الحلول السهلة

* تستحق الحكومة الانتقالية منا التقدير والإشادة وهي تُبدي حرصها على تحقيق السلام وتقدِّم التنازُلات الكبيرة من أجل تجفيف بؤر النزاعات وحقن دماء أهل السودان، وحتى لحظة رفع مُفاوضات السلام لمدة شهر للتشاوُر حول الورقة التي قدّمتها الحركة الشعبية، فإنّ حكومة الدكتور عبد الله حمدوك بمجلسها السيادي ومجلس وزرائها، قد حقّقت قدراً كبيراً من النجاح في ملف المُفاوضات مع الجبهة الثورية من جهة، والحركة الشعبية من جهةٍ ثانيةٍ. 

وأكبر النجاحات تتمثل في عودة الثقة بين الفرقاء.. والثقة هي أساس عملية الحوار والتفاوُض، وحسناً اختارت الحكومة الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة لقيادة التفاوُض والفريق العسكري والسياسي الذي يقوده شمس الدين كباشي، لأنّ الحوار المُنتج ينهض بين الفرقاء في الفكرة والعقيدة السياسية ولا ينهض الحوار بين المُتشابهين والمتفقين.. ومن أجل السلام قدّمت الحكومة حزمة تنازلات كبيرة وجدت التقدير والإشادة حتى من غلاة المُتشدِّدين أمثال رئيس وفد التفاوُض من جهة عبد العزيز الحلو (الكومرت) عمار أمون، الذي تحدث إيجاباً لأول مرة عن حكومة السودان، واعترف بأن ما تحقق من تقدم في المفاوضات خلال الجولة الماضية فقط لم يتحقق طوال (22) جولة تفاوُض مع النظام السابق وتلك حقيقية لا مراء فيها.

أهم التنازلات التي قدمتها الحكومة بين يدي الحركة الشعبية، إعلانها بفتح حدود السودان وأجوائه لاستقبال الإغاثة من المانحين للمناطق التي تُسيطر عليها الحركة الشعبية من غير أيِّ قيود أو ضوابط.. وقد كانت قضية الإغاثة والمعونات الإنسانية كعقبة كؤود حالت دون تحقيق أيِّ تَقدُّمٍ في المُفاوضات بين الحكومة السابقة والحركة الشعبية.

ثاني التنازُلات التي قدّمتها الحكومة حل قوات الدفاع الشعبي وإعلانها وقف إطلاق النار من غير تدابير كالرقابة الدولية والإقليمية واللجان المُشتركة.

ثالث التنازُلات إطلاق سراح كل أسرى الحرب والمُعتقلين السِّياسيين وتجفيف السجون من المعارضين.. وإطلاق حرية التنقل بين المناطق التي تسيطر عليها الحركة والمناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية.

هذه التنازُلات وغيرها جعلت المناخ ملائماً للتفاهُم حول القضايا الشائكة التي أدّت لنشوب الحرب.. ومن واقع منطقة جبال النوبة فإن موضوع إلغاء الشريعة الإسلامية لا يمثل معضلة كبيرة.. والشريعة التي أُعلنت منذ 1983م لم تصل لطروجي ولا هيبان ولا حتى كادُقلي والدلنج حتى الآن ولا تُشكِّل الشريعة مصدر قلق حتى لغير المُسلمين في تلك المناطق ولكنها أصبحت قضية للمُزايدة والابتزاز السياسي.. وعندما تصر الحركة الشعبية على إلغائها جهراً، فإنّ هناك من يشجعها لحسابات سياسية وليس لأنها قضية محلية.

القضية التي ربما أدّت لبعض التعثر تتمثل في مفهوم الحكم الذاتي المُلتبس لدى البعض من نخب المركز ويعتبرونه رديفاً للانفصال والحكم الذاتي الذي يجد تأييداً من مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق، حتى رئيس وفد التفاوض نفسه شمس الدين كباشي إذا جلس لنفسه لن يُعارض رغبة الأغلبية من مُواطني المنطقة، ومُهلة الشهر هي فرصة لالتقاط الأنفاس واستيعاب أهل المصلحة في المُفاوضات.. ودراسة هذا الملف بهدوءٍ داخل المنظومة السياسية لحكومة قِوى الحُرية والتّغيير وداخل شريكها العسكري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى