اتفاق (النسب).. بين الترضيات والحلول!!

 

تقرير- نجدة بشارة

على الرغم من أنّ اتفاق “مساري الشرق ودارفور” بمنبر (جوبا)، قُوبل بالكثير من الارتياح والقبول مُؤخّراً، إلا أنّ العديد من المُؤشِّرات ربما تُوحي بوجود النقائص، حتى أن مُتابعين اعتبروا أنّ هذه الاتفاقيات ظاهرها يبدو كحلول نهائية لجُذُور الأزمة بشرق وغرب السودان، وباطنها فيها التسويات والترضيات، ولعل الأصوات شرقاً مازالت  تعلو رافضةً ومُنتقدة في ذات الوقت لممثليها بالمنبر، وهذا ما يشي بأنّ الاتفاقية رغم أنّها طُبخت (على نارٍ هادئة)، إلا أنّ الملف قد  ينتظره الكثير ليكتمل! طالما أنّ المُشكلات ما زالت تجد طريقها بين مُكوِّنات أهل شرق السودان.
بالمُقابل، وفي اتفاق “مسار دارفور”، ظهرت صبغة الترضيات بإعلان نسب لمُشاركة 20% بالخدمة المدنية، وسبق وأشارت الحكومة إلى أنّ هذا المعيار المُتعلِّق بمسألة الخدمة المدنية تم التعامُل به في كل مناطق السودان وفي كل المسارات التي تم الاتفاق معها، إذن وبتلك الصيغة، هل ستُلبِّي هذه الحلول الطموحات؟

ما وراء الاتفاق

وكان عضو مجلس السيادة بالسودان والناطق الرسمي باسم وفد الحكومة لمفاوضات السلام بجوبا محمد حسن التعايشي، قد أعلن عن اتّفاق وفد الحكومة و”مسار دارفور”، على أن تكون مُشاركة دارفور في الخدمة المدنية بنسبة 20%، وقال التعايشي تصريحات: “تَوَصّلنا مع مسار دارفور إلى اتفاق كامل حول كيفية معالجة اختلالات الخدمة المدنية لأهل دارفور”، وأوضح أنّ الاتفاق أكّد على تكوين آلية معنية بدراسة أوجه الخلل تاريخياً بالنسبة للخدمة المدنية لأبناء وبنات دارفور، باعتبارها من القضايا الأساسية التي واجهت الخدمة المدنية وتسبّبت في إشكالاتٍ كثيرةٍ، وأن تعمل تلك الآلية تحت إدارة المفوضية العامة للخدمة المدنية، وفقاً لسقفٍ زمني ومعايير وأسسٍ مُعيّنة تقوم على أساس التِّعداد السُّكّاني والتميز الإيجابي والكفاءة والتنافُس الحُر لكل المُواطنين والمُواطنات، وأشار إلى أنّ هذا المعيار تّمّ التعامُل به في مسألة الخدمة المدنية في كل مناطق السودان وفي كل المسارات التي تم الاتفاق معها، وفي نهاية الأمر ستتم مُعالجة الخلل الكلي للخدمة المدنية بكل السودان، مما يجعل التوظيف في الخدمة المدنية قائماً على الكفاءة والقومية وأهلية المُنتسبين لها، وعلى عدم التمييز في استيعاب أبناء وبنات السودان في الخدمة المدنية.
إلا أنّ عُضو وفد قيادات مسار دارفور أحمد تقد لسان، وصف ما نتج من الاتفاق بأنه “تفاهم إيجابي حول موضوع مُهم للغاية”، ويمثل أحد أسباب النزاع الطويل في دارفور، ويُعد إنجازاً كبيراً ليس فقط لأهل دارفور، وإنّما يصب في مصلحة العملية السلمية برمتها، مُوضِّحاً أنه بالتّوصُّل إلى هذا الاتفاق نكون قد أحرزنا تقدُّماً ملحوظاً في مسار التفاوُض.

لا مُحاصصة

ونفى المحلل السياسي والمُراقب للعملية السلمية في دارفور د. عبد الله آدم خاطر أن تكون هنالك صبغة (مُحاصصة) أو تسوية سياسية فيما يتعلق بنسب المُشاركة في الخدمة المدنية لكل مسارات التفاوض، وقال لـ(الصيحة): إذا نظرنا إلى الاتفاق كمُحاصصة، سنكون أفشلنا هذه الطاولات للمرة الثانية، ولكن يجب أن ننظر لها كجُزء من تكامُل العملية السلمية، وأنّ ما تمّ من اتفاق عليه، عمل سياسي لجذب المجموعات الإثنية واستيعابها ليشعر المُواطن باكتمال وجوده داخل بلده، وأردف: الخدمة المدنية جُزءٌ لا يتجزأ من آليات العمل والتنمية، وأشار خاطر إلى أنّ كل الاتفاقيات السَّابقة التي تمت في السودان تحدثت حول الأُسس والمباديء التي تتم بها مُعالجة الخدمة المدنية.. وقال إنّ السلام يحتاج لتكامُل الخدمة المدنية والعسكرية وهي بالتأكيد تُساهم في عملية البناء، أما بالنسبة لمواطني دارفور فهو بالتأكيد سيُشعره بالاطمئنان، بأنّه يمكنه أن ينتج ويكون جُزءاً فعّالاً في وطنه، ونحن مُتفائلون بهذا الاتفاق وما قد يسفر عنه من تراضٍ وطني.

 

صخرة سيزيف

المحلل السياسي د. صلاح الدومة قال لـ(الصيحة)، إنّ ما يحدث هو تنفيذ لأهداف الدولة العميقة، وأردف: وإلا فلا داعٍ بعد سقوط نظام الإنقاذ أن نعود لمربع الحديث عن التسويات والترضيات وقسمة المناصب، ويفترض أن تكون وفقاً للمُنافسة في سوق العمل ودون تمييز، محددة لفئة قبلية أو جهوية، خاصة وأنّ نسبة العطالة بالدولة 50% وبالتالي كل الشباب السوداني يحتاج للخدمة المدنية، أو على الأقل كل ما يبحث عن عمل يجد ما يبحث حسب مقدراته، وأردف أن نظام الإنقاذ في فترة الحراك الثوري استطاع اختراق كل المؤسسات بما في ذلك قيادات قِوى الحُرية والتّغيير، واخترق الجبهة الثورية وقياداتها التي تتفاوض مع الحكومة، فظهر ما يُسمى بالمسارات، وتساءل كيف تُقسّم قضية السودان إلى مسارات وهو يفترض أن يكون التفاوُض كلياً لا يتجزأ؟ فحدث بمفاوضات جوبا مثلما حدث في الأسطورة اليونانية (صخرة سيزيف)، والتي تقول إن أحدهم ارتكب حماقة وعُوقب بأنه يأخذ الصخرة إلى قمة الجبل، فكان يصعد بالصخرة وعندما يقترب من القمة تتدحرج منه مجدداً ليُعاود الكَرّة، وهذا ما يحدث الآن أن الناس تستشعر وجود اتفاق بمنبر جوبا، وعندما يقتربوا من اكتمال التفاوُض تظهر مُعيقات تُؤجِّله.

حُلُول

أمّا القيادي بالشرق مجدي عثمان علي، قال انّ ما تم الاتفاق عليه جيد سواء في المجال الاقتصادي أو الثروة والسلطة، وأضاف لـ(الصيحة): إنّ الاتفاق يُعالج قضايا التهميش بشرق السودان في قطاعات الصحة والتعليم والمياه، ويُؤكِّد على التنمية المُتوازنة ودعم صندوق شرق السودان ويمثل حلولاً للكثير من القضايا العالقة، وعبر عن تفاؤله بالسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى