ما بين الموازنة وفض الاعتصام حكايات..!

 

القصة المشهورة أن عالماً دينيًا جليلاً، كان يجلس فى المسجد لإلقاء درس في الدين على عدد كبير من الناس، وقد وضع بجواره مصحفاً ثميناً كان يستخدمه من حين لآخر للاستشهاد بآية من آياته، ولكنه نظر مرة إلى حيث وضع المصحف فلم يجده، فسأل عمن يمكن أن يكون قد أخذه أو يعرف الذي أخذه، فلم يعترف أحد من الحاضرين ، رغم أن سارق المصحف كان لابد أن يكون واحداً منهم ، بل تعد الأمر إلى دخول كثير من الحاضرين فى نوبة بكاء شديد أسفاً على أن يتجرأ أحد على سرقة مصحف العالم الجليل، حينها قال هذا العالم قولته التي صارت مثلاً يضرب: “كلكم يبكي، فمن الذي سرق المصحف؟” تذكرت هذه القصة، وأنا أتابع المشهد السوداني وزعماء قوى الحرية والتغيير يؤيدون فض اعتصام القيادة قدراً بالشباب ثم ينكرون الفعل بل يحاولون بلا حياء إلباس التهمة لشريكهم المجلس العسكري والعساكر الذين هم يصمتون ينتظرون نتائج لجنة التحقيق حتي يفتحوا خزائن أسرارهم ويطلقون حبس وثائقهم واليوم ذات القوى السياسية التي وافقت على فض الاعتصام وأنكرته قد قامت بالتخطيط والتنظير لموازنة العام 2020 بما فيها

رفع الدعم بطُرق غريبة ، هؤلاء يدركون أن فيهم من اقترح الرفع بعد 6 أشهر، وفيهم من اقترح الرفع بعد 3 أشهر، وفيهم من اقترح الرفع تدريجياً، وفي النهاية النتيجة واحدة هي رفع الدعم عن السلع لتزيد معاناة الشعب المطحون من أصله، ومع ذلك يحاولون الهروب من قول الحقيقة وتحمل تبعات وكلفة رفع الدعم السياسية لكن نقول لهم يا سادة يا كرام ليس كل مرة بتجيب ليكم ولد، فالمرة الفاتت نكرتو فض الاعتصام غير أنكم اليوم لا تستطيعون التملص من الميزانية، وما في ليكم طريقة تضحوا بوزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي قرباناً، إذا انتفض الشارع ـ صدقوني كلما أسمع شكوى قوى الحرية والتغيير وبيانات الحزب الشيوعي الناقدة وبتخيل منظر صورتهم مجتمعين كقوى معارضة للنظام السابق، وهم يعترضون على خطوات رفع الدعم حينها والنظام يستجيب لهم ثم أعود وأمعن في منظرهم اليوم أشفق عليهم قبل أن يخرج المئات والآلاف من الشعب في عواصم الولايات ومدنها ثائرين، يخرجون احتجاجاً على الميزانية المجنحة الخالية من المعدلات والأرقام والتوقعات ومن المتوقع أن تكون صورة الاحتجاجات  هذه المرة مهيبة ومختلفة وستنضم للفئة الشبابية السابقة صفوف أخرى من زعماء ورؤساء وعضوية أحزاب وتيارات فكرية لم تكن مشاركة الاحتجاجات السابقة ومنتظر أن تكون أكبر مظاهرة يشهدها السودان في تاريخه يعبرون بها عن رفضهم لهذا العبث والخراب الذي تشهده البلاد.

إن قوى الحرية والتغيير استمرأت الكذب على الشباب مستغلة جهلهم السياسي وحماسهم وتطلعاتهم، بيد أن الحقيقة المختلفة جداً عما يظهر أو يقال لنا الآن ستبين طال الزمن أو قصر، وينكشف زيف التمثيل السياسي الكبير الذي يمارسونه على الشعب، صدقوني ليس في الأمر  أي شيء جديد، وطبيعة السياسة والسياسيين في وطننا أن يقولوا لنا عكس الحقيقة، لأن معرفة الناس للحقيقة قد تجلب عليهم غضب الشارع ، وقد تؤدي إلى فقدانهم السلطة والجاه الذي يسرقونه من الشعب وشبابه، لم تقدم قوى الحرية والتغيير أي تفسيرات موضوعية ومقنعة لميزانية 2020، وكذلك قبلها حادثة فض الاعتصام وحقوق الشهداء عبأوا الشباب وتركوه يشنون حروبهم على العساكر وتحديداً الدعم السريع، ولم يفتح الله على قيادات النظام الجديد بوضع مشروع وطني واضح ويحمل أهدافاً وطنية وقومية يمكن تسويقها للشباب للبناء عليها، ولم تقدم حكومة حمدوك رؤية تظهر لنا خطوات السلام ومعالجة أسباب الحروب الحقيقية، كل الذي يدور  في معظم الأحوال، هو تحقيق مصالح اقتصادية لفئة محددة من دول العالم، من الراغبين فى بيع ما ينتجون من أسلحة، أو الدول المسيطرة التي ترغب في الحصول على مواد أولية رخيصة لمصانعها أو فتح أسواق جديدة لصادراتها.

علينا جميعاً إيصال الحقيقة للجيل الراكب راس، حتى يدركوا أن السياسة كانت دائماً ولا تزال ليست فقط كما يقال “فن الممكن”، بل هى أيضاً فن التفوه بنصف أو بعكس الحقيقة، ولكن يبدو لي أن هذا الوصف الأخير بات يزداد بشكل مهول في السودان سيما بعد قدوم (لحم الراس) المسمى قوى الحرية والتغيير إلى السلطة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى