(وقفتي المسّت غرورك)!!

ومضت الأزمة إلى أقصى حدودها.. لم يعد بالإمكان التراجع.. ومن كُتبت عليه خطى مشاها…

قدر مكتوب أن يتلاقى الجمعان ولو اتفقوا لاختلفوا في الميعاد… وإلا فأي منطق يدفعهم لهذا التسارع الغبائني بلا أي استدراك للمخاطر والمآلات وبلا أي غطاء أخلاقي أو قانوني يُعتَد به ..

مرات تخاف أن تقول لمجنون على أعلى بناية شاهقة:

(لن تستطيع أن تقفز).

قلناها لهم:

(لن تستطيعوا حل النقابات).

فعلوها وسقطوا…

حيّرونا…

خطوة لم يكن أحسننا ظناً بهم يتخيل أنهم سيفعلونها!!

لكنهم كانوا على موعد آخر من الاغتياظ والاحتقان لا شك بغيض.

مضوا بالشوط الغبائني إلى آخره أحرقوا كل مراكب للعودة، وقطعوا ألسنة المشفقين والحادبين على سيادة حكم القانون..

حلوا الاتحادات واستولوا على المقار!!

حينما كان محمد الحافظ يقول (أفصلوهم والداير يمشي يشتكي الليمشي يشتكي)، لم نكن نظن أن تلك المقولة ستصبح المصير الوحيد المتاح لنعيشها واقعاً، بل وستصير (القاعدة المركزية) التي سيبنى عليها مجمل البناء الحمقاوي..

كان الظن أن جهداً ما ستبذله تلك العناصر (الكاسحة والماسحة)، بحيث تغلق تلك الانشغالات بـ(الضبة والمفتاح)، ولا تترك كل هذه المساحات للطعن والمساجلة..

فليس من المتصور أن المكر التاريخي الذي عُرف به اليسار السوداني سيتمخض ويلد كل هذا العوار من القرارات المعيبة والتي لن تصمد إلا زمان فش الغبينة القصير..

كان المأمول أن رجلاً رشيداً – غير الرشيد سعيد- سيمضي علي نحو من التعقّل صوب ترتيب الملف بما يلزم من إجراءات متصاعدة بالاستفادة من حالة (إشانة السمعة) الجارية بحق المناوئين..

أجريت محاولات بائسة لسحب الثقة من مجالس النقابات والاتحادات المهنية لكنها لم تحظ بالدعم اللازم وأحبطتهم المحاولة برغم التزوير الذي جرى وحملة التخويف والتجريف والتجديف!!

كان المتوقع أنهم سيعاودون الكرة وخاصة أن المعركة متعلقة بعد الأصوات للكشف عن الإرادة الحقيقية لمنتسبي تلك النقابات، وتلك إجراءات معلومة السباق، وينبغي ألا يتم ذلك إلا وفقاً لإرادة حرة طائعة غير مُنقادة وليست أسيرة لقرارات فوقية واجفة.

لكننا وها نحن مع النور التقينا..

بعد أن اختاروا الميقات والسلاح لم يعد بد غير استقبال المفروض رغم كراهيته..

بالأمس تنادى قبيل الصحفيين لإنجاز وقفة احتجاجية رافضة لقرارات لجنة التمكين القاضية بحل اتحاد الصحافيين ومصادرة مقره وما يحتويه من سجل.. على نحو متحضر منذ الساعة 11 وحتى الساعة 1 وقفوا قبالة دارهم.. لم يقطعوا الطريق ولم يضايقوا أحداً قالوا كلمتهم الحرة للدنيا والناس هواء ساخناً.. رفعوا بأصوات جهيرة وقلوب واثقة عدالة قضيتهم، رفضوا محاولات التدجين والانصياع لرغائب المتنطّعين من بقايا الفاشست المتدثرة غيلة بلباس الثورة والتثوير!!

خرجوا برغم أن البعض حاول تغبيش الوعي الجمعي وإظهار الوقفة وكأنها دفاع عن شخوص ومصالح، بحيث لم يروا في الجموع سوى (الأنفنتي) و(العمة الأنيقة)!!…

غلب على الحضور أنهم جاءوا من شتى الاتجاهات الفكرية والسياسية.. ليدافعوا عن حرية القلم وحرية الرأي.. يمتلكون وعن حق ووعي آراء مختلفة في السياسة والحياة، ولكنهم يتفقون جميعاً على ضرورة أن تبقى النقابة للجميع وفق ممارسة شورية لا سلطان فيها للسلطان.. ذات الاتفاق الذي جعلهم يساندون كل خطوة صحيحة اتخذتها الحكومة الانتقالية في اتجاه ترقية مهنتهم…

اكتسبت الانتقالية أعداء جدداً وشرسين لم تكن بحاجة لهم وهي تتلمس الطريق نحو إنجاز مهامها المتراكمة، ثم إنها (فكفكت) النقابات، ولن تستطيع (تركيبها) مرة أخرى!!..

وقفة الأمس لا شك سيعقبها العيد الكبير.. ليتداول الناس أقضيتهم وهمومهم واختيار كياناتهم والقيادة دون وصاية وبلا مساحيق .. الطريق إلى (أورشليم) يبدأ بوقفة، والعبرة دوماً بالخواتيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى