بداية الفتنة

* بث علي نطاق  واسع مقاطع فيديو  يظهر شيخاً تجاوز السبعين  من العمر يتعرض لضرب مبرح من  قبل شباب دون العشرين وهم يطلقون  ألفاظاً نابية بحق الشيخ ويضربونه بعنف  بحجة أن الشيخ من الكيزان خرج في مسيرة الزحف  الأخضر بودمدني عطفاً على مظاهر أخرى لتحرشات بين  المواطنيين فريق مع الزحف الأخضر وفريق مع قوى المقاومة،  واتخذت الحرب بين الطرفين على منصات التواصل الاجتماعي منحى  خطيراً كل طرف يبث من مقاطع الفيديو ما يثبت قدرته على التصدي  للآخر في الوقت الذي اتخذت فيه القوات النظامية موقفاً مراقباً للأحداث،  وخلال الأيام الماضية أظهرت مقاطع فيديو أخرى من مدينة كوستي مظاهرات لشباب  يدعون تمثيل الثورة في نسختها الجديدة، وهم يهاجمون اجتماعاً لقيادات قيل إنهم  من المؤتمر الوطني المحلول بقانون خاص (التمكين ) وأفلحت قوة من الشباب في ضرب المجتمعين  وابتهجت منصاتهم بنصر مزعوم ولكنهم لا يدرون أن مثل هذه الأفعال التي تبتهج لها السلطة  لأنها تنال من خصومها ستفتح على هذه البلاد أبواب الجحيم وتوردها الهلاك وتبديد طاقاتها في حرب  لا منتصر فيها، وهي بداية الفتنة التي تقضي على الأخضر واليابس إذا لم تنهض القيادة السياسية بمسؤولياتها  بوقف مظاهر اعتداء مواطنين على مواطنين وأخذ القانون باليد وسلب الشرطة اختصاصها من قِبل من لا صلة له بتطبيق  القانون.  

في ذروة  الاحتجاجات  وثورة الشباب  التي اندلعت العام  الماضي لاقتلاع النظام  السابق وطوفان الجماهير يخنق  العاصمة الخرطوم دعت بعض قيادات  النظام السابق لمقاومة ثورة الشباب  بشباب مساندين للحركة الإسلامية والمؤتمر  الوطني، ولكن قرار صدر في ذلك الوقت من الرئيس  السابق بأن التصدي للتظاهرات الشعبية مسؤولية الأجهزة  الأمنية والعسكرية فقط، وأي تحرك من الشباب بدعوى إسناد  النظام سيواجه من قبل الحكومة بردع وحسم، وكان القرار حكيماً  ومدركاً لخطورة مواجهة مواطنين لمواطنين آخرين في الشوارع، وكانت  الحركة الإسلامية تملك من الرصيد الشبابي ما يصد عنها الهجمة التي  تعرضت لها، ولكنها قدرت حينها مصلحة البلاد القومية لا مصلحتها الضيقة، تركت  للأجهزة الرسمية تقدير ما يحدث والتصدي له بالقانون حتى سقط النظام السابق في الحادي عشر  من أبريل عام ٢٠١٩ دون تورط شباب الحركة الإسلامية في إزهاق أرواح المواطنين بدعوى الدفاع عن نظامهم  وهو يترنح حتى سقط . 

ولم  يسقط النظام  السابق بعنف المحتجين،  ولكنه سقط بسلاح السلمية ورفع  شعار براق حرية سلام وعدالة، ومن أجله  خرج الشباب من كل أطياف الساحة وقوة الثورة  في سلميتها لا في عنفها ودموية مساراتها حتى تحققت  أهدافها .

ما يحدث  الآن يشكل  خطرًا علي الثورة  وخطرًا على السودان  وشعبه بأخذ بعض الناس  القانون بيدهم والتصدي لمن يخالفونهم  الرأي بالعنف الذي لن ينجب إلا عنفاً  مضاداً وبزور فتنة في الشارع العام وإحداث  شروخات ومفاصلة تمزق الوطن وتقضي علي كل مكسب  تحقق فأي بيت في السودان منقسم ما بين إسلامي ويساري  وحزب أمة واتحادي ونشوب حرب أهلية في الشوارع سيؤدي ذلك  لنهاية السودان الحالي وتمزيقه إلى كيانات عشائرية وردة إلى ما كان  عليه قبل قرون. 

واهم  من يظن  أن سقوط النظام  السابق يعني سقوط  التيار الإسلامي إلى الأبد،  وواهم أكثر من يظن أن كراهية  البعض للإسلاميين هي كراهية أبدية  وأن مساندة الشباب الحالية للحكومة  الانتقالية هي مساندة مفتوحة بلا عقل  ولا بصيرة وأن ملهاة الإعلام الحالية ستصرف  المواطنين عن القضايا الحياتية الملحة من مأكل  ومشرب ومواصلات . 

الصراعات  والعنف وسط  المواطنين يمهد  دون شلك إلى ردة  سياسية تسعى لها بعض  القوى التي تؤمن بالعنف  والإقصاء وتغري المغامرين العسكر  للوثوب إلى كرسي الحكم بذريعة درء  الفتن ووقف انحدار البلاد نحو الحرب.  

الدكتور  عبد الله حمدوك  رئيس الوزراء مطالب  بتوعية قواعد أحزاب التحالف  الحاكم والإعلان جهراً عن رفضه  للعنف الذي بدأ الآن يحل مكان السلمية  وكل القوى السياسية مطالبة بدعوة قواعدها  لسلمية التعبير وحق الآخر في الخروج والتظاهر  والاحتجاج دون المساس بحقوق الآخرين ، وإلا أن بلادنا  موعودة بإعادة إنتاج واستنساخ تجارب على غرار الصومال وليبيا  والعراق وأفغانستان، وأقول قولي هذا وأذهب لسبيلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى