفيذ القرار.

تداخل المهام والاختصاصات

ونبه وزير الصناعة السابق إبراهيم الشيخ في تصريحات صحفية, ان قرارات د. حمدوك الأخيرة بإعفاء وتعيين مديرين في الجهاز التنفيذي، قد لا تكون محل رضاء المكون العسكري, والأخير يصر على التدخل في العمل التنفيذي, وبالتالي يحدث الخلاف.

وذهب محللون في ذات الاتجاه الى ان الاختصاصات التنفيذية من مهام مجلس الوزراء, وقالوا ان قرارات حمدوك تعد من صلب مهامه واختصاصه وليس بسبب نوايا للعودة بالحكومة الى ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر.

بين المطرقة والسندان

أجاب القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار في حديثه لـ(الصيحة) بأن رئيس الوزراء د. حمدوك أصبح الآن بين مطرقة الشارع الذي كان يؤيده قبل الاتفاق السياسي الذي وقعه مع البرهان، وسندان الحكومة التي يمثلها، وقال ان قرارات حمدوك القاضية بإعادة تعيين أو إقالة أفراد من الجهاز التنفيذي لا تعدو نقطة في بحر أو واحد من المئة من الوضع السياسي قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، وأردف “أشك في أن حمدوك الآن يملك الصلاحيات المطلقة فيما يتعلق بادارة الجهاز التنفيذي، وحمدوك أصبح الآن مجرد موظف لدى البرهان لا يقدم ولا ينتقص من الثورة”!

بين الرفض والقبول

لكن في المقابل, برزت اطراف سياسية أخرى تعبر عن رفضها لقرارات حمدوك الأخيرة، موضحين أن إعادة أشخاص إلى المشهد كانوا يمثلون جزءاً من الأزمة يعتبر منقصة في حق رئيس الوزراء ولن تعيد الساعة الى الوراء.

وفي حديث لوكالة (سبوتنك الروسية)، قال الناطق الرسمي باسم قوى الميثاق الوطني، رئيس المكتب القيادي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية في السودان، علي عسكوري، إن هناك عدة قضايا قد تختلف في التقديرات بين مجلس السيادة ورئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك. وقال ان هناك العديد من المحاولات من جانب رئيس الوزراء لإعادة الطاقم القديم، وهو ما يراه الطرف الآخر محاولة لإعادة الأوضاع إلى ما قبل 25 أكتوبر الماضي، أو الالتفاف على الأحداث التي تمت، وهذا غير مقبول لدى مجلس السيادة. وتابع عسكوري، هذه المجموعة التي يحاول حمدوك إعادتها مجدداً مرصودة من الشارع وأثبتت فشلها، وهذه نقطة خلاف بين الطرفين، لأن هذا الفريق هو نفس الفريق القديم الذي قاد البلاد إلى الفشل، سواء كان من المجلس المركزي للحرية والتغيير أو في مواضيع أخرى بمؤسسات الدولة المختلفة، وهذا التوجُّه من جانب رئيس الوزراء يفاقم الأوضاع وغير مقبول كما حدث بالنسبة للولاة المكلفين وفي بعض مؤسسات الدولة.

الاتفاق يجب ما قبله

في المقابل, يرى المحلل السياسي د. عصام بطران الذي تحدث لـ(الصيحة)، أن ما حدث في 25 اكتوبر كان تصحيح مسار, كان قد انتج ازمات في السابق بين المكونين العسكري والمدني، وحتى على مستوى تماسك الحكومة والدولة. واوضح ان قرارات القائد العام للجيش الفريق البرهان، ووفقاً للتراتبية ان القوات المسلحة تمثل الخط الاول لحماية الدولة، وبالتالي فإن الإجراءات أزالت عناصر من الذين تسببوا وساهموا في إنتاج الأزمة عبر احتكار السلطة على أشخاص وكيانات سياسية محدودة من الائتلاف الحاكم السابق. وزاد بطران بأن الاتفاق دائماً يجب ما قبله، وأن الإعلان السياسي بين البرهان وحمدوك كان واضحاً، ومكن من حصول حمدوك على موافقات مبدئية لإعادة الأشخاص المناسبين في الجهاز التنفيذي، وليس من تسببوا في إنتاج الأزمة، ولكن بالتأكيد من عادوا لم يكونوا لاعبين أساسيين، وإنما كانوا ضمن مجموعة مؤدلجة سياسياً، لكن حالياً بالتأكيد أن من أُعيدوا إلى المشهد عادوا تحت مظلات مختلفة عن السابقة وتنتهج العمل في نطاق المؤسسية والمنهجية وبمعزل عن الحواضن السياسية واستمر من اتفق على هذه الخطوة فليكن، ويمثل انخراطا في المظلة السياسية وكما صرح البرهان سابقاً, إن كل من أعادهم حمدوك إلى المشهد تم بالتوافق معه.

فَشلٌ مُحتملٌ

من يتابع المشهد السياسي بتمعُّن, يجد أن د. عبد الله حمدوك آثر أن يبدأ العمل من جديد لاستعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل قرارات البرهان, لكنه اصطدم بعقبات كثيرة, أولها أن الأحزاب السياسية لم تدعم رأيه, بينما اعتبره الشارع الثوري متماهياً مع المكون العسكري ضد الثورة, ما يُبيِّن أن حمدوك أدخل نفسه في ورطة ربما يصعب الخروج منها, خاصّةً مع ما يرشح عن تعنُّت المكون العسكري في الموافقة على إعادة من كانوا يديرون المؤسسات قبل 25 أكتوبر إلى مناصبهم, وبالتالي ربما تفشل خُطة حمدوك في إعادة المشهد لما كان عليه قبل 25 أكتوبر..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى