الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون المغتربين مكين حامد (1):

لماذا وصف السيد مكين حامد تيراب الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، علاقته بجهاز المغتربين بالقاسية، وكيف ولماذا تم اختياره لتولي مهام هذا الجهاز، ولماذا كان معتقلاً أيام الحراك الشعبي لإسقاط نظام البشير، وكيف علم بالأمر، وكيف عاد للسودان؟!.. كلها أسئلة وضعتها (الصيحة) على منضدة السيد مكين، ليجيب عليها بالتفصيل، إلى جانب استفهامات أخرى كثيرة حول قضايا المغتربين ودورهم تجاه البلاد، وبالمقابل أدوار الجهاز تجاههم، وكيفية بناء الثقة بين الطرفين..

وما بين الشأن الشخصي والهم العام جرى هذا الحوار:

 

أجرته: أماني إيلا ــ تصوير محكر

* ما هي الأعمال التي تقلدها مكين حامد تيراب قبل جهاز المغربين؟

بعد تخرجي في الجامعة، ذهبت للمملكة العربية السعودية التي تواجدت بها من 1989م حتى العام 2020م، وبدٲت عملي في مجموعة الموارد القابضة، وأُعدُ من المؤسسين لشركة “أوربيت شو تايم”، حيث تسلمت فيها منصب المدير المالي الإقليمي للشركة في المملكة  لفترة طويلة وكنت  قبلها في مجموعة تابعة لشركة الموارد القابضة نفسها كذلك، وقد تنقلت في أكثر من شركة في نظافة المدن وتشغيل “Construction” أعمال البناء.

هذا وفي العام 2013م انتقلت إلى مكتب صاحب السمو الأمير خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو المالك لمجموعة الموارد القابضة بما فيها أوربت شوتايم، حيث توليت شؤون مكتبه الخاص حتى العام 2016م،  انتقلت بعده إلى الأمير ماجد بن عبد الله بن عبد العزيز، وتوليت منصب الرئيس التنفيذي ومدير الإدارة المالية لمجموعة شركاته منذ العام 2017م إلى الآن، حيث تعمل هذه الشركة في عدد من المجالات المختلفة منها مجالات الدواء والمعدات الطبية لفترة طويلة، وهي أيضًا وكيل لمجموعة من الشركات الأمريكية في دول الخليج وأفريقيا وتعد من كبرى الشركات في العالم وتعتبر الشركه  الرابعة أو الخامسة على مستوى العالم في صناعة الأدوية واللقاحات وغيرها.

* ما زلت تتقلد وظيفتك بالمملكة وأنت الآن بوظيفة أخرى، أليس صعباً الجمع بين وظيفتين في آن واحد؟

الأمير ماجد وضع أمامي خياراً صعباً جداً بعد عودتي إلى السودان، وأشكره على إبداء استعداده لقبول الاستقاله مع تمنيه وعشمه في إكمال عملي معه بصورة أو بأخرى، وأنا بإذن الله تعالى بعد زوال أزمة انتشار مرض الكورونا سوف أذهب إلى المملكة العربية السعودية لحسم هذا الأمر هناك، والوصول إلى تسوية معه. الأمير ماجد هو رجل عزيز ولديه أفضال عليّ، هو والملك عبد الله فأنا  أكن لهما تقديراً خاصاً وتجمعني بهما علاقة البيت الواحد، وأنا أطمعُ وأتطلع لإحضارهما معي إلى السودان.

* علاقتك بجهاز المغتربين؟

علاقتي بجهاز المغتربين كانت في إطار إني سوداني مغترب لفترة طويلة، حيث كنت كأي مغترب له ملاحظات كثيرة على الجهاز. حيث كنت آمل بأن يخدم الجهاز قضايا المهجرين والمغتربين وأن يتمكن من خلاله بالمساهمة في تقديم بعض الخدمات على مستوى الوطن، لكن من تجربته خلال السنوات الماضية وآخرين فقد أصبحت لديهم ملاحظات قاسية جداً على الجهاز، وذلك نتيجة لأن أساس الجهاز وسياساته مبنية على تحصيل الجبايات والضرائب من المغتربين ولم يُبن على شكل مشاركة واضحة وحقيقية.

* إذن علاقة قاسية؟

نعم.. علاقتي الشخصية بهذا الجهاز علاقه قاسية على مستوى العلاقة الذاتية خلال مسيرته، وعلى مستوى المشاهدات التي شاهدتها من معاناة إخوتي المغتربين حيث يمر بعضهم بظروف صعبة يضاعفها عليهم الجهاز  مما ساهم في حدوث إشكالات عديدة حتى على مستوى الأسرة. لذا أنا مهتم بأن  الجهاز يقوم بعمل تصالح مع هذه الإشكالات وتصحيح أوضاعه، وأن هذا ما نأمله منه.

* هل تم اختيارك كمغترب ممثلاً من قِبل قوى الحرية والتغيير لهذا المنصب؟

نعم، المغتربون في الأساس هم من قوى الحرية والتغيير، وفي تقديري أن المغتربين قد ساهموا مساهمات كبيرة في إسقاط النظام، وساهموا بمساهمات أكبر حتى في مساندة الأسر السودانية، وقاموا بأعباء الدولة السودانيه في مرحلة من المراحل.

* قلت للمغتربين دور كبير في إسقاط النظام، كيف؟

الدور العظيم والكبير للمغتربين في المرحلة الأخيرة مشهود جداً ولا يحتاج إلى إيضاح،  فأنا لا  أرى نفسي كمغترب فقط، وإنما مغترب صاحب قضية، حيث أكملت ما يقارب الثلاثين عاماً في الاغتراب، قضيت منها خمس عشرة سنة محروماً من السودان (لأني كنت من ضمن القائمة السوداء وكنت ممنوعاً من الزيارة وليس لدي جواز ولا لإبنائي لفترة طويلة مثلي مثل كثيرين من أبناء السودان الذين خاضوا التجربة) وتحديداً في الرياض وفي المملكة العربية السعودية بصورة عامة.

* مشاركتك مع القوى الوطنية في دعم الحراك من الخارج؟

جاءت مشاركتي مع القوى الوطنية والشعبية وغيرها داخل المملكة بتأسيس عمل مناهض للإخفاقات والتجاوزات التي تقوم بها الحكومة السودانية، وكانت معارضتنا للحكومة واضحة منذ بداية التسعينيات إبان حرب الخليج الأولى حيث لعبت القوى الوطنية دوراً كبيراً في مساندة هموم وقضايا المغتربين في السعودية، وناصرت العدالة، وفي نفس الوقت كان لها موقف واضح جداً من ثورة الإنقاذ. ومنذ ذلك الحين وهم يقومون بنفس واحد منذ العام 1989م وحتى إسقاط النظام في العام 2019م، حيث تمكنتُ بعدها من العودة إلى السودان قادماً من المعتقلات  بعد أن تحرر السودان، وتم اعتقالي أثناء الحراك أنا والأخ محمد شقدي وآخرون من حزب المؤتمر السوداني.

* كيف علمتم بسقوط النظام حينها بالمعتقل؟

للأسف لم نكن نعلم بسقوط النظام إلا في يوم 14/4 بعد مرور ثلاثة أيام من سقوطه، لأنني كنت محتجزاً في مكان لا توجد فيه إمكانية تواصل وقد تم إخراجي منه  بأمر من الملك عبد الله في 14 أبريل 2019م.

* ما علاقتك بالملتقى الثقافي السوداني بالرياض؟ وما الدور الذي يلعبه في خدمة السودان؟

الملتقى الثقافي السوداني يجمع كل القوى السياسية السودانية والقوى المدنية والمناطقية بمختلف اتجاهاتها الرياضية، في مكون له أكثر من عقدين من الزمان في مناصرة القضية السودانية ودعمها. أؤكد بأن  أي حراك منذ 1989م في السودان كان لهم فيه دور كبير .

يحوي الملتقي الثقافي السوداني قوى وتكوينات أكبر من قوى الحرية والتغيير، فهو شامل لكل القوى السياسية والمدنية وبوجود الحلو وعبد الواحد، وتركيبته تحالفية لأكثر من عشرين عاماً، مما يجعله يصلح كنموذج لمستوى التجانس والعلاقة التي تمت في هذا التحالف علاقة نموذجية غير متكررة وغير موجودة في داخل السودان وحتى خارجه. ويصلح هذا المكون أيضاً كنموذج للمرحلة لأنه تم فيه تجاوز حتى أشكال الانتماء السياسي والحزبي وأصبحت فيه برامج وقضايا واضحة، ما جعل عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور وكل الفصائل المسلحة والقوى الوطنية السودانية متواجدة داخله، أنا  أعتز بهذا النموذج جداً، وأوجه التحية لأعضائه فرداً فرداً ولجميع جماهير الملتقى وجماهير المغتربين في مدينة الرياض للدور الرائد الذي قاموا به ومناصرتهم ومساندتهم لهذا الملتقي .

* ما هي أكبر عقبة أو مشكلة قد تواجه المغتربين؟

قضايا المغتربين ليست بتلك القضايا الشائكة، لكن نسبة لعلاقة الجهاز بالمغتربين والرؤية التي قام عليها خلال الفترات المتعاقبة من تاريخ السودان وحكوماته فشلت في استقطاب المغتربين بصورة جيدة. أؤكد أن أي مغترب يخرج من السودان تكون أقصى طموحاته أن يجد المأوى والصحة والتعليم الجيد لأبنائه وأن يكون له مصدر رزق يسانده، وأعتبرها الاشياء الأساسية التي يحتاجها كل مغترب.  ولكن للأسف فقد ظل يعاني منها المغتربون، حتى في تعليم أبنائه في السودان، لأن سياسة التعليم العالي أصبحت ضاغطة لهم، حيث تم بناء هذه السياسات على أساس الاستفادة من المغتربين (للجباية) وبمبالغ كبيرة وسياسات التعليم العالي ظلمت أبناء المغتربين “الطلاب”. هذه هي الهموم التي تواجه المغتربين، وعلى الدولة السودانية ممثلة في جهاز المغتربين أن يتصالح مع المغتربين ليتمكن من استقطاب طاقاتهم وإمكانياتهم المختلفه ليساهموا في بناء الدولة السودانية وفي نفس الوقت يكون قد تم رد المظالم التاريخية التي حدثت لهم .

* هل ستكون مشاكل الجاليات السودانية من ضمن أجندتكم؟

الجاليات السودانية في الخارج كانت في المرحلة السابقة تخضع لاستقطاب سيئ جداً من الدولة السودانية “دولة الإنقاذ”، وهذا الاستقطاب جعل من كل الشعب السوداني في المهجر في جانب والتابعين للنظام السابق في جانب آخر، وهذا كان مؤسف جداً، لأنه من الطبيعي أن الجهد الشعبي في الخارج يناصر الجهد الرسمي،  لكن أصبحت هنالك منافرة كبيرة، وظهرت إشكالات واستقطابات للدولة السودانية وتسييس للجالية على الرغم من أنها تأسست بصورة متينة على يد مجموعة من الآباء الذين سبقوا في الاغتراب، حيث كان موروثهم في البلدان المضيفة له أثر كبير، وأوجدت الجالية مساحة جميلة جداً للإنسان السوداني، وأشيد بالجالية السودانية في السعودية وأعتبرها نموذجاً للجاليات، حيث يعتبر السودانيون من أول وأكثر الجنسيات قرباً واحتراماً وتقديراً لأهل المملكة وحكومتها، ولم يأت كل هذا الحب والتقدير للسودانيين من فراغ، وإنما نتيجة لسلوك ومجهودات وأعراف وقيم وأخلاق كان يتمتع بها الرعيل الأول من أبناء السودان، وهذا ما أدى إلى خلق مساحة جميلة للجاليات، لكن هذه المساحة حدث لها خلل باستقطاب سياسي في فترة الإنقاذ من أصحاب الإسلام السياسي، وخلق هذا إشكالية كبيرة جعلت الشعب السوداني في جانب، وهم في جانب، ما جعل التحدي كبيراً، لكن بالمقابل كانت الجماهير صامدة، وقمنا بتوحيد كل جهود شعبنا وتم إثراء الجوانب الثقافيه والأخلاقية والرياضية والوطنية، وظلت موجودة، وأؤكد أن معالجتنا لها سوف تكون بقيام جاليات سودانيه بكامل انتماءات شعبنا وبكامل ثقافاته وانتماءاته الإثنية والمناطقية دون إقصاء لأي جهة من الجهات، بما فيها أتباع النظام السابق بشرط ألا يكون للرموز الذين أفسدوا هذه الجاليات وأفسدوا العمل العام وأفسدوا في العمل السياسي والثقافي والاجتماعي ألا يكون لهم مكان في هذه الجاليات.

* حتى الإسلاميين رموز النظام السابق؟

الإسلاميون “النظيفون” المتمسكون بوطنيتهم وسودانيتهم سيكونون جزءاً من الجالية باستثناء الذين أفسدوا حياتنا السياسية والثقافية الاجتماعية .

* ماذا بشأن الجبايات والضرائب التي تفرض على المغتربين من قبل الجالية؟

المغتربون والمهجرون بصورة أخص أصبحت لهم “فوبيا” من جهاز المغتربين نتيجة لهذه الضرائب المفروضة عليهم دون تحقيق أي مصلحة لهم من قبل الجهاز، بينما ينظر الجهاز إلى المغتربين كالبقرة الحلوب، وأدى هذا إلى خلق تاريخ طويل ومرير بين الجهاز والمغتربين، وترك حالة نفسية سيئة في صفوف المغتربين، حيث كان لهم الحق في ذلك. وهذه المرحلة ستكون مختلفة والمغتربون الآن ليسوا كالمغتربين قبل عشر سنين مضت، فالظروف تغيرت والعمل والبلاد المستضيفة وإمكانياتها أيضاً تغيرت وأصبحت هنالك عودة كبيرة جداً للمغتربين، وفي ظل ظروف قاسية، ورغم ذلك ما زال الجهاز يلاحق المغتربين بأخذ الجبايات والضرائب والزكاة وغيرها، وهذه مسألة قاسية جداً عليهم، ومن مصلحة الدولة السودانية ومصلحة السودانيين مراجعة سياسات هذا الجهاز وقوانينه ومراجعة كل أنواع الجبايات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى