البشير.. نهاية مُحاكمة

 

المحكمة: السجن عامين على البشير ووضعه في الإصلاح الإداري

القاضي: المحكمة لا تملك سُلطة نفيه أو إبعاده خارج السودان

الدفاع: البشير لن يرتجف إن أرادت المحكمة الحكم عليه بالإعدام

الخرطوم: أم سلمة العشا

تدابير اتخذها قاضي المحكمة التي يمثل فيها الرئيس المخلوع عمر البشير، بشأن إيقاع العقوبة عليه، كانت بمثابة طوق نجاة لعقوبة تراوحت لـ(10) أعوام بالسجن، في التهم المُتعلِّقة بمُخالفة الثراء الحرام والمال المشبوه، والتعامُل غير المشروع في النقد الأجنبي، وقانون الطوارئ لسنة 2019م، فالرجل بحكم سنه وبلوغه الـ(70) عاماً، ووفقاً لذلك، أصدر القاضي حكماً بالسجن عليه لمدة عامين ووضعه في الإصلاح الإداري ومُصادرة الأموال المَضبوطة بحوزته بالنقد الأجنبي والمحلي، وتسليمه لنيابة الخرطوم شمال في البلاغ المُدوّن في مُواجهته حول مُدبِّري ومُنفِّذي انقلاب 1980م، وبذلك يكون قد أُسدل الستار على القضية التي شَغلت الرأي العام، وتمّ تداولها بقدرٍ عالٍ من الشفافية والمهنية وفقاً للقانون، مع إتاحة كل الفُرص لكل من هيئتي الاتّهام والدفاع في حقّهما الكامل واستنفاد المراحل القانونية كَافّة المُتعلِّقة بالقضية.

القاضي أوضح أن القضاء ظلّ راسخاً وشامخاً يَعلم بذلك القاصي والداني، وأنّ المُتّهم نفسه في ظل حكمه منحه كثيراً من الأنواط والأوسمة، وظل فخوراً به، كما أنّ اختصاص القضاة قائمٌ على ما جاء في المادة (60/1) من الدستور، وأشار إلى أنّ رئيس الجمهورية والنائب العام والوزراء يتمتّعون بحصانةٍ دستوريةٍ تزول بزوال المَناصب، وأضاف القاضي أنّ الدستور جوّز اتّهام رئيس الجمهورية بالخيانة العُظمى، السُّلوك المُشين بإجماع الهيئة الدستورية، وبما أنّ صفة المُتّهم زالت بإعلان بيان ابن عوف في 11 أبريل 2019، وطالما أنّ أعمال السيادة قد زالت فإنّ البيِّنة المأخوذ بها واردة أمام المحكمة وليست واردة بيومية التّحرِّي.

أسباب القرار

ورأي قاضي المحكمة في قراره الصادر أمس أنّ المُتّهم، يُواجه تهمة الإشتراك في التّعامُل غير المشروع في النقد الأجنبي، بجانب الثراء الحرام والمَشبوه، ورأت المحكمة أنّه بالرجوع لإفادات المُتّهم أثناء الدعوى الجنائية دُون الرجوع للاعتراف بيومية التحري، جاءت مُؤكّدة صحة ضبط الأكياس الخاصة بشركة (سين)، وبداخلها مبلغ (5) ملايين جنيه، حيث رأت المحكمة أنّها مُخالفة للوائح التّعامُل بالنقد الأجنبي والقوانين المنظمة، كما أنه لا يوجد استثناء لرئيس الجمهورية، وأنّه يقدح في إفادته ويُناقض ادّعاء المُتّهم شاهد الدفاع التاسع، وإدلائه بأنّ هُنالك لجنة لإدارة السِّلع الاستراتيجة مُكوّنة من المالية وبنك السودان مسؤول عن توفير النقد الأجنبي، الأمن الاقتصادي، وشركات المطاحن الكُبرى بما فيها شركة (سين)، وثبت للمحكمة أنّ أيِّ تَعامُلٍ خارج المنظومة يُعتبر مُخالفاً للوائح، أما فيما يتعلّق بالتعامُلات الأخرى ممثلة في التبرُّعات لبعض الجهات مثل قناة طيبة، السلاح الطبي، جامعة أفريقيا العالمية، مستشفى علياء والتصنيع الحربي، فإنها وفقاً لإفادات الدفاع تتم بالعملة المحلية، ورأت المحكمة أنّ كل الأفعال التي قام بها المُتّهم تُعتبر مخالفة لقانون التعامُل بالنقد الأجنبي.

مُخالفاتٌ واضحةٌ

ومن خلال ما تمّ سرده في مُرافعة الدفاع، إنّ إقرار المُتّهم كان يدعم شركة (سين) بالملايين، وإن هذه البيِّنة لم تناهضها أيّة بيِّنة أخرى، وإنّ الدفاع جاء مُتجاهلاً لما نَصّ عليه دستور السودان في المادة (26ج)، وقالت إنّ تدخُّل الرئيس يُعتبر مُخالفاً للقوانين، حيث أنّه أدّى القَسَم بمُوجب المادة (56)، وأن يلتزم بالدستور ويُحافظ عليه، وأن يكون صادقاً ومُخلصاً لجمهورية السودان، وأن يُراعي قوانين السودان، إلا أنّه خالف الدستور والقوانين المعمول بها في التّعامُل بالنقد الأجنبي، وثبت للمحكمة أنّ الاتّهام استطاع إثبات جريمة التعامُل بالنقد الأجنبي وفوق مرحلة الشّك المَعقول، وقالت إنّ الاتهام جاء مُقترناً بالمادة (21) المُتعلِّقة بالاشتراك الجنائي، وأكّدت أنّ هنالك اتفاقاً مُشتركاً، طالما أنّه لم يعرف كيفية استبدال المَبالغ خارج القنوات الرسمية، وناقشت المحكمة المادة (9) من قانون الثراء الحرام، ورأت المحكمة أنّ مبلغ الـ(5) ملايين جنيه عُرضةٌ للمصادرة، وناقشت المحكمة الاتّهام، تحت المادتين (6ج/7) من قانون الثراء الحرام والمشبوه، وقالت إنّ هذه الجرائم تُمثل خُطُورة على الاقتصاد الوطني، وينتج عنها الفَساد المالي والإداري، وزيادة في ثروات البعض.

ومن خلال كل ما ذُكر، وجدت المحكمة، أنّ الاتهام أثبت البيِّنة المَبدئية لاستمرار مُحاكمة المُتّهم وعليه إثبات الحصول على المال، إلا أنّ المتهم فَشَلَ في إيجاد تفسيرٍ معقولٍ في تصرُّفاته وحصوله على المبالغ التي تُثير الشك والريبة، وأكّد القاضي أنّ الشريعة منعت قُبُول الهدية للموظف العام، وأنّ المُتّهم خالف القوانين المعمول بها بجمهورية السودان، التي تتعلّق بمُخالفته لقانون النقد الأجنبي واللوائح وقانون الجمارك، والمُراجع العام وتُعتبر مُخالفات استغلالاً للسلطة، كما وجدت المحكمة أن المتهم خالف قانون المراجع العام، بتبرُّعه لجامعة أفريقيا العالمية وهي ليست ضمن البنود المُخصّصة، وأن الأموال المُجنّبة والتبرُّعات خارج المُوازنة تدل دلالة واضحة لمُخالفة المُتّهم لقانون المراجع العام، وأنّ المُستندات الخَاصّة بالمبالغ التي تبرّع بها المُتّهم مُخالفة للقوانين واللوائح، ورأت المحكمة أنّ الاتّهام استطاع إثبات مُخالفة المُتّهم للمادة (6) من قانون الثراء الحرام فوق مرحلة الشك المَعقول مع انعدام أيِّ مانعٍ من موانع المسؤولية أو أسباب الإباحة، وعند مُناقشة المحكمة المادة (7)، أقرّ المُتّهم باستلام مبلغ (25) مليون يورو تصرّف فيها للتبرُّعات، وتم ضبط مُتبقي المبلغ، ورأت المحكمة أنّ المال المشبوه هو مبلغ (351.770) دولاراً لم يستطع المُتّهم إثبات مشروعيته ووجوده بحوزته، وتوصّلت المحكمة لمُخالفته المادة (7).

قرار إدانة

بعد مُناقشة المحكمة لمواد الاتّهام كَافّة، قرّرت إدانة المُتّهم عمر حسن أحمد البشير تحت المادة (21) من القانون الجنائي، مقروءة مع المادة (5/2/9) من قانون التعامُل غير المشروع في النقد الأجنبي، وإدانته تحت طائلة المادتين (6 – 7) من قانون الثراء الحرام والمشبوه.. وبنهاية تلاوة القرار، طلبت المحكمة من ممثل الدفاع تقديم الأسباب المُخفِّفة للعقوبة، حيث جاء رد ممثل الدفاع هاشم أبو بكر الجعلي، وقال إنّ المُتّهم لم يثبت أنه قد تَسَلّم دولاراً واحداً من طارق سر الختم لمصلحته الشخصية، كما أنّ المُحاكمة تمّت في أجواءٍ سياسيةٍ سيئة أثّرت على سير العدالة والقانون، وأضاف: “مُوكلنا مُنح الحق وفق المادة (33) أنه فوق السبعين من العمر، وقال بلهجةٍ حادةٍ: إنه لم يطلب من المحكمة أيِّ أسباب للتخفيف، فهو ضابط في القوات المسلحة لم يسترحم أحداً ولم يستجدِ أحداً، وإن أرادت المحكمة أن تحكم عليه بالإعدام فلن يرتجف”.. في المُقابل تركت هيئة الاتّهام حرية القرار لعدالة المحكمة.

مُذكِّرة حول العُقُوبة

من خلال ما قُدِّم من ظروف مُخفّفة بأنّ المُتّهم صحيفته خالية من السوابق، وأفاد الدفاع أنه تجاوز الـ(70) عاماً، وطالما الجريمة أسهمت في أزمات البلاد، وانعكس ذلك على عدم مقدرة الدولة في توفير حياة كريمة للمُواطنين ما حدا للمُتّهم بإصدار أمر للطوارئ وتنظيم التعامُل بالنقد الأجنبي، التي تصل عقوبتها بالسجن (10) سنوات ومُصادرة الأموال، واستدل القاضي إلى سابقة إعدام المواطن مجدي محجوب محمد أحمد في العام 1989، من خلال أمر الطوارئ.
في الأثناء، ضَجّت القاعة بأصوات هيئة الدفاع ومُناصري البشير احتجاجاً على سرد القاضي لحيثيات القرار، احتجاجاً على إشارة المحكمة لسابقة إعدام مجدي بأمر الطوارئ، هاتفين ومُردِّدين: (محكمة سياسية وشيوعيين)، وأمر القاضي بإخلائهم من القاعة، ومُواصلة تلاوة القرار، وقال إنّ المحكمة لديها الحق في مُقاضاة الجهات التي تبرّع لها البشير مدنياً واسترداد المبالغ، وأكّد أنّ الحق لا يُسقط في استبدالها خاصةً الأموال التي لم تذهب للمصلحة، وقال القاضي إنّ هذه الجرائم وفقاً لمنشور المحاكم تأخذ المحكمة في اعتبارها سبب ردع الجاني وتخويفه، وبالنظر للدعوى وجدت أن المتّهم وصل عمره لـ(70) عاماً ولا يجوز الحكم بالسجن عليه، وتسري عليه عُقُوبة التقريب، الأمر الذي لا يُمكن تطبيقه بتحديد مكان إقامة الجاني بعيداً عن مكان الجريمة، وبرر ذلك أن المتهم كان رئيساً وأيّة بقعة في البلاد تضرّرت منه، كما أن المحكمة لا تملك سلطة نفيه أو إبعاده خارج السودان.

تدابير مُحكمة

وعليه، قالت المحكمة إنّ التدابير المُقرّرة على الشيوخ في المادة (48) القانون الجنائي تنص على تسليمه لوليه، أو تقريبه أو إيداعه إحدى مؤسسات الإصلاح، حيث أن المُدان لديه بلاغات أخرى وحتى يتحقّق الردع العام لما ارتكبه في حق نفسه قبل غيره، قرّرت المحكمة إيداع المُدان مُؤسُسة الإصلاح الإداري لمدة عامين ومُصادرة جميع المبالغ المعروضات لصالح حكومة السودان، وتسليمه لنيابة الخرطوم شمال في بلاغٍ يُواجهه المتهم بتُهمة تدبير وتنفيذ انقلاب 1989م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى