محكمة للتاريخ

السيد  وزير  العدل  لا يكف  عن الحديث  الدائم  عن تسليم  الرئيس  عمر  البشير  إلى المحكمة  الجنائية  في لاهاي  لمحاكمته  هناك  في قضية  مقتل  آلاف  السودانيين  في حرب  دارفور،  وهو  ذات  الموقف  الذي  تطالب به  حركتا  تحرير  السودان  بقيادة  مني  أركو مناوي  وحركة  تحرير  السودان  برئاسة  عبد الواحد  محمد  نور،  وينسجم  موقف  الوزير  مع مواقف  كثير  من قادة  الحركات المسلحة  بما  في ذلك  حركة  العدل والمساواة  والحركة  الشعبية،  لكن  قرار  تسليم  الرئيس السابق  وبعض  معاونيه  إلى محكمة  لاهاي  ليس  قرارًا  فنياً  يتخذه  وزير  العدل  كمستشار  للجهاز  التنفيذي،  ولا  قرار  محاكمة  عليا  أو  محكمة  دستورية،  ولكنه  قرار  سياسي  يتخذه  السودان  كدولة  ويتحمل  تبعات  ذلك  من اعتراف  بقصور  القضاء  الوطني  أو  عجزه  ـو  عدم  رغبته  في  النظر  في أكثر  القضايا  تعقيداً  في القرن  الحالي،  وما يمكن  أن تجره  القضية  من تبعات  حتى لقادة  نافذين  في الدولة  تطالهم  الاتهامات،  وقد  تطلب  المحكمة  شهادتهم  أو  توجيه  تهم  لهم  في ذات  القضية.

بعض  من أنصار  النظام السابق  يعتقدون  أن البشير  في  ظل  الأوضاع  الحالية ومحاولة تجيير القانون  لخدمة  الأجندة  السياسية وتعيين  قضاة  ناشطين  في تحالف  قوى الحرية والتغيير  وتعيين  نائب  عام  ومكتب  نائب  عام  جميعهم  من  قوى  الحرية والتغيير  التي  أصبحت  الخصم  والحكم،  القاضي  والشاهد  والجلاد،  أفضل  للبشير  وبقية  المتهمين  القضاء  الدولي  الذي  يوفر  على الأقل  مظلة  عدلية  معقولة  ويتم  حبس  المتهمين  في  ظروف  أفضل  من الظروف التي  يُحبس  فيها  المتهمون  حالياً  وفرص  دفاع  أفضل  وشهود  لا يتعرضون  للضغوط  والتهديد  والوعيد.

ولكن  الرأي  الغالب  يقول  إن القضاء  الوطني  بخير  ومستقل،  والعبرة  بصدور  الحكم  النهائي  وأن قضاة  السودان  قد  أثبتوا  عبر  الحقب  التاريخية  أنهم  قضاة  عدول  لا تأخذهم  في الحق  لومة  لائم.

لكن  في مسارات  قضية  البشير الحالية  افترعت  قضايا  جانبية  مثل  قضية  المتعاملين  بالنقد الأجنبي،  وهم  كثر  بعدد  الحصى،  وكل  شركات  البترول  والاتصالات  والدقيق  والمطاحن  والوقود  تشتري  الدولار  من السوق لتغطية التزاماتها الخارجية، وهي سبب  رئيسي  في تدني  سعر  العملة  الوطنية  وارتفاع  سعر  العملة  الأجنبية.

ولكن  النيابة  العامة  والمحكمة  مارست  تمييزاً  مريباً عندما  فتحت  بلاغات  في مواجهة  مدير  شركة  واحدة  من جملة  خمس  شركات  توفر  الدقيق  من مطاحنها  للشعب  السوداني  وبسعر  متفق  عليه  مع وزارة  المالية  والشركات  الأربع  التي تسلمت  دولارات  من شركات  تتبع  لجهاز  الأمن  وللجيش  لم تلاحقها  المحكمة  التي  أغمضت  عينيها  عن شركة  أسامة داؤود  التي  باعتراف  اللواء  أمن  الشكري  وأمام  المحكمة  بأنها  قبضت  من جهاز  الأمن  مبلغ  خمسة ملايين  دولار  أمريكي  وشركة  ويتا  قبضت  دولاراتها  وشركة  الحمامة وروتانا كل  تلك  المطاحن  تعاملت  مع الحكومة  بالدولار  وخارج  بنك  السودان  القيم  على مثل  هذه  المعاملات،  ولكن  المحكمة  اختارت  فقط  شركة  واحدة  هي سين ومديرها  العام طارق سر الختم  ووجهت  إليه  تهمة  التعامل  بالنقد  الأجنبي  مع الرئيس  السابق عمر البشير،  وهو  لم يتسلم  مبالغ  مالية  بالدولار  مقابل  العملة  الوطنية  التي سلمها  لمدير  مكتب  الرئيس،  وظل  منتظراً  أن يقبض  دولارات مثلما  قبض  أسامة  داؤود،  ولكن  داهمت  البلاد  الانتفاضة  ووجدت  العملة  الوطنية  في بيت  الرئيس  تمت تعبئتها  في جوالات  مكتوب  عليها  شركة  سين  فاتخذت  ذريعة  لإدانة  شركة  واحدة  وترك  الباقين  لاعتبارات  لا ينبغي  لأهل  القانون  الخضوع  لها  وإلا  أصبح القانون  في استراحة والعدل  غائب،  والقيم  مهدرة!! ولكن يقولون الأمن  مستتب  وكل  شيء تمام  يا رفاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى