مُفاوضات جوبا والسلام المُرتَجَى 

 

تحدّثنا في الحلقة الماضية عن زيارتنا إلى جوبا كإدارة أهلية ومجتمع مدني دارفوري بدعوة من مفوضية السلام، عن التقدير والاحترام والتسامُح الذي وجدناه في حكومة وشعب دولة جنوب السودان. ولم تسعنا مساحة المقال أن نُعلِّق على سير المفاوضات والمسلمات والعقبات. وما نستطيع أن نقوله في هذه السانحة إن الروح الودية التي جمعت بين جميع الأطراف هي التي ساهمت في أن تقطع المفاوضات مسافاتها الطوال لتصل إلى نهاياتها السعيدة في الأيام القادمات إن شاء الله.

الجديد في أمر هذا المنبر هو لفظ المسار، وهو لم يكن معهوداً في تفاوض حكومة الإنقاذ، فكل مجموعة لها تفاوُضها الخاص، فالحركة الشعبية كان منبرها في كينيا، والاتحاديون كان منبرهم بين القاهرة وجدة، وحزب الأمة كان منبره جيبوتي، والشرق كان منبره في أسمرا، وقضية دارفور تراوَحَت بين أبشي وأديس أبابا وأبوجا والدوحة. لكن هذه المرة فالجميع مصيرهم حتى تاريخ كتابة هذا المقال مرتبط بمفاوضات جوبا، فانتهي مسار الوسط ومسار الشرق ومسار الشمال، وتم توقيع المبادئ العامة مع كل هذه المجموعات، بل ربما حصل تعمُّق في التفاصيل منها المُعلن ومنها الضمني ومنها غير المُعلن. بقي في الساحة (الجوباوية) مسار الحركة الشعبية عقار والحركة الشعبية الحلو، والجبهة الثورية دارفور أو مسار دارفور، وللعلم هي مكونة من تحرير السودان مني، والتجمع الذي يقوده الطاهر حجر، ومجموعة الهادي إدريس، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، مسار دارفور مع غياب تام لعبد الواحد وحركته، نوقشت ثماني أوراق تناولت قضايا أساسية تتمثل في النازحين واللاجئين والاقتصاد والسياسة والترتيبات الأمنية، كما أن هناك قضايا سُمّيت بالقضايا الخاصة كالرحّل والبيئة وهكذا. صحيح أن التفاوض فيها قطع شوطاً ممتازاً، ومتوقع في الأسبوعين القادمين أن يُوقَّع اتفاق سلام شامل إذا استدرك المفاوضون قضية الأطراف الدارفورية الأخرى المسلحة التي تقبع في جوبا منذ فترة، ولكنها لم تدخل الملف. هذه الحركات أيضاً مهمة، وقد زارنا وفد منها بقيادة خميس عبد الله أبكر، وهو من الأساسيين والمؤسسين لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور وكان نائبه للفترة ٢٠٠٤ـ ٢٠٠٥م، ومعه مجموعة من الثوار، وحسب قولهم إنهم اثنا عشر فصيلاً إئتلفوا في التحالُف السوداني ويقوده خميس عبد الله، وتحدثوا معنا بمرارة عن إقصاء رفقاء السلاح الذي يقوده تحالف مسار دارفور المفاوض الآن للحكومة، كما أن هناك مجموعة أخرى حملت السلاح ردحاً من الزمن تتواجد في شرق أفريقيا وأيضًا تحس بالإقصاء، وحسب معلوماتنا أن لها الرغبة في التفاوض ونرمز لهم بمجموعة منصور أرباب ومجموعة السحيني ومجموعة دانفورث ومصطفى تمبول وعلي داوود وكازسسكي. وإذا كان الأمر كذلك، فلابد للجهات المعنية وهي الجبهة الثورية بكل مساراتها الشمالية والشرقية والغربية والوسطية والحركة الشعبية والوساطة الجنوبية ومفاوضي الحكومة السودانية إعطاء هذا الأمر أهمية لسبب أساسي مُتّفق عليه، وهو إذا بقيت بندقية واحدة تطَقطِق ستكون مثل الذبابة التي تطَنطِن، بل ربما تكون قاتلة. نحن من جانبنا كإدارة أهلية ومجتمع مدني أوصلنا هذه الرسالة إلى جميع الجهات في جوبا حكومة ومفاوضين ووسطاء، بل عكسنا هذه الحالة للأخ البروف سليمان ديبيلو رئيس مفوضية السلام وهو في الخرطوم، ووجدناه مُتَفهِّماً للأمر تماماً، لكن يبدو أن مشكلته أنه يصعب على الحكومة اتخاذ مثل هذا القرار بإدماج هؤلاء في التفاوض إلا بالرجوع إلى قيادات مسار دارفور، وهذا طبيعي، ولكن غير الطبيعي أن يرفض هؤلاء القادة دخول رفقاء سلاحهم حلبة التفاوُض، مع علمي الشخصي أن هذه المجموعات خرجت من هذه الحركات الأم، وهي حركات معروفة وكبيرة، ولكن الهم الوطني أكبر، ثم أن هذه الاتفاقيات كلها حدّها نهاية الفترة الانتقالية مهما زيدت أو نقصت، وبعدها يبدأ الانتفاض الانتخابي الذي نحتاج فيه لكل (زول)، وقتها تبين أهمية وقيمة العضوية، والمثل يقول (الرجال بشتروهم في الرخصة وليس في زمن الغلاء). لما يشدّن الخيل صعب أن تشتري فارساً في ذلك اليوم. والشراء هو التعامُل السمح وجبر الخواطر والتغافُل عن تصرفات الماضي، وثقتي أن إخوتي جميعهم كلهم قادة، ويمكن أن يتجاوزوا المرارات بسهولة ويُسر، فإن تحديات الوطن أعظم وأهم.

رسالتي هذه أُوجِّهها للمجلس الأعلى السلام الذي يرأسه رئيس المجلس السيادي أن اهتموا بهذا الأمر سريعاً قبل طي الملف. ومرحباً بالسلام الشامل القادم الذي لا يُقصِي أحداً. وإلا الساقية ستكون مُدوِّرة ولو بعد حين وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى