حكومة حمدوك.. تطلُّعات شعبية وعراقيل دولية

 

ترجمة: إنصاف العوض
شككت صحيفة “فورن بولسي” الأمريكية في مقدرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على الصمود في منصبه رئيساً للوزراء لحين انتهاء الفترة الانتقالية. وقالت الصحيفة: ستنتهي ولاية حمدوك رسمياً عندما تجرى الانتخابات في عام 2022، ولكن وحتى أولئك المقربين من  رئيس الوزراء يتساءلون عما إذا كان سيستمر طوال الفترة الانتقالية، إذ لا يزال حمدوك يواجه تحديات هائلة أهمها الركود الاقتصادي العميق والديون الخارجية الهائلة التي تفوق الـ60 مليار دولار، فضلًا عن وجود بقايا النظام السابق في مفاصل الدولة ومجموعة كثيفة من العقوبات الدولية التي لا يمكن أن تتم إزالتها بين عشية وضحاها وشعب متحمس وغير صبور وجائع لرؤية انتصارات سياسية واقتصادية سريعة بعد الثورة .

عزف جماعي

وأضافت الصحيفة، أن عدم مشاركة حمدوك مع النظام السابق دفع الجبهة الداخلية لتنصيبه رئيساً للوزراء بالرغم من افتقاده الكاريزما والخبرة السياسية وعدم تفضيل بعض القادة الدوليين له أمثال رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، وقالت: بينما كانت الطغمة العسكرية السودانية والمتظاهرون المدنيون في المراحل الأخيرة من الاتفاق على اتفاق لتقاسم السلطة بعد الإطاحة بالبشير، أصبح هو المفضل لقيادة الحكومة الانتقالية في البلاد. للوهلة الأولى، كان يفتقر إلى الكاريزما والحماس لبعض قادة العالم الآخرين، مثل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. ولكن نظرًا لأن حمدوك كان يعيش خارج السودان ورفض العمل في عهد البشير، إلا أنه لم يمسه من السخط الواسع النطاق تجاه زعماء المعارضة، وكان يتمتع بمكانة دولية محترمة، وكان حمدوك في البداية يشكك فى قبوله لتولي المنصب كرئيس وزراء انتقالي للسودان  وفقًا لشخصين استشارهما ويقول بعض الخبراء إن مثل هذا القائد الرابح الذي كان يتردد في البداية في تولي السلطة – قد يكون هو الشخص الذي تحتاجه البلاد لتخليص نفسها من عقود من الحكم الديكتاتوري.

وتقول مديرة برامج إفريقيا بمعهد السلام بالولايات المتحدة سوزان ستيجانت: “حمدوك قائد تكنقراطي،  في هذا المنصب لأنه يهتم  وما جلب به إلى السلطة جميعها دوافع صحيحة، إنه قائد الأوركسترا، وظيفته جعل الجميع يعزفون في تناغم.

عرض مشؤوم

وقطعت الصحيفة بعدم رفع العقوبات الأمريكية عن السودان في الوقت القريب، وقالت الصحيفة إن مسؤولين أمريكيين وسودانيين رفيعي المستوى أكدوا لها بأن رفع السودان عن قائمة الإرهاب لن يتم في وقت قريب، وأشارت إلى أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة رفضت التماساً قدمته الحكومة السودانية لمراجعة ما يقرب من 4 مليارات دولار من الأضرار التي تدين بها البلاد لأفراد أسر الذين قتلوا في تفجيرات القاعدة عام 1998 في كينيا وتنزانيا بعد أن اعتبرت واشنطن هذا الدفع شرطاً للتطبيع الكامل مع الخرطوم.

ووصفت الصحيفة التمرد الذي قامت به جماعات تابعة لجهاز الأمن بالعرض المشؤوم لما يمكن أن يحدث فى السودان حال تمرد الجيش على الحكومة وتذكير بمدى قوة أجهزة المخابرات والجيش في البلاد التي ما زالت خائفة  حتى مع وجود البشير في السجن .

وأكدت الصحيفة أن وقوع حكومة حمدوك أسيرة لماضى البلاد أهم التحديات التي تواجهها وأضافت أن التحديات المتمثلة في الاختلافات العرقية والنزاعات المسلحة والديون الخارجية المثقلة والحصار الاقتصادي والانشقاقات داخل جبهته الداخلية تمثل خطرًا ـكبر من وضع البلاد على اللائحة الأمريكية، وقالت إن رفض جبهته الداخلية رفع الدعم عن السلع والمحروقات أدت إلى فشل الميزانية وـجبرته على تغييرها خوفًا من خروج الشارع عليه، مبينة أن زيارة حمدوك إلى كاودا قصد بها تخفيف الحصار السياسي والاقتصادي عن حكومته  من قبل الجبهة الداخلية والظهور بملابس رجل السلام من أجل منافسة القادة العسكريين، ومن ثم خلق توازن بين المكون العسكري والمدني داخل الحكومة الانتقالية.

قصة نجاح

وتصف الصحيفة حمدوك يالتكنوقراطي والاقتصادي السابق الذي كافح  من أجل القضاء على مجموعة من  النزاعات القبلية التي اجتاحت السودان وأفشلت الشقاقات بين زعمائه الثوريين أجندته وقراراته المتعلقة بإنعاش الوضع الاقتصادي المنهار كما أدى العنف الذي اندلع وسط مكونات جهاز الأمن إلى تهديد الأمن الذي عاشته البلاد عقب تكوين الحكومة الانتقالية، وأضافت: على الرغم من العنف والاحتقانات الشعبية تمكن حمدوك من امتلاك كاريزما خاصة أهلته لأن يكون قائداً قومياً قادراً على قيادة البلاد نحو التغيير كما تمكن من إدخال التفاؤل في نفوس بعض صانعي السياسة في واشنطن وعواصم غربية أخرى لأول مرة منذ عقود بشأن مستقبل السودان، وذلك أنه حال تمكن حمدوك من إكمال إصلاحاته فيمكنه تغيير صورة السودان من دولة منبوذة عالمياً إلى إلى قصة أول نجاح ديمقراطي.
وكان حمدوك، وهو خبير اقتصادي كبير في الأمم المتحدة قد أثار إعجاب المسؤولين في الأمم المتحدة وواشنطن خلال سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية التي سعى فيها للحصول على دعم دولي لدولة في وسط الإصلاح. لقد اتخذ خطوات جريئة لتحرير سياسات السودان الاقتصادية العتيقة، تحت وطأة العقوبات الأمريكية والدولية. والأهم من ذلك، قام حمدوك بزيارة تاريخية إلى منطقة كاودا التي يسيطر عليها المتمردون، ووعد بالسلام لصراع استمر نحو عقد من الزمان، ومع ذلك  لا يزال العديد من المراقبين يخشون من أن بقايا الدولة الأمنية الوحشية للبشير يمكن أن تغير أو تنقلب على تحول البلاد الهش إلى الديمقراطية، إذ شكلت  أعمال العنف التي اندلعت في الخرطوم عرضاً مشؤومًا لما يمكن أن يحدث بعد أن حاولت قوات النخبة السابقة الموالية للبشير التمرد بشأن مسألة دفع استحقاقات نهاية الخدمة، مما أدى إلى إطلاق نار واشتباكات في الخرطوم قبل أن يكبح الجيش التمرد، وكانت هذه الحادثة بمثابة تذكير بمدى قوة أجهزة المخابرات والجيش في البلاد التي ما زالت خائفة، حتى مع وجود البشير في السجن.
رسالة أمل
وتضيف الصحيفة: في أواخر عام 2019، واجه حمدوك أول اختبار دولي له بزيارة رفيعة المستوى إلى الولايات المتحدة، وهو اختبار رئيسي للزعيم الجديد في بلد يمكن أن يكون له مفتاح معالجة الحالة الاقتصادية للسودان.
خلال زيارته لواشنطن في ديسمبر ، سعى حمدوك لإحضار رسالة أمل لثورة سلمية استمرت لأكثر من خمسة أو ستة أشهر.

وكان صانعو السياسة والمشرعون الأمريكيون الذين قابلوه متحمسين لتقديم تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستدعم السودان في تحوله الديمقراطي. خلال زيارته، وافقت إدارة ترامب على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع السودان وتبادل السفراء لأول مرة منذ أكثر من عقدين. في سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي الإدارة وكابيتول هيل، بقي حمدوك على الرسالة وأقنع نظراءه الأميركيين بأنه كان صادقًا في دفعه لإصلاحات ديمقراطية، وفقًا لمسؤول أمريكي كبير مطلع على الملف
وقال جون تيمين، مدير برامج إفريقيا في فريدوم هاوس، وهي منظمة للدعوة غير ربحية تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها: “بكل المقاييس، إنه يحاول فعل الشيء الصحيح، أعتقد أن لديه الكثير من الدعم هنا.

قيود أمريكية
ومع ذلك، لا يزال أكبر طلب حمدوك إلى الولايات المتحدة في حالة من النسيان. منذ عام 1993، تم تصنيف السودان “كدولة راعية للإرهاب  من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وهي علامة تفرض عقوبات صارمة من جانب واحد وتمنع الاستثمار المالي الجاد من معظم أنحاء العالم. لقد ورث حمدوك هذا التعيين من سلفه، ولكن الحصول على رفعه ينطوي على عملية تكنوقراطية تستمر شهورا وتتطلب موافقة الكونجرس الأمريكي.
ويقول المبعوث الأمريكي إلى السودان دونالد بوث في كلمة ألقاها في المجلس الأطلسي في أكتوبر 2019. “إنها عملية متعددة المراحل، وسيتعين على السودان أن يفي بالمعايير القانونية والسياسية لرفع التصنيف، وأشار أيضًا إلى القيود الأخرى التي فرضها الكونغرس على المساعدة للسودان المتعلقة بالحرية الدينية والاتجار بالأشخاص والجنود الأطفال من عهد البشير التي لا تزال قائمة، مضيفاً:  هناك العديد من المجالات التي لدينا فيها قيود على ما يمكننا القيام به. لكنني أريد أن أؤكد للجميع أن الحكومة الأمريكية تفعل ما في وسعها استنادًا إلى القيود التي لدينا وتشارك حاليًا الكونغرس الأمريكي للنظر في كيفية تفسير هذه القيود أو تعديلها للمضي قدمًا.
وقال حمدوك إن رفع التعيين كان مفتاح مساعدة السودان على تغيير اقتصاده وفتح المجال أمام الدعم من المؤسسات المالية الدولية للمساعدة في معالجة ديونه المعطلة مضيفاً: أي تقدم في هذا سيتطلب تعاونًا جيدًا مع المؤسسات المالية الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ميراث الغضب
وتختم الصحيفة قائلة: إذا كان حمدوك قد ورث تسمية السودان الصارمة والدين المذهل، فقد ورث أيضًا جرائم النظام السابق. قدمت حكومة البشير في أوائل التسعينات الدعم إلى الإرهابيين بمن فيهم أسامة بن لادن. تورط السودان في تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص وتفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000 الذي أسفر عن مقتل 17 شخصًا. ولعائلات ضحايا تلك الهجمات دعاوى قضائية معلقة أمام المحاكم الأمريكية.
وقال أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الذين التقوا بحمدوك:  على الرغم من التقدم المُحرَز، يحتاج السودان إلى التوصل إلى تسوية مع العائلات قبل أن يوافقوا على دعم رفع التصنيف، لكن حمدوك  الذي يوازن بينه وبين حبل سياسي مشدود، يحرص على تصوير الجيش كشريك.  ويقول للصحيفة من مصلحة كلا الطرفين، الجيش والحكومة المدنية، العمل سوية لنقل السودان إلى المرحلة التالية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى