عودة الاحتجاجات.. ما بين الحَاضر والمُستقبل

 

الخرطوم: زمزم خاطر

أضحت الاحتجاجات وسيلةً من وسائل التعبير الديمقراطي عن الرأي العام، وأصبحت تُشكِّل أداة من أدوات الضغط على الحكومات لتغيير سياساتها تجاه قضية مُعيّنة!!

تصاعدت أبخرة دخان إطارات السيارات المحروقة في سماء الخرطوم بعد أن صَفت منها منذ أشهر، وشهدت شوارع العاصمة تجمُّعات احتجاجية تُندِّد بأزمتي الخُبز والوقود الذي عطّل سير المواصلات العامة!!

تكدُّس العربات أمام طلمبات الوقود واصطفاف المُواطنين أمام المخابز للحصول على الخُبز، صُورة تكرّرت في مُعظم ولايات ومُدن السودان!!

تجدّدت الاحتجاجات بمحليات الخرطوم الثلاث، وخرجت عطبرة في (الشمال) وكوستي في (الجنوب) والدمازين (شرقاً وغرباً) والخوي بولاية شمال كردفان ومُدن أخرى تُندِّد بأزمتي الوقود والخُبز!!

واقعٌ ملموسٌ

الخبير في الدراسات الاستراتيجية د. معتصم قمر الدين قال لـ(الصيحة)، إنّ الاحتجاجات قادمة من واقع ملموسٍ، والواقع هذا فرضته ظُروفٌ مُختلفةٌ، وهي آتيةٌ من الحاضنة نفسها، واستبعد تعجيلها برحيل الحكومة، وإنما قد تكون احتجاجات لتصحيح المسار أكثر من أنها احتجاجات لإزالة الحكومة أو تغييرها، وأوضح معتصم أن واحدةً من الممارسات الديمقراطية الفعلية هو قُدرتك على إعطاء حُرية التّعبير والانتقاد، وهذه الاحتجاجات هي تعبيرٌ للشعب السوداني عن حُقُوقه وبطريقة ديمقراطية، وهي مُمارسةٌ طبيعيةٌ جداً في ظل الوضع الديمقراطي، والمطلوب منها أن تلفت أنظار الحكومة، إلا أنّ المطلوب فعله أكبر مِمّا هو قائمٌ الآن وهي ما استطاعت أن تُوفِّي بما وعدت به إبان الثورة، ويضيف قمر الدين: الرغيف كان سبباً في إزالة النظام السابق ولا يزال سبباً في الاحتجاجات، واحتجاج الشعب السوداني اليوم على الرغيف في النظام القائم لا يتحوّل إلى احتجاجٍ يُطالب برحيل النظام الحالي، لأنه احتجاج يُطالب بتوفير الرغيف.. وعن السؤال بشأن المواكب الاحتجاجية التي يدعو لها تجمُّع المهنيين، يقول قمر الدين: إذا كان تجمُّع المهنيين لا يعي دوره فهذه مُشكلة كبيرة، التجمُّع قام لتغيير نظام، وإذا افتكر أنّ مُهمّته بزوال الإنقاذ يبقى حدّد لنفسه إطاراً ضيِّقاً جداً.. تجمُّع المهنيين هو تجمُّع سودانيٌّ أصيلٌ وقام ليؤدي دوراً أكبر من إزالة النظام السابق إلى أن يُشكِّل حاضنة سياسية و(الحاضنة السياسية) تعني الحزب السياسي الحاكم أو الحكومة.
ومن القضايا الكبيرة التي تنتظر الحكومة الحالية لا بُدّ أن يكون هناك سندٌ سياسيٌّ، لأنه من الطبيعي والمعروف أن الأحزاب هي التي تحكم وليست التجمُّعات.

خطورة الوضع!
السياسي المُستقل ومُؤسّس هيئة محامي دارفور عبد العزيز كيتا، قال إن سبب الاحتجاجات هي خُطورة الوضع والتي تكمن في الزيادة الفاحشة وغلاء الأسعار في كل ضروريات الحياة،  والأخطر من هذا بدأت ضغوطات الحياة تطفو على السطح، فظهرت عمليات النهب والسلب نتيجةً لعدم إيجاد الحُلُول من الدولة نفسها، والحُكومة الانتقالية لم تَضع بَرنامجاً إسعافياً لمُعالجة الأزمة وهي من أولويات الثورة، والأسباب التي جعلت الشعب السوداني يخرج عن بِكرة أبِيهِ في ثورة سلمية شعبية ما زالت موجودة.. وقال إنّ الشعب السوداني واعٍ جداً، وعندما قال “لم تسقط بعد”، كان مُدركاً ماهية نجاح الثورة أو سقوط النظام، الدولة العميقة لم تسقط، بل سقطت رموزها ولكنها ما زالت تُسيطر على السوق وهذه واحدة من الإشكالات.. وأقرّ عبد العزيز بأنّ حمدوك رجل وطني ولكنه لا يملك الصلاحيات الكافية لمُعالجة المُشكلة في السودان، لأنّ الأسباب ما زالت موجودة والقضايا السياسية والاقتصادية ما زالت موجودة!!

فيما قال المُحلِّل السِّياسي والخبير الاستراتيجي د. رشيد محمد إبراهيم، إنّ التظاهرات أصبحت شكلاً من أشكال الممارسة السياسية، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالناس أو الدولة السودانية، واستمرارها أو حتى ارتفاع وتيرة الاحتجاجات أو التظاهرات فهي لأسباب موضوعية، السبب الأول هو أنّ قضايا الثورة وأمهات القضايا من معاش الناس والفساد والمُحاسبة، وكثير من القضايا ما زالت حاضرة، وبالتالي عدم تنفيذ الأهداف سيجعل التعبئة والاحتجاجات واردة في أيّة لحظة ممكنة، وأضاف رشيد: السبب الثاني أنّ هنالك الكثير من الأحزاب في الائتلاف الحاكم ( قِوى إِعلان الحُرية والتّغيير) تعتمد على هذه التظاهرات كآلية من آليات إدارة العملية السياسية وتوجيهها نحو الخصوم، ومُناهضة بعض السياسات التي قد لا تجد بديلاً للمُرافعة عنها في الأداء السِّياسي بالجهاز التنفيذي أو حتى في مجلس السيادة، فتلجأ الى هذه التظاهرات وتُحاول أن تتعامل معها باعتبارها وظيفة سياسية، وأوضح أنّ حجم التبايُن والتباعُد الآن بين المكوِّنيْن العسكري والمدني أضحى بائناً على خلفية زيارة البرهان الى “عنتيبي” ولقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، كذلك خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي زاد من الإبهام حول هذه العلاقة، كل ذلك يجعل من عملية الاحتجاجات واستمرارها مَفهومة وربما مُبرِّرة.. ولكن السؤال الذي قد نحتاج لإجابة عنه مَا هو مُستقبل العملية السِّياسيَّة بالسودان فيما يتعلّق بقضايا  المعيشة وأوضاع الناس؟ الأزمة في الدقيق والوقود وكذلك ملفات عملية السلام وبعض المواقف من السياسة الخارجية، كل ذلك يجعل هناك تبايناً ليس على الأساس الحزبي والتنظيمي، ولكن على أُسس ومعايير ربما اجتماعية أو دينية أو غيرها، وكشف أنّ الاحتجاجات واحدة من وسائل الضغط القوية والمُؤثِّرة والفاعلة في التغيير السياسي السلمي وإصلاح ما فسد من أداء السلطة، والاحتجاج هو أداة ضاغطة قوية يمكن أن تعدل مسار العمل الحكومي، ولكن تعديل العمل الحكومي من خلال الاحتجاجات لا يُمكن أن يتحقّق إلا إذا ارتقت الاحتجاجات في وسائلها وآلياتها وانضباطها بما يضمن عدم انحرافها وتحوُّلها الى أعمال عُنف قد تؤدي إلى منزلقٍ خطيرٍ، ويؤدي بالنتيجة إلى شللٍ كبيرٍ في كل أركان الدولة والنظام السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى