حميدتي بالقاهرة.. أجندة سياسية ودوافع أمنية

 

تقرير: مريم أبشر

غادر نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن محمد حمدان حميدتي الخرطوم إلى القاهرة في زيارة رسمية تستغرق يومين، وعلمت (الصيحة) أن حميدتي رافقه خلال الزيارة وزير الدولة بالخارجية الدكتور عمر قمر الدين ومدير جهاز المخابرات الوطني، الزيارة التي لم تكشف الحكومة الانتقالية مبرراتها، بيد أنها  جاءت بعد فترة وجيزة من زيارة سريعة لمدير جهاز الأمن والمخابرات المصري للخرطوم بعد أربع وعشرين ساعة من حادثة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الإثنين الماضي,  وأيضاً أتت بعد أيام قلائل من الموقف المتحفظ الذي اتخذه السودان تجاه  مشروع قرار تبنته الجامعة العربية بشأن سد النهضة وعززت الخرطوم رفضها بأن مشروع القرار صناعة مصرية، وأن مصر عمدت لإقحام السودان فيه، الزيارة أيضاً جاءت وبعد 48 ساعة من إعلان الحكومة إغلاق الحدود وإيقاف الرحلات الجوية مع القاهرة بعد تفشي وباء كورونا العالمي وتسجيل القاهرة لمعدلات عالية بالإصابة به وسط موانئها، الأمر الذي يفتح أكثر من نافذة على ملفات غاية في الأهمية دفعت نائب رئيس المجلس العسكري للقيام بالزيارة في هذه الظروف المعقدة.

سوء فهم

كثيرون رأوا أن العلاقات بين الخرطوم والقاهرة تمر حالياً بحالة عدم رضى عام من قبل الطرفين، وأن هنالك اتهامات متبادلة وحملة إعلامية على وجه الخصوص من قبل الآلة الإعلامية المصرية والوسائط تجاه الخرطوم (كما درجت العادة المصرية في أحداث سابقة)، على خلفية الموقف المتحفظ الذي اتخذته الحكومة السودانية حول مشروع قرار يتعلق بسد النهضة. مصدر دبلوماسي  ــ فضل حجب اسمه تحدث لـ (الصيحة) ، مثمناً الموقف الذي اتخذه وفد السودان واعتبره مبرراً، لجهة أنه ليس من الأعراف وغير المقبول أن تدفع مصر بمشروع قرار وتقحم فيه الخرطوم دون أن تقف على تفاصيل بنوده مهما كانت درجة تطابق الرؤى بينهما ولفت إلى أن اجتماعاً تشاورياً كان من المفترض أن يلتئم بين وزير الدولة بالخارجية رئيس الجانب السودانى مع رصيفه المصري، غير أنه لم يتم، وـن السودان وقف على تفاصيل محتوى القرار مثل بقية أعضاء الجامعة العربية.. وترى الخرطوم أن ملف سد النهضة يهم ثلاث دول وليس من الجيد أن يكون الأمر وكأن هنالك مواجهة عربية (باعتبار مشروع القرار تبنته الجامعة) مع أثيوبيا، وترى الخرطوم أن مثل هكذا اصطفاف غير مفيد لملف سد النهضة..

ضوء أخضر

أضف إلى ذلك، فإن الحملة الإعلامية التي يقودها الإعلام المصري حسب الدبلوماسي، لم يكن لها أن تحدث إن لم يكن هنالك ضوء أخضر من قبل السلطات المصرية، ويعتقد أن الزيارة ربما قصد نائب رئيس المجلس العسكري منها محاولة  إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، بجانب ذلك فإن فترة طويلة لم يشهد البلدان زيارات ثنائية متبادلة، بخلاف الزيارة التي قام بها مدير المخابرات المصري.. ويعتبر أن الزيارة محاولة لتحريك الجمود واستئناف الحوار والتشاور السياسي حول ملف سد النهضة (الملف الأبرز) خاصة أن القاهرة ترى في سد النهضة (باعتباره لا أثر مباشر له على مياه النيل)، يمثل أي تراخٍ فيه تهديد للأمن القومى المصري المرتبط بالمياه، حيث عكس التعاطي الإعلامي حوله بعضاً من القلق لبعض الأطراف، وأن حميدتي هدف من لقائه بالمسئولين المصريين بعث رسائل للأطراف المهتمة بسد النهضة أن الأمور   مستقرة،  وأن أثر التوتر محدود  ومقدور عليه، وأن أي محاولة للتصعيد تنطوي على حساسية عالية من قبل الأطراف وأن الملف يتطلب قدراً كبيراً من الدبلوماسية السياسية،  فضلاً عن أن الزيارة فرصة أيضاً لتحريك ملفات التعاون الثنائي بين البلدين خاصة الاتفاقات الموقعة في شتى المجالات..

كورونا حاضرة

ولم يستبعد الدبلوماسي في حديثه “للصيحة” أن يكون وباء كورونا الفتاك واحداً من الملفات التي يبحثها حميدتي مع السلطات المصرية حول كيفية احتواء المرض بعد أن سجلت الخرطوم رسمياً حالة وفاة.

موقف ثابت

الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بروفسير حسن الساعوري ، استبعد أن يكون الهدف من زيارة حميدتي بحث التوتر الذي حدث بسبب مشروع قرار يتعلق بسد النهضة، في تقديره أن موقف السودان من سد النهضة معروف ولم يتغير في عهد حكومة حمدوك، وهو قائم على أن السودان ليس متضرراً من قيام السد، وهو يلعب دور الوسيط أكثر منه طرفاً في العداء بين القاهرة وأديس، وانتقد الساعوري لجوء مصر للجامعة العربية التي وصفها بالمنتهية، ويرى الساعوري في حديثه “للصيحة” أن الجامعة العربية لم تستطع فعل شيء لقضايا وملفات عربية مهمة على رأسها القضية الفسطينية، واستشهد على ضعفها بلجوء بعض الدول العربية لإنشاء تكتلات أخرى كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، واعتبر اقدام مصر على طرح مشروع النهضة عبر الجامعة يمثل حسابات أكبر من الواقع، ورأى الساعوري أن أية محاولة من مصر لتدويل سد النهضة ستكون خاسرة .

ملفات أمنية

ويتوقع الساعوري أن زيارة حميدتي للقاهرة ذات أبعاد متعلقة بالمحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك خاصة وأن التسريبات الأولية تشير لتورط أجانب من بينهم مصري في المحاولة، ولفت الساعوري لما يثار بشأن أصابع خارجية تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان، لافتاً للعلاقات التي تربط بعض الدول العربية بالحركات المسلحة، قاطعاً بأن زيارة حميدتي ذات أبعاد أمنية أكثر منها سياسية فيما يتصل بسد النهضة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى