وداعاً يا (عزنا)

* قبل نحو خمسة عشر عاماً من الآن أنتجت “فرقة الأصدقاء” فيلماً بعنون (عبد الحي حي)، وهو تلخيص لحالة الإهمال المتعمد من قبل الدولة ووجهاء المجتمع للمبدعين الذين أعطوا أفضل ما عندهم من منتوج إبداعي  للمجتمع رغم معاناتهم.

*المبدع (عبد الحي) المهمل حقق بصبره على (مسغبته) و(معاناته) المقولة الشهيرة (المعاناة تولد الإبداع) رغم جحود الدولة ومُدّعي رعاة المبدعين!!

*المبدع (عبد الحي) والذي جسد دوره المبدع مصطفى أحمد الخليفة، يعاني ويعاني والجميع يضحك ويستمتع بإبداعه الشعري والروائي، بينما هو لا يملك (حق إيجار البيت) وقيمة روشتة الدواء من المرض الذي يعانيه!!

*ولأن الدولة عندنا لا تنزل مبدعينا إلا بعد أن ينزلوا منزلهم تحت الثرى، اهتدى تفكير عبد الحي وأسرته إلى فكرة جنونية  حتى ينال الرجل بعض نوال الدولة، وهو على قيد الحياة!!

*أعلن في المجالس والبيوتات بأن الروائي عبد الحي فارق الحياة فنصب سرادق العزاء وتبارى دجالو الدولة والمجتمع على رثاء المبدع الراحل (عبد الحي)، وانهالت التبرعات على أسرته وكان من بينها قطعة أرض من الدولة  أعلنها وزير الثقافة في صيوان العزاء.

* التبرعات كانت هائلة استقبلتها الأسرة بدهشة كبيرة بينما استقبلها عبد الحي في مخبأه تحت الأرض بدهشة أكبر.. لأن الدولة تكرم مبدعيها  بعد رحيلهم أما وهم أحياء فعليهم الانتظار طويلاً حتى يأخذ عزرائيل بأرواحهم  ليستحقوا التكريم.

*تذكرتُ ذلك الفيلم والناعي ينعى إلينا المبدع عبد العزيز المبارك بعد معاناة طويلة مع المرض عن عمر يناهز 69 عاماً.

*رحل المبارك في القاهرة التي كان يتلقى العلاج في أحد مستشفياتها مؤخراً، بعد تدهور حالته الصحية، ونقله إلى العاصمة المصرية.

* رحل  (عزنا)  الذي تمت إجازته كمُغنٍّ وملحن في عام 1974، لتبدأ مسيرته الفنية بعشرات الأغنيات الطروبة والراقصة.

*وأبدى  صاحب (العسل رايق مصفى)  اهتماماً بالموسيقى وفن الغناء منذ سنوات صباه بالمدرسة، فقد اشتهر آنذاك بتلحين الأناشيد المدرسية، وكان يُطلب منه الغناء أثناء مناسبات الأفراح التي كانت تُقام في الحي الذي يقطنه، وتعلم العزف على آلة العود على يد الفنان علي السقيد، الذي كان صديقه وزميل دراسته، وبدأ نشاطه الفني بتقليد فنانين كبار منهم عثمان حسين، وعبد الكريم الكابلي، ومحمد وردي.

*ويعد الراحل من أهم رواد الأغنية السودانية، إذ تغنى السودانيون والعرب بأغانيه الرائعة مثل أغنية أحلى جارة وأغنية طريق الشوق، وأغنية بتقولي لا.

* وأنتجت هيئة الإذاعة البريطانية بعض أجمل أغانيه ومنها: “أحلى عيون بنريدها “، و”يا عسل”، ما أدى إلى انتشارها في عدد كبير من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، كندا، هولندا، بلجيكا، ألمانيا، وغيرها من البلدان الأوروبية.

* في بدايات مشواره لاقى عبد العزيز تعاوناً من بعض الفنانين الذين سبقوه في ساحة الأغنية السودانية، فقدم له الفنان الطيب عبد الله أغنية “طريق الشوق” كهدية، وهي من كلماته وألحانه، كما أهداه ثنائي العاصمة أغنية “ليه يا قلبي ليه” من كلمات شبيكة وألحان السني الضوي. وتغنى بـ(يا عزنا) للحلنقي.

*اللهم ارحم عبد العزيز المبارك  رحمة واسعة.. ولا عزاء لمبدعي بلادي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى