غرب دارفور.. دفع الديات والفتنة!!

 

الخرطوم: الصيحة

خلال زيارته لمدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور للوقوف على الأحداث التي شهدتها مؤخراً، أكد نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي محمد حمدان دقلو “حميدتي”، جدية الدولة في مُحاسبة المُتسبِّبين في تلك الأحداث، وأبان أن الحادثة لن تمر مرور الكرام، وشدد دقلو على سعي الحكومة لتقديم المُتورِّطين إلى القانون وتحقيق السلام والاستقرار، ولفت إلى أن لجان التحقيق قد باشرت أعمالها بغية الوصول لنتائج عاجلة.. فيما تَعَهّدَ رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك بمُعالجة الأوضاع بصُورةٍ سريعةٍ من خلال حفظ الأمن وخلق استقرار بأنحاء الولاية خاصّة، وولايات دارفور عامّة من أجل إحلال السلام والعُبُور إلى مَصَاف تَحقيق الاستقرار الشامل بالبلاد.

رسائل عديدة بَعَثَ بها نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي إلى البريدين العام والخاص، الرسمي والأهلي، إذ أعلن من الجنينة أحد أهم حواضر ولايات دارفور، إيقاف دفع الديات في القتلى وأعمال القصاص، وأكّد أنّ الحرية والديمقراطية لا تعنيان الفوضى، وقال: (كل من يسعى لخلق الفتنة للوصول إلى السلطة سيُحاسب وسنوقف الديات، والقصاص سيطال جميع المُجرمين).

إن من أهم رسائل نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، فيما أرى والتي توقّف عندها الكثيرون، تلك الرسالة التي حملت نفس وأهداف ثورة ديسمبر، وأبانت أن للثورة فرّاسها وحرّاس وقيمها المنادية بالسلام والعدالة، إذ أكد إعلان “حميدتي” وقف تسوية وحل قضايا القتل بالديات (العُرف) سيادة حكم القانون وهو انتصارٌ كبيرٌ لقيم الثورة الظافرة.

إنّ لإقليم دارفور غربي السودان خُصُوصيته في التعامُل مع القضايا من حيث الاحتكام للعُرف في حلحلة المُشكلات وإنهاء الخِلافات وظَلّت الإدارة الأهلية هي الحادي والهادي، إذ كانت الديات تقوم على الجودية، فعند نُشُوب نزاعٍ بين القبائل، تتولّى الإدارة الأهلية وأعيان القبائل وفق العُرف المجتمعي المحلي أمر تحديد مقدار الدية وكيفية دفعها، وكطبيعة كل الأشياء ومع كثرة النِّزاعات القبلية والاحتكاكات بين مُكوِّنات المُجتمع  الدارفوري تطوّر وتشعّب أمر الديات، فظهر ما أسماه أهل دارفور بالديات العجاجية وهي نوعٌ من الديات تجاوزت العُرف المعمول به في دارفور، لتأخذ شكلاً آخر تمثل في أن يفرض أهل المقتول ما يقدرونه من مبالغ تكون طائلةً في مُعظم الأحيان، مما يعني أنّ الأمر بات لا يحتكم لعُرف ولا قانون، بل كما يرى البعض أنّ الديات أصبحت مورداً لمكاسب ذاتية لوسطاء لا أجور عليهم ان وصفتهم بسماسرة الدماء، فقد استخدموا فنون السمسرة كَافّة في النزاعات القبلية والدم الذي يُراق، وابتدعوا ما أسموه بالكرامات وهو مبلغٌ يدفعه أهل القاتل قبل تحديد الدية قد يفوق في قيمته الدية نفسها في بعض الأحيان.

كل تلك المُعطيات أنزلت إعلان الحكومة برداً وسلاماً على أهل دارفور، الذين ظلوا منذ أمدٍ بعيدٍ يشكون غياب المحاكم القانونية، بل أنهم كثيراً ما نادوا صراحةً بإيقاف المحاكم الأهلية وإبعاد العرف في حالات الاقتتال واتّخاذ تدابير قانونية تبيِّن سيادة حكم القانون وتبسط هيبة الدولة.

استحسن أهل دارفور وقياداتها، زيارة الوفد الحكومي رفيع المُستوى، كما استحسن ذلك أهل شرق السودان من قِبل.

ووصف القيادي الدارفوري يعقوب محمد الملك، خطاب نائب رئيس المجلس السيادي بالخطاب المسؤول، وقال إنه قراءة بدلالته ووصفه كَافّة بأنه خطاب رجل الدولة المسؤول، وينسجم مع الدستور وأهدافه وقيم وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وقال إنّه لَمِسَ في طياته الحرص على تأكيد سيادة حكم القانون، وأضاف أنّ السلام والعدالة لا يأتيان إلا بتطبيق سيادة حكم القانون وعدم الإفلات من العقاب، وناشد الملك، أهل غرب دارفور للتجاوُب مع هذا الخطاب الإيجابي الذي يدعم ويُحافظ على السلم الأهلي بدارفور.

إنّ الجُهُود المدنية الداعية لإبعاد التعامُل بالعُرف في قضايا القتل في دارفور، ظلّت تتواصل عبر العديد من الجهات، كان من بينها ما خرجت به توصيات الورشة التي تبنّتها الهيئة الشعبية للتنمية مؤخراً، ونادت من خلالها لسيادة حكم القانون وتمكين المرأة وإدماجها في النظام القانوني والعُرفي، بجانب قضايا المُصالحات والسلام، وقد كان من أبرز توصياتها وقف العُرف فيما يلي جرائم القتل العمد والجرائم ضد المرأة والطفل، إذ يرى الكثيرون أن هذه الجرائم يجب ألا تُخضع للعُرف وأن يُقدّم مُرتكبوها إلى  المحاكم، وشدّدوا على أن تكون العقوبة صارمة حتى يتحقّق الهدف منها والمتمثل في الردع الخاص والعام.

وإعلان الحكومة من غرب دارفور بإيقاف دفع الديات، يتّسق مع كل تلك الجهود، الأمر الذي وَجَدَ ترحيباً كبيراً ودعوات لأن تُترجم هذه الأقوال المُعلنة أعمالاً على الأرض لتُؤكِّد واقع قيمة العدالة.

ويقول القيادي الدارفوري يعقوب محمد الملك، إننا كنا قد وجّهنا العديد من الانتقادات للحكومة السابقة، عندما أنشأت صندوقاً أسمته صندوق دعم المُصالحات، وكانت تدفع من خلاله الدية نيابةً عن القبائل، وأضاف: إننا وصفناه بصندوق دعم المُخاصمات لأنه على حد قول يعقوب الملك، يفرغ الدية والعقوبة من مُحتواهما ومفهومهما المتمثلان في الردع الخاص والعام ويُشجِّع على استمرار الاقتتال.

إن إعلان الحكومة من الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور بإيقاف دفع الديات وأعمال القصاص، قابله مواطنو دارفور بالترحيب الواسع والرضاء التام، راجين أن تتم ترجمة الأقوال إلى أفعال تُؤكِّد قيمة العدالة وسيادة حكم  القانون واقعاً على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى