رفع الحصانة.. بين حقوق المواطنة وهيبة الدولة

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

أثار موضوع “الحصانة” ورفعها عن الأشخاص الذين يتمتعون بها من الدستوريين وأفراد الأجهزة النظامية والبرلمانيين، لغطاً كبيراً دار خلال الفترة الأخيرة . بينما شغلت في وقت سابق من الربع الأخير من عمر حكومة الإنقاذ، الساحة السياسية كثيراً التنادي وسط البرلمانيين وبالصوت الجهير ضرورة “رفع الحصانة” من بعض الدستوريين ليتسنى لهم استدعاء المعنيين من المسوؤلين ليمثلوا أمامهم ومحاسبتهم ومساءلتهم، وذلك إبان قيام الحكومة بفتح ملف “محاسبة المسؤولين”، في إطار سعيها لمحاصرة ومحاربة ظاهرة الفساد بأنواعه المختلفة، والتي تفشت بصورة كبيرة في البلاد. 

ولم تقف مسيرة الاستفهامات الكبيرة من أن تجدد نفسها بمرور الأيام، فطفحت إلى السطح مؤخراً وخلال التجاذبات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على اتفاقيات “الوثيقة السياسية والدستورية”، مغالطات شديدة فيما يتعلق برفع الحصانة عن العسكر والمتورطين في أحداث فض الاعتصام، في أواخر شهر رمضان الفضيل، وأدت لمقتل الكثير من المعتصمين، فيما لا زال البعض منهم مفقوداً ولا يزال ذووهم ورفاقهم يطالبون الحكومة بالقصاص من الذين تسببوا في العملية المنكورة. 

وبالأمس القريب دفع الشيخ عبد الحي يوسف بعريضة للمحكمة الدستورية لرفع الحصانة عن وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي لمقاضاتها أمام نيابة المعلوماتية في اتهامات بإشانة السمعة والإساءة الشخصية له عبر فيسبوك.  ووفقاً لهذه الدعوة تكررت الإشارات فيما يتعلق برفع الحصانة وما يدور حولها، فما هي هذه الحصانة ومتى ترفع وما هي أسباب ودواعي رفعها، ولماذا الحصانة والقانون يطبق على الجميع حاكماً ومحكوماً، وما هي أنظمة الحكم ونوعيتها التي تتمحور فيها الحصانة وتأخذ فيها ركناً حصيناً يقيها كل التناوش؟.

الحصانة والتجريد

يقول أستاذ القانون الدولي د. إدريس مصطفى علي لـ(الصيحة)، إن عملية رفع الحصانة هي إجراء قانوني يتم اتخاذه في حق شخص يتمتع بالحصانة، وذلك بهدف تمكين القضاء من متابعة الإجراءات التي تشكل الشخصية المعنية طرفاً فيها. وأكد د. مصطفى بأنه يرجع التقرير في رفع الحصانة إلى أعضاء الهيئة التي ينتمي إليها الشخص المحصن، شخص نظامي أو عضو برلماني كان أو غيره، يتم تجريده من الحصانة بتصويت الأعضاء أو عبر المؤسسة المسؤولة عنه بالتوافق مع أنظمة الدولة أو وفقاً لسلطات بلاده. وحول ظهور ما يسمى بالحصانة في التاريخ الدولي والعالمي الحديث، يقول إدريس، إن ملامح التاريخ الحديث تشير إلى أن مفهوم الحصانة كان أول ظهور له خلال القرن الرابع عشر في بريطانيا، ثم في فرنسا مع قيام الثورة، إذ ظهرت الحاجة إلى الحصانة في ضوء التهديدات والضغوط التي يتعرض لها البرلمانيون خلال مزاولة عملهم من قبل السلطة التنفيذية والمتنفذين في أوساط العمال.

الحصانة وأسبابها 

وأكد د. إدريس أن الحصانة تعنى بمفهومين أساسيين، أولهما إعفاء المسؤول الدستوري أياً كان من أي مسؤولية قضائية قد تترتب على الآراء والمواقف التي يعبر عنها ويتخذها خلال عمله التنفيذي أو الدستوري، وذلك لتمكينه من أداء واجباته المفروضة عليه وفق الدستور وحمايته من التهديد والضغوط بما يجعله قادراً على ممارسة مهامه بحرية واستقلالية. وأشار إلى أن هناك هدفاً آخر يتعلق  بتحريم انتهاك حرية الشخص المسؤول صاحب الحصانة. 

وتماشياً مع هذا النحو، فيمنع على القضاء أو الشرطة دستورياً توقيف هذا المسؤول أو تجميد حريته وتحديدها، إلا بإذن مسبق. مؤكداً إن كل هذا الإجراء  يضمن للعضو المسوؤل استمرار عمله العام الذي يؤديه دون أي تأثير على أداء مهامه وألا يصبح عرضة للانتهاكات التي تحد من النشاط الموكل إليه للقيام به.

إجراءات نيابية

ويقول القانوني مصعب عبد الله، إنه وبعد إعمال المادة (٤٧) من قانون الإجراءات الجنائية من قبل وكيل النيابة المختص، يرفع الأمر لوكيل النيابة الأعلى وبدوره يقوم برفع الأمر لرئيس النيابة العامة بالولاية (حسب آخر منشور للمدعي العام في شأن إجراءات رفع الحصانة)، عند أخذ الإذن من الجهات المختصة، وتقوم النيابة بإجراءات رفع الحصانة مستندة على نص المادة (٣٥/٣) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تمنع فتح الدعوى الجنائية إلا بعد الحصول على الإذن. 

ويضيف مصعب بقوله: نظّم آخر منشور (للمدعي العام لحكومة السودان) في حالة تقديم بلاغ أو شكوى ضد شخص يتمتع بالحصانة الإجرائية أو الموضوعية، جاء في سابقة/ م أ/إ س ج/١٩٩٣/٧٣/ إغفال الحصول على الإذن في حالة الدعوى الجنائية يبطل الإجراءات لانعدام الإذن الذي تحرك به الدعوى الجنائية.

رد الطلب

أما موضوع  أن ترفع طلباً للمحكمة الدستورية تطالب فيه برفع الحصانة عن شخص ما، فيؤكد أنه تخطٍّ للإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية ويلزم شطبه، موضحاً أن ذلك يعني من المفترض تتبع إجراءات رفع الحصانة والتي حددها القانون دون رفع الطلب للمحكمة الدستورية وإذا رفضت الجهة المنوط بها رفع الحصانة الطلب، فيبقى أنها في هذه الحالة تعدت على حقك الدستوري ومن بعدها ترفع هذا الطلب لسلب هذا الحق الدستوري منك. ويبقى السؤال، هل من الممكن رفض هذا الطلب وفق المادة (٥٧) إجراءات جنائية من قبل وكيل النيابة المختص؟ مما يفوت على رافع الطلب للمحكمة الدستورية أي حجة قانونية تتطلب مناهضة القرار.

دولة القانون

تأتي المناداة برفع الحصانة لتأكيد أن لا أحد فوق القانون، في إطار الحكم الديمقراطي الرشيد، وفي الدول التي تكون فيها حق المواطنة مكفولاً وقيّماً على كل المواطنين كركن أصيل من أركان الدولة. ووفقاً لموقع الجزيرة نت، أن رفع الحصانة يأتي كإجراء ضامن لإنفاذ العدالة وضمان المساواة، فالحصانة امتياز يتمتع به الشخص ليس لذاته وإنما للمهام المنوطة به، وبالتالي فهي لا تعني امتيازاً مطلقاً. ففي حال ارتكاب صاحب الحصانة جريمة أو جنحة تتعلق بالحق العام، فإن العدالة تسري عليه ولكن وفق ضوابط معينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى