أزمة “كريندنق”.. البحث عن الأصابع الخفية؟!

 

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

لا زالت مشكلة غرب دارفور تراوح مكانها، ففيما هددت اللجنة العليا لإدارة أزمة ولاية غرب دارفور بالخرطوم  باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية حال فشل لجنة النائب العام في تقديم المجرمين الحقيقيين في مجزرة “كردينق” للعدالة. ونفت اللجنة وجود اتفاق لوقف العدائيات بين مكونات المجتمع وطالبت بتغيير القيادات الأمنية بالولاية، واتهمت المركز “الخرطوم” بتمويل الصراع في أطراف السودان.

يأتي هذا في وقت عزا فيه مجلس الوزراء برئاسة حمدوك التوترات الأمنية التي شهدتها الجنينة مؤخراً وبعض المناطق لتحركات سياسية بخلفية قبلية نتيجة لسياسة النظام البائد بتسييس القبائل بجانب انتشار السلاح، فيما كشف الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح عن تورط عناصر نظامية في الأحداث وفقاً لإفادات الأطراف المتنازعة، وأكد أن الجهات المعنية ستعمل على تحديدهم ومن ثم رفع الحصانة عنهم وتقديمهم للمحاكمة.

ولا زال الشارع السوداني يتساءل عن تلك الأصابع الخفية التي تحرك خيوط اللعبة والفتنة في الولاية الحدودية بغية إشعال نيران الفتنة مجدداً بين مكونات المنطقة قبلياً، فهل ما يجري هناك كان مخططاً له كما تشير بذلك دوائر رسمية وأخرى محلية ومجتمعية أم إن الفاعل لا زال بعيداً عن الأعين وما يتراءى فقط ملامح لجهات يمكن أن تكون شريكة في الجرم أو قد لُفِّق لها بناء على معطيات الواقع المأزوم؟

اتهام السلطات

وكان المحامي عبد الله إسحق يعقوب عضو لجنة إدارة الأزمة بالولاية، قد أكد بأن الحقائق وفقاً لقيادات المنطقة تشير إلى اتهام والي غرب دارفور نفسه والأجهزة النظامية في الأمر. وقال إن السلطات الأمنية لم تتحرك لوقف الاعتداء. ودفع إسحق بإفادات مفادها إن السلطتين الولائية والاتحادية مارستا تضليلاً للرأي العام بنسب المشكلة للقبلية. ويؤكد د. أبوبكر آدم رئيس اللجنة الإعلامية لإدارة أزمة ولاية غرب دارفور بأن الأزمة لم تكن قبلية، وأن كل الأطراف تدري جيداً الطرف المجنى عليه، مشيراً إلى أن كل الاتهامات الآن توجه للجنة أمن الولاية وعلى رأسها الوالي.

ولم يبعد د. أبوبكر من ا تهام القوات النظامية وشبه النظامية ووصفها بالتقاعس عن أداء دورها في حماية أهالي معسكر كريندنق في الوقت الذي كان يمكنها القيام بالتدخل لحماية العزل منذ اليوم الأول للجريمة النكراء والتي امتدت لثلاثة أيام كاملة. وقال أبوبكر إن فرض هيبة الدولة لا يمكن أن يتم بقوة السلاح وإنما بقوة القانون والقنوات العدلية.

ضرورة نزع السلاح

وطالب رئيس اللجنة الإعلامية بضرورة نزع السلاح المنتشر بكثافة في الولاية وفي أيدي أطراف معلومة، مشيراً إلى أن حملة جمع السلاح المعلن عنها في الماضي كانت خدعة للشعب، لأن السلاح لا زال منتشراً في الوقت الذي تم فيه جمعه من أطراف معينة. وقال إن الواقع الإنساني للأزمة سيئ جداً والأهالي لم يتلقوا إلى الآن دعماً حكومياً وأن كل الدعم الذي وصلهم كان من لجان شعبية مختلفة من مقاومة أو منظمات خيرية وناشطين. وطالب بضرورة القبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمات عادلة وشفافة، مشيراً إلى أن هناك طريقاً ثالثاً إذا عجزت الحكومة عن القيام بواجبها، وهو تحريك الملف وتدويله خاصة وأن الامم المتحدة عندها شبه وصاية على دارفور، مشيراً إلى أن هنالك دعوات دولية تطالب الحكومة السودانية بالتدخل الفوري لاحتواء الأزمة في دارفور حتى لا تتمدد إلى مناطق أخرى من الولايات.

معاكسة الدولة

ويقول بروفيسور صلاح الدين الدومة إستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية لـ(الصيحة)، إن الأصابع ليست خفية هم الأجهزة الأمنية لنظام الإنقاذ البالي، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية الراهنة هي نفس أجهزة الإنقاذ، وأن نظام الإنقاذ وما يشمله من أجهزة الأمن وكتائب الظل وحزب المؤتمر الوطني والمليشيات المسلحة تدار جميعها من خلال غرفة واحدة يتحكم فيها النظام السابق والذي يستولي الآن على أربع وزارات الدفاع والداخلية والأمن والاتصالات.

وأشار إلى أن هذه الأركان الأربعة،  لا زالت تعاكس وتعطل الدولة الحالية بأساليب مختلفة مثل إشعال النيران في الشرق وعندما تطفئها السلطة التنفيذية تولع في الغرب وهكذا،  وأرجع الدومة هذا العمل للدولة العميقة التي قال إن الظروف ساعدتها في هذا العمل، وقال إن من الأشياء التي يمكن أن تحجمها في الولايات هو تعيين ولاة من السلطة التنفيذية القائمة وتكون هناك سلطة تشريعية. وأكد أن الدولة العميقة هي من يحرض الجبهة الثورية على رفع سقف المطالب في مفاوضات جوبا لإطالة أمد المفاوضات وتأخير الوصول لاتفاق، الشيء الذي يمكنهم من إشعال نيران الفتنة والفساد في الأقاليم والمركز ويتأخر على ذلك التعيين.

أساليب ساذجة

وفيما جزم بروف الدومة بأنه لا توجد أيادٍ خفية أبداً في هذا الأمر، وأن أسباب الفتنة واضحة وجلية ويجب على الجهات الرسمية التحرك بفاعلية للإحاطة بهم قبل أن يستفحل أمر إيجاد الحلول للأزمات التي يخلقونها، وأكد بأن الدولة العميقة لا زالت تفكر بأساليب ساذجة بأن تجعل الناس يتمنون عدم ذهاب الإنقاذ، وقال: هذا لن يحدث البتة، لأن الناس ظلموا كثيراً من النظام البائد، ولا يتمنون إطلاقاً رجوع ذلك العهد مهما تكالبت عليهم الظروف، وأن  كل المصائب التي يضعونها في طريق الحكومة الحالية باتت معروفة وصنعتها صارت من الأساليب القديمة ولا تنطلي على أحد.

ليست قبلية

ويقول د. أبوبكر بأن القضية يعود أصلها لمشاجرة حدثت بين شخصين أحدهما من القبائل العربية وآخر من قبيلة المساليت، مما يعني أن القضية جنائية، ولا علاقة لها بالقبيلة بناء على تأكيد الأطراف، ولكن المليشيات المسلحة وبتدخلها المباشر في إمهال سكان المعسكر مهلة يوم فقط لتسليم الجاني أو الهجوم على المعسكر حوّل القضية من جنائية إلى حرب قبلية.

وقال بعد التحذير تم الهجوم على المعسكر بعتاد كبير وأسلحة ثقيلة ومختلفة أسفر عنه هذا الخراب الذي طال الأنفس والممتلكات الشخصية والعامة ونتج عنه حرق معسكر كريندنق والذي يسكنه أكثر من (61) ألف نازح، والآن صاروا لاجئين مرة أخرى إلى دول الجوار (تشاد).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى