رحيل (الوفي) المثابر

*قطعًا  ليس هناك أشد قسوة وألماً على المرء أكثر من سماعه نبأ وفاة أخ عزيز وصديق كان أقرب مِن أخٍ له. 

*ويزداد الجرح فتقاً وألماً إذا ما كان هذا (الأخ العزيز) وفياً لفكرته، وإخوانه، صادقَ الوعدِ لهذهِ المبادئ  لآخرِ لحظةٍ قَبل أن يأخذهُ الموت مِن دنيانا الفانية …

*سحابة حزن ضخمة أخرى ظللت سماء دنياي فجر أمس وأنا أتلقى نبأ رحيل شيخي وأخي الحبيب (الراكز) العميد دكتور محمد الأمين خليفة، في العاصمة الألمانية برلين إثر عملية جراحية في القلب.

*دموع صامتة خرجت بحرقة تحمل مشاعر الحزن والأسى مني وأعتقد أنها خرجت كذلك من (مآقي) الآلاف ممن يعرفون فضل الرجل والجميع يودعه إلى مثواه الاأخير.

* تلقيت نبأ وفاة (محمد الأمين)  المفجع الذي هزَ قَلبي بصدمة قوية (رغم أن الموت حق) لم أقو على تحملها، مع ذلك لا أملك  في كل الأحوال إلا الدعاء والتضرع إلى الله أن يتغمد برحمته فقدنا (الجلل)، فهو الملاذ والمخرج الوحيد من حالة الحزن والأسى بكل هذه المشاعر الفياضة. 

* شريط ذكريات طويل امتد لعشرين عاماً تحديدًا منذ العام (1999)م وهو تاريخ اقترابي من الراحل أيام مفاصلة الإسلاميين، مر علي هذا الشريط مختزلاً ذكريات قريبة وبعيدة، لرجل استثنائي رحل عن دنيانا تاركاً لنا طيب عمل وحسن سيرة، ونقاء سريرة.

*خلال الـ(20) عاماً هذه رافقت الراحل في العديد من السفريات (الولائية) كمرافق صحفي لنشاط سياسي أو تنظيمي كلفه به حزبه (الشعبي) كانت أبرزها مرافقتي له إلى منطقة (همشكوريب) بشرق السودان حين أصابتها نكبة  في النصف الأول من العقد الماضي .

*كانت هذه الرحلات بجانب زياراتي الكثيرة للراحل في منزله  بكافوري ومكتبه في الحزب كفيلة بأن تبني له عندي رصيداً تراكمياً لمعرفتي اللصيقة به عنوانه العريض أني وجدته (رجلاً أمة) بكل ما تحمله هذه الجملة من معانٍ..   

*ولد الراحل في قرية ارمل ريفي النهود في غرب كرفان وتدرج بالمراحل الدراسية بالفاشر حتى دخوله كلية الآداب جامعة القاهرة بالخرطوم متخصصاً بعلم الاجتماع ثم متخرجًا من الكلية الحربية متدرجًا في السلك العسكري حتي ترأسه لجنة العلاقات الخارجية بمجلس ثورة الإنقاذ الوطني ومسؤولًا عن ملف السلام.
*ترك الفقيد السلك العسكري في العام 1992 متفرغاً للعمل السياسي والأكاديمي، حيث شغل (الرجل الأمة) منصب رئيس المجلس الوطني الانتقالي (1992-1996م)، ورئيس اتحاد البرلمان العربي 1994م .

*إبان مفاصلة الإسلاميين ترك الفقيد بريق السلطة والوزارة في العام 1999 خارجاً من المؤتمر الوطني ومؤيداً لحكم الشورى والحريات عبر المؤتمر الشعبي.

*محمد الأمين خليفة كان محباً للاطلاع والقراء، وهذه سمة لازمته منذ وقت مبكر، ولعل تلك السمة والمثابرة هي ما مكنته من مداومة وإكمال دراسته الجامعية والعسكرية التي بدأها كضابط صف إلى إنجازه رسالة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة السودان عام 2008م.
*رحل (الداعية القرآني المجاهد) ، ليرحل معه رمز الإخلاص والوفاء، لفكرة عاش لها وعاش بها، وعزاؤنا في تركه لنا إرثاً ضخماً من المؤلفات منها كتب (تأملات حول النظام السياسي السوداني) باللغتين العربية والإنجليزية، و(خطى السلام خلال عشرة أعوام) أيضًا باللغتين العربية والإنجليزية، و(خطى السلام خلال عهد الإنقاذ)، و(قضية السلام والحرب في جنوب السودان من منظور إسلامي)، و(حكاية الراوي)..
*اللهم إنه بين يديك الآن،  فارحم عبدك الوقور العفيف المثابر محمد الأمين خليفة رحمة واسعة  في السابقين الأولين واغفر له وتجاوز عن سيئاته وعظّم حسناته، واربط على قلب زوجه وأولاده ومحبيه وآجرهم في مصيبتهم هذه، أنك سميع مجيب .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى