في خوض الخائضين..!

“من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”.. الإمام الغزالي..!

 

تابعت باهتمام كبير سجالات بعض الكُتّاب والقراء في موقع إسفيري حول بعض المسلمات المتداولة عن أحداث بعينها في تاريخ صدر الإسلام .. ما أثار اهتمامي في ذلك السجال – أكثر من الخيط نفسه – هو ذلك الغرور الفكري الذي غلف ردود أفعال معظم المتداخلين وكأنهم ورثة الأنبياء في الأرض..!

ما زلت عند رأيي حول ذلك النهج الإقصائي الذي توارثه ــ بتصرف ــ بعض المتشددين عن علماء وفقهاء كبار تجنبوا الخوض في بعض الأحداث التاريخية بنية المحافظة على نقاء الدين، فميزوا بين العامة “أنتم .. ونحن .. وهؤلاء .. وأولئك”، والخاصة “العلماء والفقهاء وطلبة العلم المحققين” فيما يجب أو يحق لكل منا معرفته من أمور هذا الدين.. وأي نقاش لتلك المسلمات المتوارثة يجعل هؤلاء وأولئك يفقدون

السيطرة على منهجية علمية، فقهية، محققة، حذرة، متشككة،  ظلت طوال أربعة عشر قرناً من الزمان تقرر وترسم حدود معرفة “العامة” ببعض “الخاص”..!

مع أن تلك الحقائق كلها مبذولة – بطريقة أو بأخرى – في الأضابير.. ابن قتيبة والطبري يرويان في بعضها مواقف متباينة حول بعض الأزمات والفتن بين الصحابة، مثل حادثة خروج الإمام الحسين التي وافقه بعض العلماء والفقهاء في المبدأ والغاية منها، لكنهم خالفوه في الحسابات السياسية، واعتبارات ميزان القوى، منهم سعيد ابن المسيب الذي أعلنها صريحة “ليت حسيناً لم يخرج لمعاوية”..!

ومن أصحاب تلك الآراء الإمام البخاري الذي حكَّم المنهجية العلمية في موقفه من رواة الحديث الخوارج رغم مآخذه عليهم، والتي منها قتل علي بن أبي طالب، لكنه مع ذلك أخذ عنهم ما انطبقت عليه شروطهم من الحديث..!

بل أن بعض المؤرخين – أمثال نفطويه – أوغلوا أكثر فقالوا إن جل الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً إليهم، لكننا إذا احتكمنا إلى مواقف رسولنا الكريم سنجده لم يكن راضياً عن قتل خالد بن الوليد بني جذيمة، وكيف غضب عندما جاءه أسامة بن زيد شفيعاً للمرأة الشريفة التي سرقت، فقال مخاطباً إياه “ويلك أتشفع في حد من حدود الله”..!

إذا قال لك أحدهم إن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليس المقصود بسبب نزول سورة (عبس)، وإنّما المقصود بها أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله على عدم تحري اللطف في معاملة الأعمى الفقير فهل تقبل بهذا التفسير الذي يزيح عبء العتب الرباني عن كاهل سيد الخلق أجمعين؟! .. كلا بالطبع ستقول إنها نزلت في شأن رسولنا الكريم مع ابن أم مكتوم، لأنك تعلم أنه بشر، وهو المعصوم..!

    وقد تحدث بعض العلماء عن ملاحظات بعض الصحابة على مواقف لسيدنا عثمان في تصريف الخلافة، وعن هذا يقول بعض الفقهاء  “إن الصحابة ليسوا ملائكة وليست لهم عصمة أو قدسية، ولا حرج من نقدهم في أفعالهم لأن الرجال هم الذين يصنعون المواقف وليس العكس”.. فما هو وجه الإنكار في حديث المنكرين لمناقشة وقائع تاريخية أبطالها بشر خطاءون ..لا تنفي بعض هناتهم أفضالهم ولا تقدح بعض آرائهم في أفضليتهم .. رضوان الله عليهم أجمعين..؟!

الملاحظ أن معظم روايات المتشددين التي نسبوها إلى بعض الصحابة ــ رضى الله عنهم – هي البذور التي أضحت ثماراً لفقه التطرف الديني الذي أفضى إلى الإرهاب.. لا ضير إذاً في التحقّق من بعضها ــ وتبيان علاتها من علماء الأمة وفقهائها الثقاة ــ من باب نصرة الإسلام الحق وتنوير المسلمين .. فهل – يا ترى – من مُذَّكٍر ..؟!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى