ضد قطع الأرزاق

 

يحتاج التحالف العسكري المدني الذي يحكم البلاد الآن، لقدر بسيط من الشجاعة ليعلن أن شعاره “لست متحاملاً على أحد، إنني أكره جميع الناس بالتساوي”. شكراً للساخر الأمريكي دبليو سي فيلدز، ويا لمصادفة تناغم اسمه كمؤلف للعبارة وفعل معتنقيها! العسكريون يعتنون الآن فقط بنصيبهم من بهاء السلطة وليس من السلطة نفسها، وكل شيء لا يمس ذواتهم -الكريمة- فهو مباح! والمدنيون يعرفون الوصفة جيداً لذلك فإنهم يفعلون الآن كل شيء ضد أي كان، لكنهم لا يمسون أي مما هو مكتوب عليه (ممنوع الاقتراب والتصوير) لأنهم يدركون فداحة الثمن.

أسقطت الإنقاذ ما سمي بفساد الطائفية وأسست فساد التمكين، وحين أزف أجل الإنقاذ وسقطت تفاحة السلطة على رأس من يتشاركون الآن في حكم البلاد، شرعوا على الفور في تأسيس التمكين الجديد ببراعة أقل، وشراهة أكبر، ودناءة لا يمكن إغفال مظاهرها في كل مشهد من حياة الشعب السوداني هذه الأيام. حصيلة تمكين اليوم هو خليط من رعب المتسلطين من ماضيهم وخوفهم من العودة إلى مصائر ظنوا أن هذه هي فرصتهم الأخيرة للإفلات منها، ومحصلة لقدر هائل من التهافت، والغل، والكراهية التي تكفي كافة جماهير الشعب. لقد كان تمرين الإقالات الجماعية وغير القانونية في وزارة الخارجية، وهو أمر سنعود إليه بتفصيل أكثر، تمريناً بشعاً للشعب السوداني للتعرف على الغل والكراهية كإحساس وسلوك! هل رأيتم كيف وقف (الصغار) وهم أعجز عن مداراة التشفي حين كانوا يعلنون قائمة الأسماء التي قاموا بطرد أصحابها دون مسوغ قانوني من وظائفهم، تمهيداً لشغلها بقوائم يعدونها في الظلام وتتسرب كل يوم من بين أصابع صراعاتهم؟ لماذا تتم محاربة التمكين في وزارة الخارجية وحدها ولا تتم محاربته في هيئة السكة الحديد، ومصلحة الغابات، ووزارة التعليم، والشرطة والجيش والحكومات المحلية مثلاً؟

السلطة هي دائماً مرتبطة بالقوة، والقوة تعني القدرة على فرض الإرادة على الآخرين وهذه يملكها الآن الجيش والدعم السريع والمخابرات والشرطة، أما حلفاؤهم المدنيون فهم مجرد سكرتارية وحاشية يمكن تغييرها في الوقت المناسب. المحاذير التي يهتم بها العسكريون لا تتعلق باحترام إرادة المدنيين أو آرائهم بقدر ما تعتني بمحاولة تأجيل المعركة مع المدنيين والعمل ببطء على تحييد قدرتهم على إلحاق الأذى بالسلطة المقبلة التي يتم التخطيط لها في الغرف المغلقة.

هذا كله مفهوم، لكن ينبغي على العسكريين في الشراكة غير العادلة حالياً ألا يخذلوا ثقة الجماهير فيهم وألا يستغلوا رهبتها من سلاحهم. لا يمكن إعفاء المكون العسكري من مسئولية الجرائم التي ينبري المدنيون بالإعلان عنها، فالشعب السوداني يعلم أن النشطاء يسيئون استخدام السلطة بموافقة العسكريين وأنهم لو رفضوا شيئاً فإن لا الجنرالات ناهية!

لا أحد يخشى حكومة الدكتور عبد الله حمدوك، وثلة النشطاء في مجلس السيادة، وقد كتب مواطنو ولاية كسلا الرسالة نيابة عن جموع السودانيين أول أمس الإثنين بعبارة فصيحة حين زارهم السيد رئيس الوزراء. لقد عبّد مواطنو كسلا الطريق أمام السودانيين لأن يقولوا كلمتهم في هذا العبث الذي يجري الآن باسم بلادهم. ينبغي للعسكريين أن يرفعوا الآن الغطاء عن خطايا السلطة التي يملكون كامل النفوذ فيها، وأن يكفوا عن توفير السند لها وقهر مناوئيها بقوة الدولة، وهي قوة وشوكة تدفع الجماهير ثمنها جوعاً ومرضاً وخيبات متتاليات في الحصول على الأدنى من الكرامة والعيش المحترم.

إن ما حدث في وزارة الخارجية مجزرة مؤسفة ومهينة وما كان ينبغي أن تحدث أبداً! نواصل إن شاء الله

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى