في قِصص الشعوب..!

“الشعوب لا تحيا ولا تتقدم إلا بقدر ما تخرج على المنطق”.. عبد الله القصيمي..!

(1)

يقال بأنّ أبيات الشاعر الدارمي – التي مطلعها “قل للمليحة في الخمار الأسود، ماذا فعلت بناسك متعبد” – هي أول إعلان تجاري في العالم انطلق من المدينة المنورة. فقد كان أحد أصدقاء هذا الشاعر تاجر أقمشة حاول أن يبيع نساء المدينة خُمُراً عراقية سوداء اللون، فكَسَدَت بضاعته لأنّ اللون الأسود لم يكن مرغوباً عند نساء المدينة. وفي مُحاولةٍ لإنقاذ صديقه “نجر” الشاعر هذه الأبيات ودفع بها إلى مغني المدينة، فلم تبق امرأة إلا واشترت من صديقه التاجر خماراً أسود. والسبب مفهوم بالطبع!. هكذا يقول مُؤرِّخو العرب، لكن مُؤرِّخي الغرب الذين لا يَعرفون الدارمي يقولون بأن أول إعلان تجاري في العالم ظهر في صحيفة أسبوعية ألمانية عام 1591م. بينما يقول آخرون إنّ بعض الرموز البدائية المنقوشة على الصخور، والتي تعود إلى ما قبل التاريخ، لم تكن سوى إعلانات – “عرض خاص” – على لحوم الفَيَلَة. أما اليوم فقد أصبح الإعلان يعتمد على حيلٍ وألاعيب نفسية، تُركت دُون رِقابةٍ فسيطرت على حياة الناس وأصبح الكثيرون أسرى لها..!

 (2)

اللورد البريطاني ساندوتش – الذي عاش في القرن الثامن عشر – حَقّقَ لبلاده الكثير من الاكتشافات البحرية والنجاحات المهنية، لكنها لم تخلد ذكراه بقدر ما فعل اختراعه العفوي للساندوتش – أشهر صيغ وجبات الطعام السريع رواجاً في العالم – فعلى ذمة التاريخ كان الخواجة ساندوتش مُولعاً بلعب القمار حَدّ الإدمان، وعندما كان خادمه يخبره بجاهزية وجبة طعامه لم تكن نفسه تُطاوعه على ترك المقامرة ولو لدقائق معدودات. فكان يطلب من الخادم أن يأتيه بقطعة من اللحم محشوة بين قطعتين من الخُبز يسهل التهامها في أثناء اللعب!. بطبيعة الحال لم يكن في نِيّة الرجل – قط! – أن يهدي البشرية طريقة جديدة في تناوُل وجبة طعام بشكلٍ يتناسب مع ضيق الوقت أو ضيق المقام، لكنه فعل لدواعٍ شخصية، ثم قلَّده الناس. وهكذا دوماً يفعلون!. حتى انتقل الساندوتش من موائد النبلاء الإنجليز إلى سُكّان القرى في العالم الثالث، وظلّ الوجبة الشعبية الأشهر منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا..!

(3)

الفيلم الأمريكي الساخر “ذيل الكلب” – المأخوذ من رواية “بطل أمريكي” للكاتب لاري بينهارت – والذي تَدُور أحداثه حول اشتراك مُنتج هوليوودي والقائمون على حملة الرئيس الأمريكي في افتعال إعلامي لأحداث حربٍ كاملة في ألبانيا، وإظهار سجين مُختل عقلياً كشهيد وبطل قومي ..إلخ.. للتغطية على فضيحة أخلاقية لرئيس البلاد، قبل أربعة عشر يوماً – فقط – من موعد الانتخابات الأمريكية، قدّم صورة فنية كاريكاتورية لمظاهر استماتة البيت الأبيض في تلميع صُورته الإعلامية أمام الناخب ودافع الضرائب الأمريكي. وفي رسالة الفيلم حكمة تقول، إنّ الإعلام سلاح خطير على عدوك إذا أحسنت استغلاله، خطيرٌ في القضاء عليك إذا أسأت استخدامه. ومنشأ خُطُورة الإعلام – أيضاً – هو أنّ النجاح فيه يتوقّف على “الإقناع” وليس “المصداقية”. فالروايات المُنمّقة بالحجج والبراهين -وإن كانت باطلة – أحب إلى الجماهير من الحكايات المتعثّرة بضعف الحجة، وإن كانت صادقة..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى