جَولة التّفاوُض الجَديدة.. ألغامٌ ومَطلوباتٌ

تقرير: مريم أبشر

تَعتزم الوساطة الأفريقية المُشتركة استئناف جولة جديدة من المُفاوضات بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير حول الوثيقة الدّستورية، بعد فترة توقُّف استمرت أكثر من أسبوعٍ، شَهِدَت فيها العاصمة أديس أبابا اجتماعات فرعيةٍ تشاوُريةٍ بين مُكوِّنات الجبهة الثورية وَوفد من قِوى الحُرية والتّغيير بحُضُور الوَسَاطَة الأفريقيّة، تَمّ التّوصُّل خِلالها لورقةٍ تَوافُقيةٍ تُشَكِّل مَطلوبات المُشاركة لبعض قِوى الجَبهة الثّورية سَيتم تَضمينها في الوثيقة السِّياسيَّة الّتي تَوَافَقَ عليها المَجلس العَسكري وقِوى الحُرية والتّغيير الأسبوع الماضي في احتفالٍ شَهِدَ التّوقيع عليها بالأحرف الأولى.

وقال ممثل الاتحاد الأفريقي في الخرطوم السفير محمد بلعيش في بيان أكد فيه استئناف المُشاورات في إطار لجنة التفاوُض المُمثلة في المجلس العسكري الانتقالي وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير اليوم السبت، وأضاف أنّ الجولة ستتم خلالها دراسة الوثيقة الدستورية والتّحضير لاستكمال كل التّرتيبات المُتعلِّقة بالاتّفاق السِّياسي الرامية لتحقيق أهداف الثورة السُّودانية في الحُرية والدِّيمقراطية وبناء الاقتصاد ومُحاربة الهَشَاشة والإقصاء.

جولة مُختلفة

تأتي الجولة الجديدة، في وقتٍ تشهد فيه الخرطوم تَحَوُّطات أمنيةٍ ومظاهر أمنيةٍ فوق المُعدّل، حيث تنتشر على الشوارع ومَداخل الكَبَاري ومَخارجها قوة أمنية من الجيش والشرطة والدعم السريع في أعقاب مُحاولةٍ انقلابيةٍ أخذت الرقم (خمسة) ضمن سلسلة من المُحاولات الانقلابيّة منذ سُقُوط نظام الإنقاذ في الحادي عشر من أبريل الماضي، غير أنّ الجديد في هذه المرة هو أنّ المُحاولة التي أحبطتها الأجهزة الأمنية لحظة ساعة صفر تنفيذها، بعد أن وضعت تسجيلاً كاملاً لبيانها الأول كما أشار بذلك بيان القوات المُسلّحة أمس، الذي تلاه الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس هيئة الأركان المُشتركة المُكَلّف، وتأتي الجولة المُتوقّع أن تكون الأخيرة وقد طَالَت الاعتقالات رُتباً رفيعة في الجيش والأمن والدعم السريع وقيادات من الصف الأول من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني يُشتبه ضُلُوعهم في المُحاولة الانقلابية، وتَلتئم الجَولة كَذلك وَقَد خَطَت قِوى التّغيير خَطوةً جيِّدةً بافتراعها جَولة مُشاورات مَع أحد مُكوِّناتها (الجبهة الثورية) بأديس أبابا التي أَفضَت إلى تَفَاهُمات مَنَحَت الجولة المُقبلة فُرصة أن تكون الحاسمة والأهم، وتفتح المَجَال لمُشاورات أخرى مع فصلين آخرين هما حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال، حتى يكون السلام شاملاً ومُعالجاً لكل المشكلات التي أقعدت البلاد سنيناً عددا.

قصيرة وحاسمة

بَعض المُراقبين يرون أنّ إطالة أمَدَ التفاوُض بين المجلس العسكري وقِوى التّغيير والتّعثُّر الذي شَابَهَا أصاب المُواطن السوداني والثوار باليأس والإحباط، لجهة أنّ ما ثاروا من أجله لم يَتَحَقّقَ على أرض الواقع، ويرى السفير الصادق المقلي أن جولة اليوم المُرتقبة حول الوثيقة الدستورية يجب أن تكون أخيرة وحاسمة تفضي لتشكيل حكومة وسلطة مدنية ومجلس وزراء يضع برنامج حكومة عاجلة تعالج قضايا الحرب والسلام ومعاش الناس، فَضْلاً عن وضع تَصوُّر لسِياسة تُعالج الدمار الذي أَصَابَ السِّياسَة الخارجيّة للسُّودان إبان الحكم البائد والخُرُوج من حَالة العُزلة الدُّوليّة، تركة الحكم المخلوع والإقليمية المفروضة من الاتّحاد الأفريقي بسبب تعليق عُضوية السودان والرهين بتشكيل الحكومة المدنية المُرتقبة، وفي حالة الفشل فإن مزيداً من العقوبات يُلوِّح الاتحاد الأفريقي بأخذها إذا ما تَعَثّرَت المُفاوضات، وطَالَبَ مُراقبون، الشريكين بأن يضعا في سلم أولياتهما الضائقة المعيشية التي اجتاحت المواطن السوداني وتتفاقم يوماً بعد يومٍ، وأنه لا بُد من وَضع برنامجٍ إسعافي يُخَفِّف على المواطن الأزمة الخانقة التي يعيشها الآن.

مفوضيات إسعافية

يجب تقديم تنازُلات حقيقية من كل الأطراف المُتحاورة من أجل تجاوُز العَقَبات، هذه رؤية عَدَدٍ من المُراقبين وفي مُقدِّمتهم الدكتور والمُحلِّل السِّياسي عبده مختار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الذي أشار في تَصريحٍ لـ(الصيحة) إلى أن الوقت تأخّر كثيراً على تَشكيل الحُكومة، نَتَجَ عن ذلك فَراغٌ إداريٌّ وتنفيذيٌّ ودستوريٌّ أثّر كثيراً على الأوضاع العامّة في الدولة وزادت مُعاناة المواطن جَرّاء ارتفاع الأسعار وارتفعت أيضاً المُهدّدات الأمنية، ويرى أنّ الجولة يجب أن تكون سريعةً وحَاسمةً تبعد بقدر المُستطاع عن التفاصيل، باعتبار أنّ الحكومة الانتقالية لا تحتاج لتفاصيل وإنّما لبرنامج إسعافي، واقترح مختار صرف النظر عن تشكيل البرلمان والاستعاضة عنه بمفوضيات تكون أجساماً فنية لوضع قانون للانتخابات والدستور والتّشريعات للفترة الانتقالية وخارطة طريق للعُبور بالمرحلة، خَاصّةً وأنّ تشكيل برلمان مُعيّن قد يفتح المجال لصراعاتٍ وتوتُّرٍ يُمكن أن تُؤثِّر على الجهاز التنفيذي، على  أن تُشكّل المُفوضيات من تكنوقراط من ذات القِوى التي كان منوطاً بها تكوين البرلمان، ويرى أنّ مثل هذه الخطوة سَتُجنِّب البلاد الصراعات وإضاعة الوقت، فَضْلاً عن أنّ المُفوضِيّات ستُشكِّل أذرعاً سَتسهم في إسناد الجِهَاز التنفيذي ووضع التشريعات والمُساعدة في إدارة الفترة الانتقالية، خَاصّةً وأنّ البلاد تُواجه حالياً مُهَدِّدات أمنية.

لا رجعة للوراء

المُضي نحو تحقيق أهداف الثورة بَاتَ خَطّاً لا رجعة فيه، يدفع باتّجاه ذلك جدية الأطراف خَاصّةً المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير والشارع المحروس بتحرُّكات ثواره.
ويعتقد السفير عبد الباقي كبير في حديثه لـ(الصيحة) أمس أنّ الشفافية التي صاحبت إعلان المجلس العسكري في الكَشف عن الضَالعين في المُحاولة الانقلابية التي كانت تعمد لإجهاض الثورة خير مؤشِّر، وإن ما يجري ليس تمثيلية، وإن المجلس يمضي بقوة نحو تحقيق أهداف الثورة والحفاظ على مُكتسباتها، فَضْلاً عن أنّ جولة حوار أديس أبابا التي أجراها وفد قِوى الحُرية والتّغيير مع الجبهة الثورية تُعتبر خَطوةً جَادّةً في التّواصُل إيجاباً مع كل القِوى السِّياسيَّة وعدم إقصائها، ويرى كبير أنّ التحدي هو أن يكون التّحرُّك بذات القُوة للالتقاء مع الآخرين خَاصّةً الحلو وعبد الواحد محمد نور حتى يكتمل السلام، باعتبار أنّ الحوار هو الوسيلة المثلى لتحقيق المَطالب، ودعا السفير كبير، الشريكين لأن تكون الجولة المُرتقبة قَصيرةٌ وآخذةٌ في الاعتبار أنّ الأوضاع الاقتصادية والأمنية لا تحتمل المَزيد، وفوق هذا وذاك تُوفِّر إرادة حقيقيّة للتّوصُّل إلى حل نهائي وليس تكتيكياً ينهي مُعاناة شعبٍ ووطنٍ بشكلٍ يرضي الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى