حميدتي حِرِد!!

اشتعلت في بورتسودان ولم تنطفِ إلا بعد أن تقدّم لها حميدتي.
(تشيلوا حطبكم فوق راسكو دا)
حينما تكون لمثل هذه الكلمات البسيطة تلك القدرة الفذّة على كسر الجمود واختراق التعقيدات وحسم (النقة).
بينما كَانَ الناس يتقعّرون وينظِّرون بمنطق مُبينٍ على عجزه المَاثل عن حماية أنفسنا من شُحها وغبائنها المُتراكمة والزائدة المُسترسلة لحظة وأخرى، فإنّ الدّهشة ألجمتنا ونحن نرى كيف أنّ ذات (التاتشر) التي ضاجرت كوبري الحديد لشُهور تعود لتحاول أن تخفف من (وطأة المُواصلات) على المساكين الغلابة وشُفّع العرب الفتارى.. ليقف الضابط صائحاً وكأنه قومسنجي:
(بحري.. بحري.. بحري).
ولا أحدٌ من المَلكية وأكوام الأفندية الذين ندفع لهم من “دم قلبنا” يطل علينا ليقول المُشكلة مكانها وين؟! ولا كيف ومتى ستُحل؟!.
ونعرف أنهم لا ينتظرون جزاءً ولا شكورا.. لكن شتيمة ما تأتي من أسافير الضرار وتأبى إلا أن تنغص علينا نصف ابتهاجنا وتحاول أن تقتل ملامح تلك المروءة الأصيلة والتداعي النبيل.. فتخط بأرواح خرّبها الشيطان:
(لمُّوا عليكم عرباتكم).
وكأنّما حيِّزت لهم كل التّصرُّفات الناقلة والمُقيّدة لمقاديرنا فتناوبونا لتخريب الدنيا بعد أن اجتهدوا حتى سيداو في خراب آخرتنا.
حميدتي مننا وفينا..
يحس بآلامنا وأوجاعنا.. ولذا يدلف مُباشرةً إلى مظان الأزمات واحتمالات الفرج.. بينما يتلاوى الناس ويتلووا من فرط إدمان (التراشق) و(المُماعطة).
وطأت جهوده الصعاب وجرّب كل الاختيارات واختبرها، لكنه ورغم صُعوبة المشوار ورغم ضراوة التيار وعثمان ميرغني لم يفعل شيئاً يُنافي ما يراه، حتى الآن لم يلف على رقبته من حبال سوى تلك الكلمات التي أضاءت العتمة:
(زمن الغتغتة والدسديس انتهى).
لم يفعل إلا ضميره، فإن أخطأ فله أجران وحُب البسطاء والمساكين والغبش.
احتمل في جوبا غطرسة الحركات المُسلّحة واجترائها حتى في شكليات التوقيع ليعود ويوشي مُبادراته بالقافلة الصحية لمُكافحة الكوليرا وحمى الضنك والكنكشة في ولايات (كسلا، سنار والنيل الأزرق).. فلما رأوه سيئت وجوههم وأزبدوا وأرعدوا واحتجوا على نجاعة الفكرة وصوابها وابتكارها واتقان تنفيذها على هذا النحو المبهر، لا أدري ما الذي أزعجهم ليذهبوا إلى تلك الناحية القصِيّة من التوحُّش الغابي.. وبنغمة جماعية مشروخة وتحت قيادة تجمع المهنيين، أرسلوا غبائنهم وغبائهم والسّباب ليشتموا (محمد الفكي سليمان، رجاء نيكولا، عائشة موسى وحسن محمد إدريس) أعضاء مجلس السيادة وحتى (دسِّيس مان) عضو قيادة مجلس الثورة!! لمُشاركتهم في تدشين القافلة الصحية.. وكأنما سيقت هذه (التجريدة) لبسط نُفُوذ النظام العام الذي يرفضونه أو كأنّهم تخوّفوا منها على (كنكشتهم) و(الضنك) -المرضي والمعاشي- المُتمدّد على شعبهم بفضل انشغالاتهم اللاهية وقُصُورهم عن إدراك وترتيب الأولويات.. وليتهم في أحسن الظن تشكّكوا من اختيار تلك الولايات دُون بقية البلاد أو (شنّفوا) ما حملته القافلة من مُعيناتٍ، لقلنا إنهم يطلبون الكمال.
الكوليرا وعن حق هي في عقول الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل.. لا يرحمونا ولا يُريدون للرحمة أن تتنزّل.. أما أن يأتي الخير على يديهم أو فلا!!..
أخي حميدتي ..
لماذا تلوِّن واجهات الأُفق للعميان والشاكين من رمد البصيرة والغباء.. لا تبكي ولا ترق لحاسديك.. لا تفعل شيئاً ودعهم وما حَاقَ في ذواتهم المريضة من أذى.
يا الشايل هموم الناس
وهمُّو العندو غالبو يشيلو
(أحرد)..
ولا تُبادر..
فليذهبوا إلى مناطق الالتهابات..
وليعدُّوا لها عدّتها.. بل دعهم وأحلام زيدان الكسلان.. ودولار الكرامة.. ومُنظّمة كفاية..
وولادة المحن.. وأصدقاء السودان المُتربِّصين.
وتعال معنا إلى (عمود الحلة) و(الترتار) و(عشرة حريق غير مُطعّمة) بعد أن تأخذ (نومتك حتى الضهرية).. ولنعطهم كل السودان لأسبوعٍ فقط بلا همتنا المُدّخرة وقلبنا الشجاع.. ولأن إصرارهم أن تكون لعبتهم بهذه (التفاهة) فقليل من (البلادة) لا يضر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى