ترتيبات جديدة للانتقال

 

كما كان متوقعاً، أفرزت عملية الانتقال السياسي مشكلات شديدة التعقيد في مختلف مسارات ومهام وهياكل السلطة الانتقالية، وشابت العمل اليومي أخطاء كبيرة ينبغي تصويبها على نحو عاجِل بحيث لا تتحول الأخطاء بفداحتها إلى خطايا وفواجع.

ينبغي  أن نُعيد هنا أن السلطة الحالية هي نسق إئتلافي مؤقّت مصمم لإرضاء النشطاء المدنيين وتفريغ حماسهم وطاقات الاعتصام والتظاهر لديهم بشكل إيجابي ريثما ينتهي الجنرالات من التوافق على صيغة مساومة مرضية بينهم تؤسس لمرحلة جديدة لهم في الحكم.

تأسست هذه المرحلة على أعمدة هشة وخاطئة، فقد تم توقيع صيغة الاتفاق المشترك بين المجلس العسكري بتكوينه الذي دائماً دوّار ومُتغير، وبين كيان هلامي هو (ق ح ت) التي ضمت بعض رموز النشاط  العاصمي والمديني المعزولة تحت عناوين ولافتات كذوب أفاض كاتب هذا العمود في تفكيكها  إلى عناصرها  الأولية حتى استحالت إلى لا شيء، وما برحت تمثل ازدراء حقيقياً لمن تظاهروا وصنعوا المناخ المواتي لانقلاب المنظومة العسكرية على الدكتاتور الفاسد.

 

الأساس الهش الآخر هو ما يسمى بـ(ميثاق الحرية والتغيير) نفسه، والذي يمكن لأي ناشط طُلابي أن يكشف عوار بِنيته وضَعف جوهره وفراغ محتواه وقصر قامة من كتبوه في فضاء الفكر وممارسة العمل العام. تداعت مجموعة سرقت لسان الجماهير مُستغلة الفراغ الذي نتج عن غياب الأحزاب من ساحة مقاومة النظام المباد.

نتج عن ذلك النشاط ما عُرف بالوثيقة الدستورية، وهي وثيقة هشة ولا تُمثّل الجماهير، وقد  أثبت الطرفان المُوقّعان عليها تجاهلهما لها عقب التوقيع مباشرة، حيث اكتشف الناس وجود نُسخَتين مُختلفتين لها، ثم ما انفكا  يغفلانها وهما يعتمدان عليها مما يُعيد الصورة الكرتونية لجحا وهو يعمِل فأساً ليقطع فرع الشجرة الذي يجلس عليه.

الأساس الهش الآخر الذي وسم عمل فترة ما بعد توقيع هذه الوثيقة هو الأداء الضعيف البائس لجميع مؤسسات السلطة المؤقتة سواء في مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو إدارات الدولة المختلفة التي تهافت عليها المُتبطّلون من الخارج والعاطلون عن الإنتاج وليس عن العمل في الداخل.

احتشد خمسةُ أعضاءٍ مدنيين في مجلس السيادة في مقاعد مساعدي الرئيس المخلوع حيث كان الناس يسخرون منهم وهؤلاء يعملون الآن كأفراد سكرتارية ضعيفة القدرات في مكاتب الجنرالات!

أما مجلس الوزراء، فقد ضمّ عدداً من العناصر الضعيفة القدرة والتجربة والكفاءة فخرج الأداء الحكومي منتجاً نقياً لهذا الخليط.

*أين المفر؟* يحتاج جنرالات مجلس السيادة إلى اتخاذ خطوات حاسمة وعاجلة بينهم، ثم تحمل مسئولياتهم وذلك بإصدار إعلان دستوري جديد ومُحكم يُحدّد فترة انتقالية لا تتجاوز العام، تجرى بعدها انتخابات لرئاسة الجمهورية والبرلمان على هدي دستور مؤقّت يقوم بصياغته ما لا يزيد عن الثلاثين شخصاً وفقاً لمعايير الكفاءة والاستقامة والتمثيل الجهوي والجندري العادل.

 

تولي شخصية مدنية واحدة متفق عليها مهام السيادة على أن يتولى العسكريون مهام الدفاع والأمن في مجلس أعلى برئاسة القائد العام.

تشكيل مجلس للوزراء من شخصيات مدنية وعسكرية على أساس غير حزبي ولا تتجاوز مهام الفترة الانتقالية من تسيير الأعمال والإعداد للإنتخابات وإقرار الدستور المؤقت بالتشاور مع مجلس الدفاع والأمن ثم يعتمده رأس الدولة.

إصدار وثيقة للسلام تُضمّن في الدستور المؤقت لتحديد الأطر العامة للتفاوض والسلام وتشكيل مفوضية مختصة بهذه المهمة تواصل التفاوض مع الحركات المتمردة الحقيقية وليست تلك المُصنّعة في معامل جوبا.

هذه بعض خطوط نُسهِم بها إرضاءً لله وضميرنا الوطني، عسى أن تكون مُحرّكاً لمزيد من الحوار لإنقاذ وإلا فإن الأسوأ معقود بنواصي خيل هذه السلطة المؤقتة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى