الشيوعي والتصفية العنيفة ..

إن الذي يستمع إلى محتوى ندوات الحزب الشيوعي وتصريحات محمد مختار الخطيب، ويطالع بيانات أحزاب البعث الممزقة يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن شيئاً ما قادم، وربما سيكون الأسوأ في تاريخ الحركة السياسية السودانية، وهم أدركوا الغرق المحدق بهم بفعل ممارساتهم ويريدون القفز بما تبقى لهم من قوة سياسية أيدولوجية ومشاهدهم القميئة هذه تؤكد تسابقهم نحو نوافذ الخروج والتحلل من مسؤولية المرحلة الانتقالية، ولذلك كل واحد يريد أن يسبق الآخر للجلوس على كرسي المعارضة خاصة أن الشيوعي تاريخه يقول إنه ظل يحتفظ بالحكومة والمعارضة في وقت واحد.

 وبالرجوع إلى التاريخ الوطني للثورات السودانية، نجد أن الثورة أعمق من أن تتم سرقتها أو إخمادها بالجمع بين الحكم والمعارضة، كما يفعل الحزب الشيوعي السوداني اليوم. الحزب الشيوعي خدع الناس بشعاراته المناوئة للإسلام السياسي، فتخلص الناس من نظام الحكم ذي الوجه الإسلامي، لكنهم لم يتخلصوا من الإسلام الذي شرع الشيوعيون بكل قواهم للخلص منه واجتثاثه من جذوره في كل معاملات المجتمع.

 غير أنه يبدو أن المكون العسكري الذي أسهم في التغيير بقوة وهو المكون القومي الحارس  لمكتسبات الوطن أدرك بوضوح ما يحاك ضد الشعب من خلال الخطاب العنيف ومحاولة جر المجتمع للدخول في مواجهة شاملة عبر سلسلة أحداث بدأت في المدارس والجامعات والأحياء، وهو وضع كارثي إذا استمر دون ان يضع المكون العسكري خيارات يحافظ من خلالها على لحمة هذا الوطن وممسكاته.

 إن خطوات التصفيات العنيفة في الخدمة المدنية ومحاولة توليد صراعات المجتمع التي ورط الحزب الشيوعي فيها مكونات قوى الحرية والتغيير، سوف تفجر أزمات كارثية لأنها تستهدف تصفية الجيش والشرطة والدعم السريع تحت غطاء موالاة هذه الأجهزة للطبقة الحاكمة السابقة، وهو طعن في مهنية واحترافية هذه المؤسسات، هذا السيناريو معلوم وعلى الجيش أن يضعه في حسبانه.

 ومن أجل ثورة الشعب تخلى الجيش عن قائده الأعلى المشير عمر البشير، ولمصلحة الشعب تخلى عن الفريق أول ركن عوض بن عوف، لكن ضياع أسس التحالف العسكري مع قوى الحرية والتغيير اليوم وشروع قوى الحرية والتغيير في حملة مواجهة وتشويه للأجهزة العسكرية وتكوين مجلس الوزراء لجنة تحقيق في قضية فض الاعتصام، هي كلها خطوات وتمظهرات لمحاصرة العساكر، وما هي إلا حبكة قد تذهب ببعضهم إلى لاهاي طال الزمن، لأن الحملات والمظاهرات الليلية الجديدة لا تذهب إلا في هذا المنحى فهو وضع جعل العسكر بحاجة الى ظهير وتغطية سياسية تعتمد على قوة شعبية تساعدهم في امتصاص الحالة الثورية المصنوعة والنجاح في إضعاف تأثير الحزب الشيوعي ضدهم، وهذه قد تضطرهم في مرحلة أولى إلى التخلص من رموز كبيرة من على سدة الحكم من خلال التعاون مع بعض مكونات قوى الحرية والتغيير الإيجابية داخل مجلس الوزراء والسيادي، فالمهام التي يقتضيها إنفاذ مطلوبات التغيير والمحافظة على تماسك الوطن ومعالجة مشكلاته، تتطلب وجود قيادات بمواصفات محددة حتى تتمكن  من التعاون وتحقيق الاستقرار والسلام وبترسيخ قيم ومبادئ الحرية والسلام والعدالة، فإن تحقيق ذلك سيكون مكسباً تاريخياً للوطن وتمهيداً واستعداداً للتطورات السياسية اللاحقة نحو تمكين وتطبيق الديمقراطية وإقامة دولة القانون دون تصفية حسابات شخصية، ولا إزالة تمكين بتمكين آخر أكثر بشاعة ـ فإذا لم يتم ذلك، فإن الحزب الشيوعي وحلفاءه سيحولون هذ البلد إلى خراب، ساعتها ولات حين مندم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى