مفاوضات جوبا.. ما وراء الموقف الأمريكي!

 

تقرير: صلاح مختار

مصادر أكدت أن للولايات المتحدة الأمريكية رؤية حول تحقيق السلام في السودان، ورغم أن أمريكا لا تريد إحراج جوبا بنقل الملف منها, إلا أنها جزمت بأن الخطوة مقبلة باعتبار أن هنالك عوامل كثيرة وتقاطعات مصالح قد ترجح إمكانية قبول ذلك. ربما الخطوة لم تكن الأولى لأنها رغبة أبدتها بعض الحركات المسلحة المشاركة في جوبا بتغيير مقر التفاوض بحجة عدم قدرة جوبا على احتمال كل الحركات والإنفاق عليها طيلة مدة التفاوض، وربما السبب الآخر هو التشكيك في إمكانيات الجنوب في طي ملف الحرب في السودان الذي يعتبره البعض أن جوبا حتى الآن فشلت في تحقيق السلام بداخلها، فكيف تفعل بملف السودان، وبالتالي (فاقد الشيء لا يعطيه).

تغيير المقر

الشعور بالقلق واحد من سمات المشاركين من الحركات المسلحة في جوبا، ربما ذلك الشعور بجانب تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية دفعها إلى بيان موقفها من منبر جوبا مطالبة بتغييره دون الإفصاح عن تلك الوجهة الجديدة, ولكن القائد الميداني في حركة العدل والمساواة السودانية، والمنُسق السابق للعمليات العسكرية المشتركة بين الحركة وفصائل الجبهة الثورية، العميد حامد حجر، كشف لـ(الصيحة) عن لجوء الحركات المسلحة إلى إعلان تحفظها عن مقر المفاوضات في جوبا. وقال (إنني على تواصل دائم مع قيادات في الحركات المسلحة، وأعلم جيداً أن لديهم تحفظات كثيرة حول مقر المفاوضات في العاصمة الجنوبية جوبا، وأنهم يميلون إلى تغيير مقر التفاوض ونقله إلى عواصم عربية أخرى، مثل الرياض أو أبوظبي). وأضاف أن تحقيق السلام في السودان يرتبط إلى مدى كبير بوجود دول داعمة تتكفل بتسيير الاستحقاقات المالية التي تدفع بالسلام إلى الأمام.

إمكانية السلام

ويرى حجر أن الحركات المسلحة تدرك جيداً أن كثيراً من القضايا التي تجعل السلام ممكناً في مناطق النزاعات في السودان، تتمثل في إعادة بناء وتعمير ما دمرته الحرب، وكذلك برامج العودة الطوعية للنازحين، فضلاً عن قيام مشاريع للتنمية المتوازنة، وكل ذلك يحتاج إلى قيام مؤتمر دولي للمانحين. وأشار إلى أن  دولة جنوب السودان يمكن أن تساهم في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين بحسبان الروابط التاريخية القديمة، ولكنها هي أيضاً دولة تعاني من النزاعات الإثنية والحروب وضعف الموارد الاقتصادية، ولهذا لن تستطيع أن تقدم الرعاية اللازمة لتحقيق سلام على أرض الواقع في السودان.

تحفظات مبررة                                

وكان الأمين العام للجبهة الثورية، رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، أعلن في تصريحات سابقة تحفظهم على عقد محادثات السلام في جوبا، لكنه أكد في ذات الوقت على مشاركته بنحو رمزي في الجلسة الافتتاحية التي تلتئم بجوبا بحضور رؤساء دول إيقاد. وأكد جبريل إبراهيم أنه (شخصياً يرى أن عملية السلام يجب أن تبدأ بعد الاتفاق على تحديد الوسيط والمنبر)، مشدداً على أن (إعلان جوبا) لم يتناول هذين الأمرين. وقال إن (الإعلان نص على الوصول للسلام في أسرع وقت).

وأضاف أن (جوبا فسرت السكوت عن تحديد المنبر والوسيط لصالحها وبدأت قبل 5 أيام في إرسال الدعوات للأطراف، في حين أننا خلال اجتماعنا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع وفد مجلس السيادة أخبرناهم صراحة بموقفنا من هذا الأمر).

دول متصارعة

ويرجح الخبير السياسي محمد الشايب الموقف الأمريكي بنقل المفاوضات من جوبا للخرطوم من وجهة نظره لعدة أسباب ولكنه رسم صورة غير وردية عن تحقيق سلام شامل في الوقت القريب عبر منبر جوبا، حيث يرى أن (الكلام يكذبه الواقع السياسي), وقال إن مغزى نقل واشنطن مفاوضات السلام من جوبا إلى الخرطوم لقطع الطريق أمام الدول التي سماها بالمتصارعة في الشأن السوداني عبر ثلاثة محاور، وهي تحقيق الحكم الذاتي والعودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتكييف الاتفاقيات مع سياسات بعيدة المدى للمصالح الغربية ولن تكون لها أثار سالبة على دول الجوار.

الإعداد النفسي

ويبدو أن المحلل السياسي حسن الساعوري نظر إلى قضية نقل مقر التفاوض من جوبا إلى أي دولة من زاوية أن جوبا لديها مشاكلها ومشغولة بنفسها وعندها أولوياتها، وبالتالي لم تعد نفسها الإعداد الكامل لاستمرار الجولة، وهو سبب إجرائي ـ على حد قوله ـ بمعنى إذا الوسيط لم يكن جاهزاً قد يكون غيره جاهز من ناحية مالية، ولذلك جوبا غير جاهزة بسبب أنها دولة غير مستقرة لديها حرب أهلية، وهي مثلما يقال (فاقد الشيء لا يعطيه)، وبالتالي منذ البداية توقيت المكان لم يكن سليماً باعتبار أن الوضع غير مستقر في دولة جنوب السودان، وقال: (هم مع بعض ما زالوا يتماوتوا) كيف يحققون السلام في دولة أخرى .

فاقد الشيء

كان من المفترض على الاتحاد الأفريقي تمويل جولة مفاوضات السلام السودانية في جوبا، ويبدو أن الاتحاد الأفريقي لم يستطع تمويلها من ناحية (لوجستية)، ولذلك يرى الساعوري لـ(الصيحة) أن جوبا مع الاتحاد الأفريقي لم يستطيعوا القيام بالمهمة، ويبدو أنهم رأوا أن تتولى الخرطوم مهمة ذلك في الإعداد للمفاوضات, وكان يفترض أن الحركات المسلحة لأنها جزء من قوى التغيير لا تحتاج إلى جوبا أو أمريكا لأنها في تحالف وجبهة واحدة. ولكنها يبدو أنها في اسم واحد من غير مسمى أو واقع، كنت أتوقع في جلسة واحدة يتم الانتهاء من المفاوضات، ولكن يبدو أن الجبهة الثورية شعرت بأنها جزء من التحالف أو الجبهة الحاكمة، بالتالي تريد الضغط على الحكومة كي تكسب أكبر كمية يمكن أن تحققها من خلال المفاوضات مثلما ضغطت على الإنقاذ تريد أن تمارس نفس الشيء مع الثورية.

التقديم والتأخير

صحيح أن الأمريكيين لديهم دور والأروبيين، ولكن للأسف الشديد الأفارقة لم يكن لديهم دور يذكر، وإنما ينفذون توصيات الأمريكان والأروبيين باعتبار الداعميين للاتحاد الأفريقي للمفاوضات، ولذلك من الأفضل أن تتولاها أمريكا مباشرة في الخرطوم أو غيرها، ولكن لا أتوقع أن قوى الحرية والتغيير ستقبل بذلك، لأنها إذا قبلت التدخل الأمريكي بهذه الصورة يعني (نحن لا قدمنا ولا أخرنا).

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى