ياسر عرمان في ظهور مُختلف لـ(الصيحة):

“ألتزم أمام الجميع بعدم تقلّد أي منصب حكومي أو حزبي”

يجب ألا نستبدل تمكين (الإسلاميين) بتمكين آخر

هذه هي (…..) وُجَهتي القادمة في حال توقيع اتفاق سلام

غياب الجنوب عن الشمال مثل غياب الملح عن الطعام

إخراج الإسلاميين بالباب ودخولنا بالشباك تمكين غير مقبول

لا نبحث عن وظائف بل عن ما ينفع بلادنا 

الحركة الشعبية  ليست ملكاً لعقار أو الحلو أو عرمان

ما حدث في أبيي جريمة ضد السودانيين والجنوبيين

لستُ من دُعاة استعادة الوحدة القديمة بين الشمال والجنوب ولكن (….)!!

نحن مُطالبون بـ(…) حتى لا يكون السودان منطقة تجاذُب دولي وإقليمي

يُعّد  الأمين العام للحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان، من القيادات التي ساهمت في صناعة التغييرالأخير بالسودان، فالرجل ظل على مدى 34 عاماً يُقاتل من أجل قضاياه التي يؤمن بها، صنع خلالها علاقات دولية وإقليمية كانت شاهدة يوم توقيع اتفاق السلام بين الحركة الشعبية والحكومة بقاعة الشهيد وليم نون بالقصر الرئاسي لدولة للجنوب.

 وللرجل ذاكرة توثيقية للمواقف والأحداث تُجبرك على الاستماع إليها، بجانب ذلك يتمتّع عرمان باحترام كبير وسط القوى ومقاتلي الحركة الشعبية الذين ينظرون  إليه كرمز للوحدة… 

جلسنا إليه وخرجنا بالإفادات التالية، فمرحباً بكم إلى مضابط الحوار…

* بداية… بعد ٣٤ سنة من الكفاح المسلح والنضال الطويل وبعد توقيع السلام هل هذه هي محطتك الأخيرة؟

– بالطبع هذه المحطة مصنوعة من الثورة السودانية ودماء الثوار وأحلامهم، ومن التغييرات، التي يجب ألا نُقلل منها، وتمّت هزيمة للإسلام السياسي وفاشية الإسلام السياسي، وهذه الهزيمة غير مسبوقة، لأن هذا النظام المريع جثم على صدر السودانيين لمدة ٣٠ عاماً، الآن هنالك فجر جديد، وأمل جديد وقوى جديدة على كافة مستويات العملية السياسية، ونحن نتفاعل مع هذه القوى بإيجابية.

*وماذا عن وجودكم الحالي بعاصمة دولة الجنوب؟

– وجودنا هنا يؤكد رغبتنا الحقيقية لتحقيق السلام، وهي ذات الرغبة التي لمسناها من وفد الحكومة الانتقالية، ونحن انتظرنا السلام طويلاً منذ البداية، فالحرب ليست علينا، بل يجب أن تكون على المؤتمر الوطني، لذلك نتمنى أن تكون  المفاوضات الحالية محطة أخيرة للشعب السوداني، وأن يصنع بلداً جديداً مشروع جديد، وسودان جديد يسع كل السودانيين والسودانيات.

*هل تعتقد أن ثورة ديسمبر ستُحقّق مشروع السودان الجديد الذي ظللتُم تنادون به طيلة فترة الكفاح المسلح؟

– نعم، هذه الثورة خطوة في اتجاه السودان الجديد، لأنك تعلم أن المجموعات الضخمة التي شاركت في هذه الثورة والملايين احتفت بالتنوع بدارفور مثلما احتفلت بالجزيرة وبورتسودان النساء والشباب كلهم  بالتغيير، وإقامة نظام جديد، ونحن في الطريق الصحيح، لذا يجب أن نُنهي الحرب لنستكمل الثورة ونُعيد هيكلة الدولة، وهي مهمة لكل السودانيين، وأن ما تم يجب عدم التقليل منه، بل البناء عليه، وإيجاد طريقة لإحداث شراكة ببن كافة المشاركين في العملية السياسية دون غلواء وتشدد ودون تفريط ، ونهتم ببلادنا لتذهب في اتجاه جديد ويجب العمل على ذلك، ويجب إعادة هيكلة الدولة وعدم انضمامها لنادي الدول الفاشلة.

*على ذكر إعادة الهيكلة والتجديد والتغيير كيف تنظر للجنة إزالة التمكين؟

– هذه لجنة في غاية الأهمية، والسبب الأول لذلك، أنت تعلم التنمّر الذي قام به الإسلاميون الذين حكموا السودان نتيجة لاستيلائهم على ثروات ومقدرات البلاد من خلال القطاع الاقتصاي والأمني والإعلامي لذلك، والحركة الإسلامية حوّلت نفسها إلى الدولة السودانية، والتي هي  للجميع، لذا يجب على اللجنة تفكيك الأجهزة والمؤسسات وتحويلها للنفع والخير العام ولكافة السودانيين، وأن تكون الدولة للجميع غير مُحزّبة أو مُسيّسة، بل دولة مهنية حتى نعمل على بناء دولة عصرية قائمة على المواطنة والديمقراطية بلا تمييز دولة مدنية، وذلك لا يتم إلا بإزالة التمكين عبر القانون، وألا نأخذ الناس بالشبهات، ويجب إثبات جريمة من أجرم ليُحاسب وفق لوائح ونظم واضحة، وأن يتم بناء نظام جديد ومُغاير للنظام الذي بُني في السابق، ويجب ألا نعمل على تمكينٍ مُضاد، ولكن يجب القضاء عليه بأسس ومفاهيم ذهنية، وألا نعمل على إخراج الإسلاميين من الباب، وندخل بالشباك، وهذا تمكين غير مقبول.

لذا يجب أن تكون كل الوظائف مُعلناً عنها، وأن  تمثل مؤسسات الدولة كل السودانيين والهامش والمدن، وأن يكون شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، وأن يكون هناك تمييز إيجابي للنساء والهامش على أسس المواطنة بلا تهميش، وحتى نمضي للدولة الجديدة ذات الحلم الجديد،  لا بد أن نتوحد، وأعتقد أن السلام هو راية كبيرة مُعلنة فوق رايات شعبنا.

* تمتلك علاقات دولية واسعة، ولاحظنا ذلك خلال توقيعكم اتفاق السلام، فكان الحضور الدولي والإقليمي والدبلوماسي الكثيف، إضافة للزيارة لمقركم، كيف توظف هذه العلاقات في خدمة السودان القادم؟

– أنت تعلم أنها ليست علاقات مملوكة لي طبعاً خلال ٣٤عاماً الماضية عملت في أجهزة الحركة المختلفة المُرتبطة بالعمل في العلاقات الإقليمية الدولية، وأتيحت لنا فرصة لنطّلع على التجارب الإقليمية والدولية، لذلك يجب أن نوظف ثرواتنا وإمكانياتنا وخبراتنا وقُدراتنا من العلاقات الخارجية لمصلحة بلادنا، وهذا يحتاج لسياسة خارجية جديدة وبُعد نظر، ونحن بما لدينا من خبرة مهما كانت صغيرة أو كبيرة يجب أن توظف وتُتاح فرصة للعملية السياسية، نحن لا نبحث عن وظائف، بل عن ما ينفع بلادنا، لذلك نحن على استعداد كحركة أن نضع ومع مجموعات حركة سياسية خبراتنا وعلاقاتنا  لمصلحة الانتقال من الحرب للسلام، ومن الشمولية للديمقراطية، ومن دولة التمكين إلى دولة المواطنة والوطن، هذه قضايانا يجب أن نسهم فيها ونشرح العالم الخارجي، والعالم الآن مضطرب ومليء بالتناقضات، والسودان بلد موقعه الجغرافي وموارده تجعله أيضا في تقاطُع مع بعض المتغييرات الإقليمية والدولية، يجب أن نعمل على ذهاب بلادنا فى طريق جديد، ولا تصبح مطية لأهداف ومصالح الآخرين، في فترة النظام السابق والذي كان يريد أن يدوس السودانيين بالجزمة، ويدوسه المجتمع الدولي بالجزمة، ولا يفرق معهم، لكن هذا نظام جديد يبني علاقاته على أسس جديدة، بدأ بالفعل مع الشعب السوداني، وله قاعدة واسعة، ولا يضطر للقمع مطلقاً، ويترجم ذلك في العمل الخارجي لمصلحة بلادنا واستقلالية في ظل حكم القانون، وهذه قضايانا، ونحن على استعداد تماماً لخدمة الوطن.

 كما لاحظت أنت، نحن لسنا في جزيرة معزولة، لدينا اتصالاتنا مع الآخرين، ولكن ليس على حساب كرامتنا وسيادتنا، كما قال الراحل الكبير الشريف حسين الهندي: نحن السودانيون نجوع ونأكل من أيدينا، ولا نأكل على حساب قضايانا الوطنية.

*هنالك مزاج عام للمواطنين في جنوب السودان وشمال السودان للوحدة، كيف ينظر عرمان للعلاقة بعد ذهاب النظام السابق؟

– أنت طرحت سؤالاً مهماً وهو أهم سؤال للعلاقات الخارجية نفسه، وإن كان نعتبر علاقتنا مع الجنوب علاقة خارجية، نحن كنا دولة لأكثر من ١٠٠عام، لذلك لدينا كل ما يُبنى عليه، نحن والجنوب حدودنا تمتد لأكثر من2018كيلو متر، نتبادل ١٣٧ سلعة، ونحن تربطنا الدماء والتاريخ والمصالح، أيضًا هنالك أكثر من١٠ملايين من المواطنين على جانبي الحدود، وغياب الجنوب من الشمال مثل غياب الملح من الطعام، وكذلك الشماليين، الجنوبيون عواطفهم جيدة ليس لديهم أي توجهات للإضرار بالأمن والمصالح الوطنية السودانية، وقضاياهم مرتبطة بقضيتين مهمتين أولهما تصدير البترول وهو مصلحة السودان نفسه، والثانية هنالك معارضة من الجنوب في الشمال كما في الجنوب لديه صلة بالمعارضة من الشمال، صلة تاريخية، الآن توجد عملية جيدة لإيصال الجنوب والشمال إلى استقرار الكُل وفق الوقائع الموجودة في داخله، وأنا لستُ من دعاة استعادة الوحدة القديمة، ولن تستعاد، لكن هنالك أشكال جديدة من الوحدة، وأنت تعلم أن ألمانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية عام ١٩٤٥ لم يكن أحد يتوقع أن تكون هنالك علاقة، لكن الاتحاد الأوروبي عمل تبادل المصالح  والصلة بينهم وتستطيع أن تذهب من أسبانيا حتى تركيا، وتتنقل في كل الفضاء، وأنا من دعاة الاتحاد السوداني أي اتحاد كونفيدرالي بين دولتين مستقلتين كل دولة لها علمها ورئيسها ومؤسساتها الحاكمة، وذلك بفتح السكة حديد والنقل النهري والطرق وتبادل المنافع، وحق التنقل والتملك والعمل للشمال والجنوب من حلفا إلى نمولي، وهذا قلته في خطاب الاتفاق الإطاري، نحن نحتاج لبعضنا وأومن بشدة بهذه القضية.

*.. مقاطعة … إلى أي مدى ستكون مؤمناً بهذه القضية؟

– سأظل مؤمناً بهذه القضية ما تبقى  من حياتي السياسية ولدي قضية واحدة، وأود أن أمضي حياتي من أجلها، وهي أن أعمل خارج المؤسسات الحكومة، ودعم التوجهّات الحكومية للوصول لاتحاد سوداني بين الجنوب والشمال، وأعتقد  أن مناطق مثل المنطقتين ودارفور يمكن أن تكون نموذجاً وحديقة للتعاون المشترك وللتمازج والعلاقات المتينة بينهم، ونحن نستحق ذلك، وأنا حينما وُلدت وتعلّمت وترعرعت وعملت بالعمل السياسي، تعلمت من كبارنا ومن المدارس والحياة العامة والأسرة ألا أفرّق بين الشمال والجنوب، فقد كانا  في عقلي وذهني شيئاً واحداً.

*كيف تنظرون للأحداث والإشكالات التي حدثت في منطقة أبيي بين المواطنين؟

– ما حدث في أبيي جريمة ضد الإنسانية. وهو عمل مرتبط بما حدث في الجنينة وبورتسودان لزعزعة الاستقرار، ويجب ألا يترك، ويعتبر جريمة ضد السودانيين والجنوبيين، وضد أهل أبيي، وعلينا أن نمضي لحل هذه القضية بجلوس كل الأطراف والوصول لحل مُرضٍ، وأعتقد أن الحل ممكن، وهناك أسس للحل، وهذه الجريمة يجب أن تُدان من الكُل، لأنها تستهدف السلام والسودان، والعلاقات بين الجنوب والشمال، ولإحداث فوضى في السودان وزعزعة العلاقات والاستقرار، وهي جريمة غير مسبوقة وقبيحة والطريقة التي تمت بها تستهدف رصيداً كبيراً من العلاقات، وتُخلّف مرارات، وألا نحتفي بهذه الأعمال بل ندينها بوضوح، لأننا ندخر العلاقات ليوم كريهة وسداد ثغر، وعلينا أن نعمل على متانة العلاقات بين الجنوب والشمال، ولا نسمح لمثل هذه الجرائم باسمنا أو جهة أخرى.

* في حديثك يوم الاحتفال بتوقيع السلام، تعهّدت للرئيس سلفاكير بالتنسيق والتواصل مع الطرف الآخر من الحركة الشعبية ماذا تم الآن؟

– كما قلت نحن والطرف الآخر هم زملاؤنا، وعملنا لفترات طويلة مع بعض، ولدينا خلافات عديدة مرتبطة بأشياء عديدة لا يمكن أن أعدّدها الآن، لكن لدينا فرصة للسلام الآن، ونحن على استعداد الآن للوحدة والتنسيق، وطرحنا من قبل أن الحركة ليست ملكاً لعقار أو عبد العزيز أو لشخصي، ثلاثتنا وغيرنا من القادة القدامى، يمكن أن نتنازل لجيل جديد لبناء حركة موحدة، إن لم يكن في الوقت الحالي. دعنا ننسق هذا لأهل المنطقتين لأنهم يستحقون السلام وأنهم دفعوا فاتورة  غالية الثمن، وتحدثنا في الاتفاقية عن كل قضايا السودان، ولا زالت هناك قضايا قومية وسنعالجها مع الجبهة الثورية، لذلك من الأفضل ألا نضع العلمانية شرطاً للسلام ولا لإغاثة ولا شرطاً للعملية الإنسانية، لكن يمكن أن تكون شرطاً للسودان الجديد وليس السلام، وحتى تقرير المصير لن يؤدي لسلام بل يؤدي لحروب بين المنطقتين لاختلاف الإثنيات فيها ولوجود نفس تكوين السودان قبائل عربية ونوبة، وأخرى مختلفة، والنوبة أنفسهم موجودون في كل السودان، وهم صناع الوطنية السودانية، كما أهل أن النيل الأزرق حكموا السودان لمدة ٣١٧ سنة في السلطنة الزرقاء، حق تقرير المصير لن يعمل ولا نقف مع ، نحن مع السودان الجديد ومع وحدة السودان، وحسمنا ذلك في مؤتمرنا ووجهة نظرنا سنناضال من أجل الوحدة وليس تمزيق السودان، ورؤية السودان الجديد جوهرها أتت لوحدة السودانيين وليس لتفريقهم، السودان الجديد هو الوحدة.

*أخيراً، عرمان يمتلك ذاكرة توثيقية قوية للعمل الثوري النضالي، وخاصة في الحركة الشعبية ” النيل الأزرق، جبال النوبة، الجنوب “متى يتفرغ لتوثيق هذا المخزون الثر ليستفيد منه الشعب السوداني وجنوب السودان في تاريخ حركته؟

-أنت لمست إحدى القضايا الرئيسية التي تدور في مخيلتي وخلدي دائماً، وهي الأقيم إذا كانت لدي مساهمة في وجود جيل جديد يجب الاحتفاء به لقيامه بالثورة والتغيير، علينا الاحتفال الحقيقي بأن نملكه كل  التجارب الناجحة والفاشلة والخيبات التي أصابتنا حتى لا يكررها هذا الجيل، والكتابة بأمانة ووضوح خلال الـ٣٤سنة التي أمضيتها في الكفاح، وقضايا الهامش والثورة أكسبتنا خبرات ونحتاج لتخليصها، وأقول بكل ثقة إذا كانت لدي أمنية فهي تحقيق رغبتي بعدم الاستمرار في ممارسة أي عمل تنفيذي حزبي أو حكومي.

وإذا تم اتفاق السلام سوف أسعى لتغيير دوري الحالي إلى دور متسع بالاحتكاك أكثر مع الفئات الجديدة للكتابة والتوثيق للشباب، وطرح تجربتنا ومحاولة تجديد الحياة السياسة والفكر السياسي مفتوح لتجديده بعد الثورة. 

وفكرة السودان الجديد تحتاج لتقديمها بنهج جديد ومدرسة سياسية جديدة وفق الو قائع الجديدة .

*وماذا عن اتجاهك الجديد للكتابة والتوثيق؟

– هنالك دعوات عديدة بالنسبة لي للكتابة والتوثيق، وأطمع أن أجد في ذلك، والسنوات مرت كان تحتنا رياح مرت على عجل، أتمنى أن أجلس على ضفة النيل والقرية ومشاهدة الأجيال الجديدة، وأعيد صلتي الأسرية وزملاء الدراسة وترتيب رفوف في منزلي، وأمضي لنوع ما للاستقرار للكتابة عن الكثير والوقائع التي شهدتها وعن الشهداء، والنساء والرجال الشجعان الذين التقيت بهم في مسيرتنا، وما تم من نجاحات وخيبات بكل أمانة حتى نفتح طريقاً جديداً للوعي، وللمعرفة، السودان نفسه يحتاج لإعادة إنتاج بعد انفصال الجنوب الذي سيظل   كجرح غائر بجانب الإبادة وجرائم الحرب، لذلك أنا سعيد بهذه الفرصة وأتمنى أن أجد هذه الفرصة، وأنا أمام نفسي وأمام الناس ألتزم ألا أحتل أي موقع تنفيذي في الحزب، أو أجهزة الحكومة، وأن أمضي نحو الإسهام في استعادة علاقات الجنوب والشمال. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى