المشروع الوطني.. تأسيس بناء الدولة السودانية

 

الخرطوم: صلاح مختار   5 أعسطس 2022م

بدأت مؤسسات وطنية وجامعات وبعض مراكز خدمة المجتمع سبر أغوار الأزمة السودانية وتحليل جذورها ووضع ما يمكن أن يستند عليها من حلول وطنية لحل الأزمة السودانية. ربما الفكرة الأساسية نبعت من الأزمة الحالية التي تضرب البلاد منذ نجاح ثورة ديسمبر وحتى الآن لم تجد الحلول، بل تبعثرت الرؤى السياسية وتباعدت خطوط الحل, وكان الخوف من ذهاب الدولة بلا رجعة من هنا تدخلت مراكز البحث العلمي والمجتمعي من أجل تفكيك الأزمة ووضع الحلول الممكنة. من بين تلك المراكز طرح مركز خدمة المجتمع بجامعة المغتربين من خلال سلسلة ندوات عن كيفية النهوض بالسودان واللحاق بركب الدول المتقدِّمة, طرحت المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية خلال ندوة الدولة الحديثة في السودان وبنيتها القيمية.

سبب الأزمة

شخَّص بعض الخبراء في الندوة السبب الحقيقي للأزمة في البلاد هي ناتجة عن الشخصية السودانية بمكوِّناتها المختلفة وممارساتها القبلية والدينية وغيرها ما أدى إلى عدم الاندماج والانغماس في بوتقة الوطن, ولكن في وجهة نظر أستاذ الفلسفة بجامعة النيلين د. بكري محمد خليل، أشار إلى حالة التشويش الذي يأتي من خلال التداول ورفع مستوى المعرفة بالقضية. ورأى أن مسألة الدولة لم تأخذ كفايتها. واعتبر أن مهمة الوعي هي مهمة إعادة المعادلة في بعث القضية الوطنية إلى جذورها الحقيقية وبعض مظاهرها الشكلية.

الثابت والمتحرِّك

وشدَّد خليل على ضرورة معرفة الثابت والمتحرِّك في الصراع داخل المسألة الوطنية. مؤكداً على دور الدولة الحديثة في المستقبل على الرغم مما يقال حول العولمة وتأثيرها على الكيانات. وقال: ارتبطت فكرة الدولة بالرؤى الأخلاقية القديمة رغم التأكيد على أهمية دولة القانون, مشيراً إلى أن الدولة المهدية عبَّرت عن أنموذج لإحياء التجربة الإسلامية وهي مظهر من مظاهر تبلور الشخصية الوطنية. ولفت إلى الدولة السودانية في الظروف الانتقالية وحداثتها ومتطلبات بناء المجتمع المدني وتجلياتها. وقال: إن المرحلة التاريخية توصف بأنها انتقالية, مبيِّناً أن المجتمع التقليدي في السودان لم يستكمل فيها مرحلة الانتقال, وقال: رغم أن نظام الدولة يستمد قوته الكبيرة من جوانب كثيرة إلا أنه لم ينتقل بالمجتمع إلى الوطني الحقيقي.

الحداثة الناجزة

ورأى خليل أن تخطي المرحلة سوف يؤدي إلى الحداثة الناجزة, وقال: من هنا ظهرت دولة الرعاية ولكنها ليس كاملة, حيث سيطر قطاع الخدمات على قطاع الإنتاج التقليدي. ولفت إلى أن الفكر الليبرالي ظل يناصب الدولة العداء. مشيراً إلى توالي الانكسارات وتفتيت التراب وانتشار الفوضى وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان، محذراً بأن تنمية اليأس في نفوس الناس مهدِّد للوحدة الوطنية, بجانب الفساد الاقتصادي وتراجع إرادة الدولة. وقال: إذا انهارت التجربة القيمية من باب أولى أن تكون للمؤشرات نتائج خطيرة على السودان.

حلقة فارغة

وأكد د. خليل أن العدالة الناجزة هي مطلب لإنهاض الدولة وإبعادها من درب الفساد والعنف وكل مظاهر التخريب, ولكنها تحتاج للحركة وتصويب من المجتمع المدني وتعزيز المجتمع السياسي ليس على حساب المجتمع التاريخي, وأكد أن تجربة الاستقلال كانت عالة على مقدرات ومكتسبات وموارد الوطن. وأشار إلى أهمية إجراء تحديث وتحوُّلات تصل إلى السلطة, وقال: النخب إذا ما راعت تلك المعايير تظل تدور في حلقة مفرغة. مبيِّناً أهمية ارتباط الإرادة بالخبرة الوطنية حتى تنتقل إلى مصاف الدول المتقدِّمة. غير أنه عاد وقال: إن تجربة الحداثة تراجعت وتم إفراغها من محتواها في السودان. وأضاف: حتى تنهض الدولة لابد من تمكين المجتمع وبنائه بناءً حقيقياً, بجانب استقلال الموارد الحقيقية والقدرة على المشاركة, وأن تتحوَّل قوى المجتمع المدني إلى قوى فاعلة حتى لا يكون المجتمع المدني مثل الدولة.

انتقادات لاذعة

في مقابل ذلك صوَّب أستاذ الفلسفة المحاضر بجامعة النيلين د. فتح الرحمن التوم، انتقادات لاذعة للجامعات السودانية بسبب عدم تأثيرها في المجتمع, وشبَّه الجامعات بالأحزاب السياسية لا فائدة منها, وطالب بإغلاقها إذا لم تقم بدورها نحو المجتمع. وتساءل هنالك أحزاب تعمل خارج المجتمع وخارج الدولة مثلها الجامعات تعمل خارج السودان وخارج الدولة. وانتقد كثرة الجامعات وكليات المجتمع والاقتصاد دون أي تأثير على المجتمع، وقال: ما فائدتها في تغيير الواقع السوداني؟ مطالباً بإغلاقها, مشيراً إلى الصرف والامتيازات الكبيرة التي تتحصل عليها وهي لا تستطيع أن تقدِّم للحكومة أي شيء, مؤكداً أن أزمة السودان متعدِّدة الوجوه.

جودة البحث

وقطع فتح الرحمن بأن الحل في الجامعات من خلال دورها في خدمة المجتمع وجودة البحث العلمي فيها. وقال: الآن السودان يعيش حالة دولة حديثة وغير حديثة لجهة أن للدولة الحديثة شروط، مشيراً إلى المشكلات التي تواجه البلاد.  واعتبر الدولة الحديثة غير أنموذجية, لكن في طريقها مرت بتطورات تاريخية, وأضاف: إن الحداثة ليست مشروعاً قومياً, وأن الطريقة التي شكَّلت بها الدولة كانت نتيجة ليست ذات طابع سوداني وإنما مشروع استعماري كبير. وقال: أُسس السودان على أساس الأرض والقوة وليس من أجل تأسيس دولة الغير, مشيراً إلى النماذج التاريخية لتأسيس الدولة السودان مثل أنموذج الدولة المهدية ومؤتمر الخريجين.

الدولة الحديثة

وقال فتح الرحمن: بعد الاستقلال لم تؤسس الدولة الحديثة, وأن التجربة الدستورية انطوت على منازعات, وقال: حتى الآن ما يحدث هو نزاع حول فكرة الدولة, وتابع: ما يمسك الدولة من الانهيار هو القيم الاجتماعية. وذكر أن السودانيين لا يحفظهم لا دستور ولا قانون، قائلاً: (ما رضيانين ببعضهم بسبب عدم معرفتهم بالدولة الحديثة أو أنهم أنانيين)، وقال: نحن خارج منطقة الدولة الحديثة. ورمى باللائمة على الأحزاب، وقال إنها ساهمت في التعثر في بناء الدولة. وشدَّد على ضرورة نص المواطنة كأساس للحقوق والواجبات في أي دستور.

تداعيات الثورة

وبنى مدير مركز خدمة المجتمع بالجامعة د. عثمان، فكرته على أسس فكرة بناء الدولة في السودان, مبيِّناً أن الاستعمار الإنجليزي جاء وهو متأثراً بتداعيات الثورة المهدية ما عمد على إتاحة روح التقميص من خلال تمكين الفكر السلفي والانغماس في التجربة. وقال: الذي حدث في السودان من حداثة لم يرتبط بالتطوُّر الروحي بالمجتمعات، مبيِّناً أن ما يحدث الآن هو نوع من الاستلاب.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى