مسارات دارفور.. هل ستتغلّب إرادة السلام؟

 

تقرير: نجدة بشارة

يبدو أن المياه قد عادت إلى مجاريها مؤخرًا لطاولة المفاوضات في جوبا بعد تغريدة رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، التي كادت أن تجهض الجولات السابقة، وأعلن مؤخراً طرفا التفاوض الحكومة ومسار دارفور عن تقدم كبير واختراق في قضايا المسار الأساسية، فيما أكدا استكمال النقاش في ورقة مفوضية الأراضي والخدمة المدنية والمحكمة الجنائية الدولية، توطئة للدخول في مناقشة ملف الترتيبات الأمنية، وعبرت الأطراف عن  حرصها على الوصول إلى اتفاق سلام في غضون الأسبوعين المقبلين قبل الفترة المحددة بمنتصف فبراير المقبل.

وكان الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة  محمد الحسن التعايشي، أكد في تصريحات صحفية سابقة، أن الاختراق الذي حدث في ورقة العدالة والمصالحة ضمن مسار دارفور لم يكن متوقعاً لطرفي التفاوض، وأكد أن النقاش في المسار تركز حول القضايا الأساسية مما ساعد في الاتفاق على معالجة الاختلالات لإنهاء مشكلة عدم الاستقرار.

المفاوضات غير الرسمية                                            

إلى ذلك كشفت مصادر (بجوبا) لـ(الصيحة) عن مفاوضات (داخلية) أو غير رسمية جرت بين نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ساهمت في تجاوز نقاط الخلاف وإرجاع الأخير إلى طاولة المفاوضات الرسمية بعد أن غادرها مغاضباً، وغرد على حسابه بـ(تويتر) قائلاً: إن هناك تراجعاً كبيراً ومفاجئاً حدث في مفاوضات جوبا في مسار دارفور.

ولم يوضح المصدر حقيقة ما دار داخل الغرفة المغلقة بين (حميدتي )، و(مني)، وهنالك تلوح في الأفق تساؤلات هل باتت المفاوضات قاب قوسين أو أدنى من الوفاق؟

المفاوضات إلى أين؟

تغريدة مني أثارت ردود أفعال واسعة وسط المهتمين والمتابعين لسير مفاوضات السلام، وذلك ما دعا  الوساطة الحكومية للمسارعة  بالتوضيح أن المفاوضات تمضي بصورة جيدة في مسار دارفور. وقال الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية  في تصريحات، إن التفاوض في مسار دارفور يسير بشكل جيد، وأن جميع مكونات المسار تعمل بتناغم من أجل الوصول إلى سلام حقيقي، وأضاف إدريس أن حركات الكفاح المسلح، تمكنت من توقيع اتفاقات عديدة منذ الجولة الأولى وحتى الجولة الحالية، كاشفاً عن عدم وجود أي خلافات داخل مكونات الجبهة الثورية، لكن يبدو أن مني الذي عاد إلى طاولة التفاوض طائعاً غير مُكره، ما زال يحمل شيئاً في نفسه، ويظهر ذلك في رده بتغريدة على تصريحات الهادي بقوله :(لا أدري .. بداية جديدة من سياسة فرق تسد.. المهم عدنا جوبا نشوف ما هي المواقف التي ستثبت الحكومة فيها ولم تتغير) .

مسارات الخلاف

وحسب تصريحات للناطق الرسمي للعدل والمساواة معتصم محمد صالح، لصحيفة سياسية، قال إن الخلافات انحصرت في مستويات الحكم في الدولة الأمر الذي اعتبره الوفد الحكومي طرحاً لا ينبغي أن يثار في مسار دارفور، وأن هذا الطرح موجود بكل المسارات التفاوضية، بالإضافة إلى وجود تباين حدث بملف الأراضي والتعويضات، خاصة وأن الحركات ترى ضرورة إعطاء مفوضية الأراضي صلاحيات تنفيذية في تثبيت حق المواطنين في أراضيهم.

فيما كشف عضو المجلس الأعلى للسلام عضو وفد الحكومة الانتقالية الصادق آدم في تصريحٍات، أنّ المفاوضات في مسار دارفور وصلت بالجلسة حول ورقة الأرض والحواكير، وأردف أن الحكومة الانتقالية لم تتراجع عن أيّ اتفاقاتٍ سابقة مع مسار دارفور لا سيما الاتفاق الإطاري واتفاق إشراك أصحاب المصلحة في المفاوضات الجارية الآن في جوبا.

لماذا تحفظت الحكومة؟

أكد القيادي بحركة العدل والمساواة وعضو التفاوض سيد شريف في اتصال به من جوبا أكد لـ (الصيحة) أن المفاوضات تجري بصورة طبيعية، وأن هنالك تناغماً بين المفاوضين، وأوضح أن المفاوضات الآن تجري على ورقة تقاسم السلطة، وأشار إلى أن وفدي التفاوض اتفقا على بعض البنود، واختلفا على بعضها، سيعاد النقاش عليها بعد نهاية مهلة الـ(72) ساعة التي طلبتها الحكومة للرد على قضية الخلاف بخصوص مستويات الحكم في دارفور، وقال إن وفد التفاوض طرح أربعة خيارات لمستويات الحكم (اتحادي، ولائي، إقليمي، أو محلي)، وقال إن رؤية الحركات أن تكون دارفور إقليماً على الأقل في الفترة الانتقالية، نسبة إلى أن دارفور منطقة ذات خصوصية، تعاني من تعقيدات كثيرة في الوقت الراهن، وأردف شريف: إلا أن ألحكومة لديها وجهة نظرها وتتحفظ في النقاش حول هذه المستويات، وتطالب بأن تتم مناقشة القضايا القومية.

متفائلون

وقال شريف: (متفائلون بأن تمضي المفاوضات بشكل جيد، وأردف: كل الشركاء متواجدون الآن)، وأكد أن ورقة الحواكير تم الاتفاق على أغلب البنود فيها، فيما سلمت الورقة للجنة الخبراء (الفنية) للتشاور حول النقاط الأخرى، في ذات الاتجاه ذكر المصدر الذي تحدث لـ(الصيحة) أن المفاوضات والمناقشات غير الرسمية التي تجري تحت طاولات المفاوضات ناقشت قضايا تتعلق باقتسام السلطة والثروة، ومناقشة مشاركة أبناء دارفور حسب نسبة سكان الإقليم في الحكم مما يشير بوضوح إلى المحاصصات، التي سبق وتم نفيها في العلن.

إرادة السلام

من جانبه، عبر المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية بدارفور د. عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة) عن تفاؤله بالمفاوضات الجارية بجوبا، وتفاءل بأن تذهب المقاربات تجاه السلام، بغض النظر عن نقاط الخلاف التي أنظر لها كجوهرية لجهة أنها مطالب مشروعة، إلا أن المفاوضات بالتأكيد لن تتوقف، وقال إن قضية المركزية، ومستويات الحكم بدارفور وردت ضمن بنود الوثيقة الدستورية، مما يجعل منها بنوداً قابلة للنقاش في الطاولات، وكما ورد بحديث التعايشي لا نرغب بسلام مُكَلفَت أو سلام ينبني على الفوقية في اقتسام السلطة بقدر ما نسعى إلى سلام عادل ومُرضٍ ومستدام، وأن جميع المسارات ستنتهي إلى سلام شامل، فهل ستتغلب إرادة السلام؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى