مات أصحاب الأفكار في زمان الانكسار ..!!

كان صيفاً قائظاً تفح سمومه حين ولد الرجل العصامي الراحل   محمد الأمين خليفة بمنطقة صقع الجمل بغرب كردفان التي قدم إليها والده الحاج خليفة وأسرته من منطقة أرمل قبل أن يتكامل استواء إقامته كأحد القادمين الى المنطقة من تخوم شرق دارفور الحبيبة. تعلم القرآن الكريم بخلاوى الأنصاري عمنا عمر عبد الله والد الراحل عبد الرحمن عمر أول نائب لدائرة دار حمر في البرلمان الأول 1953م، منها اكتسب محمد الأمين خليفة رسوخ الفكر الإسلامي والانتماء الوطني الأصيل.

 في ذلك الزمان لم يكن اعتناق الأفكار سهلاً، بل كانت له ضريبة باهظة الثمن، وكان لافتاً للانتباه والخوف حينها نفي الإنجليز لمعلمه الأول لحروف القرآن الشيخ عمر عبد الله من دارحمر أقاصي غرب كردفان إلى الدويم بالنيل الأبيض بسبب انتمائه لحركات التحرر الوطني ولاحقاً رفد ابنه عبدالرحمن من التعليم النظامي في كل السودان، وتلك قصة طويلة انتهت عند دائرة المهدي.  شب محمد الأمين خليفة في تلك البيئة القرآنية الملهمة فأدبته وأحسنت تأديبه ثم اقتنصته الحركة الإسلامية لأنها تفرست فيه مشاعر وسلوك رجل المستقبل، ثم تعاقبت السنوات ودارت دورة الأيام وجلس محمد الأمين على كرسي رئيس البرلمان السوداني في عهد الإنقاذ، فألح علي عمنا الرحل عبد الرحمن عمر بأن نزوره بطابع الزمان القديم الذي أنبت فيهم روح الإخاء والمحبة ورغبة في إحياء ذكريات الزمن الجميل تبديداً لظلام الانكسار. استقبلنا محمد الأمين خليفة، فأحسن وفادتنا بل خطب في الحراس ورجال الأمن بان يحسنوا التعامل مع هؤلاء الرجال أعضاء البرلمان الأول لأنهم أصحاب الفضل في بريق الاستقلال وطرد المستعمر.

بالأمس نعى الناعي محمد الأمين خليفة، وتناقلت الأسافير خبر الشؤم بمرويات مختلفة، وانقسم الناس ما بين مصدق ومتسائل هل حقا مات رجل الفكر والسلام والصدق والمبادئ، ولحق  بركب الصادقين من أجيال الحركة الإسلامية من الذين رووا نضارتها وملاحتها بفكرهم الوضيء وجملوها ببراحاتهم وسماحتهم البدوية ثم ظهرت الحركة أمام الملأ تشتري المواقف الأصيلة فسبح الله بحمده المثقفون والمنحدرون من بيوتات العز والطهارة من كل أطراف وأصقاع السودان انتماءً أصيلًا للفكر الحضاري النهضوي.

  اليوم أغلب المفكرين من لم يمت منهم انزوى وتهدمت جداريات الحركة الإسلامية بفعل الدراويش وانحسر فيضان حركة الإسلام وعادت إلى مستقر البدايات، ومضى البعض يحمل غضبه  بينما ظل الإسلام متقدماً مبنى ومعنى وبقي لحركة الإسلام نصف حائط ومشروع خرب هرب منه الكثيرون وتثاقل البعض عن سداد فاتورة ريه ونظافته فقضى أصحاب الافكار الخربة على نصف ما تبقى من المشروع ونبت عليه سلعلع الفكر اليساري والجمهوري البغيض وامتلأ جوف البعض غيظاً فكتموه خوفاً على الخطاب السياسي المتماهي وبعضهم كتم شهادته إغاظة في آخرين من أبناء الحركة الذين فارقوه.

 في حج العام 2017 م الموافق 1438هـ ترافقنا مع الراحل محمد الأمين خليفة واللواء فضل الله برمة ناصر والمهندس مصطفي مكي العوض، ومحمد المهدي حسن والسلطان محمد يوسف كبر واللوا الهادي آدم حامد وآخرين، كان محمد الأمين صبوراً على متاعب ومشاق الحج والسفر متأدباً بطبعه أمام الصغير والكبير، وقد اكتسبنا منه في الحج كثيراً من القييم، رجل مشبع بالفضل والامتنان، وكلما التقيت محمد الأمين خليفة حتى يقابلني بحنية ويبادر يسألني عن أحوال أهلنا في صقع الجمل وبعض الشخصيات.

 محمد خليفة رجل لا يغادر الخير  وجهه الصبوح لم يرهبه عنف السياسة ويثنيه عن مواقفه حينما والى الشيخ دكتور حسن الترابي أيام المفاصلة، مضى عصامياً فأهّل نفسه وأجاد تعلم اللغات الإنجليزية والفرنسية وشيء من الألمانية ثم واصل إصداراته الفكرية فكتب العديد من الكتب ومن مولفاته كتاب (تأملات حول النظام السياسي السوداني ) باللغتين العربية والإنجليزية وهو آخر ما كتبه دشنه قبل ايام على صفحته في الفيس بوك، وكأنه قصد أن يودع به الأجيال الجديدة كما لديه كتاب (خطى السلام خلال عشرة أعوام ) باللغتين العربية والإنجليزية وكتاب (خطى السلام في عهد الإنقاذ)، وكتاب (قضية السلام والحرب في جنوب السودان من منظور إسلامي)، وكانت له كتابات وحكايات ومقالات فكرية وصحفية وبحوث ودراسات  أخرى نشرت في منتديات وصحف محلية وعالمية.

 رحمة الله على محمد الأمين خليفة بقدر عطائه لأمته ووطنه وزيادة. اللهم أسكنه جناتك العلا واجعل مستقر رحمتك مقامه يا حنان يا منان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى