الحكم الإقليمي.. صراع المركز والهامش

 

تقرير: صلاح مختار

يبدو أن الاتفاق الذي وقع في جوبا بين الحكومة وأطراف التفاوض الذي حسم مستقبل إدارة الحكم بالسودان، بالعودة إلى الحكم الإقليمي عبر سلطات فيدرالية حقيقية، يثير كثيراً من اللغط بين المفكرين ومنظري الحكم الاتحادي والسياسيين، بيد أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، أكد أنه تقرر عقد مؤتمر حول قضايا الحكم بمشاركة الجميع لوضع ملامح وسلطات الحكم الإقليمى الفيدرالي. ولعل الخطوة فتحت نافذة واسعة للحديث حول المركز والأطراف أو صراع الهامش والمركز كثير من الخبراء والمختصين لديهم رأي واضح في هذا الشأن رغم أنه خطوة مهمة في الطريق الصحيح ينتظر توسيع قاعدة التشاور حوله  مستقبلاً فإذا قالوا لـ(الصيحة).

تقصير إداري

ويرى المدير العام لإدارة تطوير نظم الحكم اللامركزي بديوان الحكم الاتحادي د. معاذ عبد الله بلال لـ(الصيحة) أن المقصود في الاتفاق هنا عمل الإقاليم في شكل ولايات بمعنى بدلاً من الولاية يستبدل إلى إقليم،  والمقصود من الأقاليم هنا تقليص عدد الولايات، بحيث لا يكون عدد الولايات بالحجم الموجود الآن ولكن الحكم الإقليمي عموماً يقصد منه تقليل للنفقات، ولكن الحكم الفدرالي له مزايا كثيرة. لأنه يحفظ البلد من التفتت أو “التفرتك” ومن الانشقاقات والحكم الفدرالي يحافظ على وحدة البلاد، وأشار إلى خطورة منح الإقليم مثلاً دارفور أقليم واحد سيكون سهل الانفصال، أو يدعو إلى الحكم الذاتي، وقد تؤدي إلى الذاتية والتي بدورها تؤدي إلى الانفصال وهو ما يتخوف منه الناس، لأنه يعطي قوة لجهات داخلية تتدخل وتفترق وجميعها يميل لاتجاه غير محمود العواقب.

الظل الإداري

وأكد بلال: من الأفضل القول الفدرالية، لأنها تقود إلى وحدة البلاد لأن السودان دولة كبيرة وواحدة من مشاكله، إذا منحت أي شخص أي حاجة من الصعب استرجاعها، وقال: بدلًا من (18) يمكن أن تصبح (15)، ومريحة أفضل مما تصبح (6) أقاليم، لأنها ستصبح مشكلة.

أما قضية تقصير الظل الإداري فتحكمه أشياء أخرى تأتي بالرجوع إلى نظام المحافظات، ولكن تابعة للحكم المحلي تتقسم إلى بلديات ومدن وأرياف ربما تكون تلك هي الصحيحة. واعتبر القضية ليست غير محسومة حتى الآن، وهي لا تحسم إلا عبر مؤتمر دستوري بمشاركة الشعب كله فيها، لجهة إذا أردت عمل ولايات أو أقاليم يعني هيكلة الحكم، ولا تتم إلا بموافقة كل الشعب السوداني الذي يختار كيف يحكم، وقال: حتى ولو تم الاهتمام به خلال الثلاث سنوات الانتقالية، ربما يأتي المؤتمر الدستوري وينسف كل ذلك، لأن الكلمة النهائية للمؤتمر الدستوري.

تحرير المصطلح

بيد أن القانوني د. أبوبكر عبد الرازق، دعا في حديث لـ(الصيحة) إلى تحرير المصطلح والتواضع على التكييف اللغوي والاصطلاحي المتفق عليه, حيث قال: الكلمات في أصلها وصفية مجردة، ولكن عندما تلقى تكون لها ظلال سياسية واجتماعية ومعرفية وإدارية وأمنية وثقافية ونفسية عند كل شخص. ورأى أن مصطلح الحكم الإقليمي عند علماء الإدارة والنظم السياسية يعني حكم بلا صلاحيات فدرالية، بمعنى أن هنالك دولة مركزية يحكمها حاكم مثل النميري أو البشير أو عبود، وفي نفس الوقت يصدر قرار بحكم إقليمي يستمد وجوده من الدستور المركزي بلا دساتير للأقاليم، في نفس الوقت يقوم الرئيس المركزي بتعيين حكام الأقاليم وهو التكييف العلمي لعلماء الإدارة.

مقتضيات جوهرية

ويرى عبد الرازق أن الحكم الفدرالي تنشأ فيه ولايات ليتم تقسيمها وفق مقتضيات جوهرية واستراتيجية متعلقة بقضية تقريب الظل الإداري من جانب، والمشاركة الشعبية في حكم الولاية من جانب آخر، في نفس الوقت يكون هنالك دستور لكل ولاية يضعها أهل الولاية دون أن يتصادم مع الدستور الاتحادي في نفس الوقت المشاركة الشعبية تكون عبر انتخابات حرة ونزيهة من شعب الولاية, وهنا نستطيع الحديث عن حكم فدرالي ينظم الدستور المركزي وجوده وعلاقة التنسيق بينه والحكومة الاتحادية ويستقل بكل أمور الولاية وحكمها مع مشاركة في بعض المشاريع القومية بنسبة أكبر وأقل للاتحادي، ونسبة أكبر في إطار الولاية في الحكم المحلي، بحيث تصرف الموارد الأكبر تحت الحكم المحلي، ثم الأقل في الولاية ثم تمضي إلى الحكم الاتحادي.

طريقة موضوعية

وأكد عبد الرازق أن تقسيم الولايات يرعى الموارد ويحدد الحدود في نفس الوقت وتوزع السلطة والثروة ويحدد عدد سكان الولاية بعد ذلك تصبح الولاية حكومة حقيقية تتماهى مع الدستور المركزي، وتعمل في إطاره. أما الحكومة المركزية الاتحادية فتكون وظائفها العلاقات الخارجية والأمن القومي والمسائل أو القوانين الإطارية والدستور الذي يحكم البلد كله، لكن الولايات تستقل ببعض الأحكام والقوانين المتعلقة باحتياجات المحلية، أما الخدمات فتؤول للولايات.

متعارف عليه ومقبول

وقال: إذا كان الاتفاق الذي وقع في جوبا فيه قدر من التفصيل ينسجم مع هذا المعنى، فإن الحكم الفدرالي كما هو متعارف عليه مقبول ونؤيده ونبصم عليه بالعشرة، لجهة أنه يقسم السلطة والثروة ويعمل نظرية المجتمع القائد وحكم الجماهير، وفي نفس الوقت تكون ديمقراطية حقيقية قائمة على حكم الشعب، أما إذا كان حكماً إقليمياً بالنص الذي يتحدث عنه فقهاء النظم الإدارية والسياسية، قال: نحن نرفضه وهو ردة إلى الوراء، وأضاف بالقول (نحن أول من اقترح الحكم الإقليمي كحركة إسلامية في مؤتمر المائدة المستديرة سنة (1965)، باعتباره مرحلة نحو الانتقال إلى الحكم الفدرالي، ولذلك هذه ردة لـ(55) سنة للوراء. وحث أهل السودان أن يكونوا ولايات وفي نفس الوقت قائمة على نظام فدرالي حقيقي يستمد روحه من النظام الأمريكي الفرنسي،  ولفت إلى أن الرجوع عن (18) ولاية فيه فتنة يمكن أن تؤدي ألى عواقب لا تحمد عقباها لأنها أصبحت مكتسبات لأهل الولايات التنازل عنها وفيه ظلم ويقود لتوتر لأي ولاية يتم إلغاؤها وبالتالي يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ويمكن أن يؤدي إلى حمل سلاح جديد.

نموذج فدرالي

واستشهد أبوبكر، بولاية شرق دارفور، وقال هي أصغر ولايات دارفور الخمس تساوي خمس مرات مساحة لبنان, وإذا أدمجت ولايات دارفور، فإن الظل الإداري يصبح بعيداً جداً، لأن الولاية تحتاج إلى جهد مضنٍ للوصول لكل أطراف الولاية، فما بالك كل الولايات، لذلك الحكم الفدرالي أصبح مكتسباً والردة عنه تعمل مشاكل لا تستطيع أي حكومة أن تتنازل عنه سوى بحوار طويل الأمد، لأن هنالك توزيعاً للسلطة والثروة، والولايات تطور بعضها البعض، وبعد ذلك يمكن إنشاء صندوق مركزي اتحادي مؤقت لدعم الولايات، الدولة المركزية نسبها من الموارد القومية تدعم الصندوق والولايات التي لديها فائض تسهم في دعم الصندوق حتى يتم فيه التعاون والتكافل مع الولايات الضعيفة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى