مُحاكمة البشير… جلسةٌ مُختلفةٌ

الخرطوم: أم سلمة العشا 

لَم تَكن توقُّعات المحكمة المُختصة التي تنظر في قضية يُمثل فيها الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، أن تمضي جلسات المحاكمة لسماع شهود الدفاع بخلاف الكشف المُرفق لها والمُعتمد من قِبل الهيئة نفسها، أكثر من (13) شاهداً في القضية استمعت المحكمة إلى إفاداتهم وأقوالهم.. قبيل أن تنخرط المَحكمة في سَمَاع الشهود، تقدّم ممثل الدفاع هاشم أبو بكر الجعلي بالتعقيب على بعض الطلبات التي رفضتها المحكمة، تتعلّق بتلاوة قرار صياغة التُّهمة وفقاً للمادة (147/2) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، بجانب طَلب تَوجيه التُّهمة للمُتّهم وتَحديد المَبالغ مَوضع البلاغ الحَالي للقَضية.

قراراتٌ مَرفوضةٌ

رفضٌ واضحٌ، استند فيه قاضي المحكمة المُكلّف د. الصادق عبد الرحمن الفكي، للحيثيات القانونية، وبمُوجب اعتراف المُتّهم نفسه، حينما تقدّمت هيئة الدفاع عن البشير عبر ممثلها هاشم أبو بكر الجعلي، بطلباتٍ كانت قد رفضتها المحكمة في الجلسة السابقة، حَيث أصدرت قراراً برفض طلب تلاوة قرار صياغة التُّهمة، وجاء طلب الدفاع لبَعض التّعديلات التي أدخلت على ورقة الاِتّهام وحذفت بعض المواد، وأبقت على بعضها، ورأي ممثل الدفاع أنّ الحذف أو الإضَافَة يُعتبران تَعديلاً لورقة الاِتّهام، هذا بخلاف إعادة الصياغة، ومضى الجعلي قائلاً: إنّ القانون أوجب على المحكمة إعادة الصياغة بمُوجب نص المادة (147/2) إجراءات جنائية بأن تتلو المحكمة ورقة الاتّهام الجديدة وتأخذ ردّ المُتّهم، والتمس الجعلي من المحكمة إعمال نَص المادة وُجُوباً، وتلاوة ورقة التُّهمة المُعدّلة على المُتّهم وأخذ ردّه عليها لأنّ ردّه تترتّب عليه طلبات تُقدّم للمحكمة .

تَعقيب اِتّهام

في المُقابل، اعترضت هيئة الاِتّهام عبر مُمثلها وكيل أعلى نيابة عامة مهلب عبد الرحمن، وعقّب على حديث الجعلي بأنّ نص المادة أساس الطلب جوازي وليس وجوبياً، فيما أصرّ الدفاع على طلبه بتلاوة ورقة الاِتّهام الجديدة وتأخذ رد المُتّهم عليها.. بينما جاء رد المحكمة المُتعلِّق بصياغة التُّهمة وتلاوتها والرد عليها أنّها مُراجعة، كما أنّ القرار كَانَ واضحاً وُضُوح الشمس في كبد السماء لا لبس فيه، وأنّ المحكمة في قرار التُّهمة حَذفت المادة (3/6) من أمر الطوارئ المُتعلِّقة بتخزين العُملة المحلية التي أُلغيت بقرارٍ من رئيس المجلس العسكري السابق بأثرٍ رجعي بتاريخ 11/4/2019، وأن البلاغ تم تقييده في 16/4/2019م.

إقحام فقرة

جَانبٌ آخر يتعلّق بحذف المادة (9) من قانون الثراء الحرام المُتعلِّقة بإبراء الذمة، حَيث رأي مُمثل الدفاع أنّ المحكمة أبقت على التُّهمة تحت المادة (5/9) المُتعلِّقة بالحيازة والتّعامُل بالنقد الأجنبي، والمادة (6/7) من قانون الثراء الحرام، حَيث رَأت المحكمة أنّ المُتّهم استفاد من إسقاط التهمة، طَالما أنّها لم تحدث تُهمة جديدة على المُتّهم، وبما أنّ النص جوازي بعدم إعادة الصياغة وهذا ما لم تَقُم به المحكمة في القرار السابق مِمّا يعني أنّه لم يطرأ عليها أيِّ تعديل، وأشار إلى أنّها تَستمر المُحاكمة بسببها، كما أنّ المَحكمة لا تُريد إقحام الفقرة الثانية، وعليه قرّرت رَفض الطلب والاِستمرار في الإجراءات.

تُهمة مُطلقة

لَم يَكتفِ ممثل الدفاع برفض الطلب الأول، ودفع بطلب ثانٍ من شقين حول توضيح التهمة، قال فيه إنّ المحكمة في جلسة التاسع عشر من سبتمبر أبقت على تُهمٍ تَحت طَائلة قَانُون الثّراء الحرام والمَشبوه والاِشتراك في التّعامُل بالنقد الأجنبي، حيث قال: جاءت التُّهمة مُطلقة وغير مُحَدّدة العَناصر والمعالم، إذ لم تُوضِّح التُّهمة المبلغ الذي أثرى بها مُوكلهم ثراءً حراماً أو مَشبُوهاً، لأنّ التُّهمة اِشتملت على مادتين مُتناقضتين إمّا أن يكون حَراماً خالصاً أو مَشبُوهاً، وتَحديد مَبلغ الاِتّهام أمرٌ واجبٌ، وَأَضَافَ: “أرست السَّوابق القضائيّة أنّ إغفال المبلغ مثار الاِتّهام يُؤثِّر على نتيجة الحكم أيّاً كان، وقد أوجبت السابقة وألزمت المحاكم بتحديد المبلغ مثار الاِتّهام”، وزاد ممثل الدفاع أنه جاء في قضية الاِتّهام وعلى لسان المُتحرِّي فقط أنّ التُّهمة بالثراء الحرام تَتعلّق بالمبلغ المَضبوط في مكاتب بيت الضيافة بعد مُغادرة مُوكلهم مقر إقامته إلى سجن كوبر.

تَقديم مُرافعة

لم يكن في وسع المحكمة أن تستمع إلى السرد الطويل في طلب مُمثل الدفاع بشأن عدم توضيح التُّهمة للبشير، حيث قاطعت المحكمة ممثل الدفاع حول سَردِه للطلب، واعتبرت أنّ ما يُقَدِّمه مُرافعة، وقالت له على أيِّ المواد يستند فيها على تقديمه للطلب..؟ واصل الدفاع بأنّه يستند على المادة (145/2) إجراءات والتي أوجبت على المحكمة ذكر العناصر الجوهرية للتُّهمة، كَمَا أنّهم فصلوا النص على الطلب المُقَدّم وفقاً لتفسير المحكمة العُليا بأنّ إغفال المبلغ إغفالٌ لعُنصر جَوهري من عَناصر الجَريمة، وأشار إلى أنّ المُتحرِّي قال إنّ المبلغ (25) مليون دولار، والاِتّهام ذكر أنّ المبلغ (7) ملايين دولار، وتَساءل ما هو المبلغ المُتّهم به موكلهم، والتمس من المحكمة تحديده، وطالبت المحكمة الدفاع باختصار طلبه للمرة الثانية، فردّ قائلاً: “بأنه الآن يخبط في المجهول خبط شعواء  وذلك نظراً لغُمُوض التهمة”، وَأَضَافَ “بأنّ علم القاضي أغزر من علمه، بيد أنّ المحكمة ردّت بأنّهم مُتَسَاوون في العلم”، وأوضح الدفاع بأنّه يَعمل عَلَى سَدّ الثّغرات فِي قَضيتهم، وطَالَبَ الاِتّهام بأن يكون واضحاً لهم ولمُوكلهم حتى يُؤسّس عليه خط الدفاع، وتساءل الدفاع: هل الاِتّهام المُوجّه بمبلغ الخمسة وعشرين مليوناً أم السبعة ملايين، وهل تتم مُحاكمته كرئيس جمهورية سابق أم موظف عام، وأين المبلغ الذي تم التّعامُل فيه مع طارق سر الختم المُتّهم الهارب..؟

حقائق ثابتة

عقب فراغ المحكمة من سماع ما أدلى به ممثل الدفاع، انهمك القاضي في الكتابة، وسَادَ القاعة صمتٌ رهيبٌ، وبرّر القاضي رفض القرارات من قِبل المحكمة لأنها تعاملت مع الحقائق الثابتة والبيِّنات، وقالت المحكمة في قرارها من خلال الطلب، إنّ الدفاع التف حول النص وكان مثار طلبٍ آخر، وأشارت إلى المبالغ المضبوطة ببيت الضيافة وهي (6,997,500) يورو ومبلغ (351) ألف جنيه، إلى جانب مبلغ (25) مليون جنيه سوداني، ولم تشر إلى مبلغ الـ(25) مليون دولار، وأشار فقط إلى المبلغ المضبوط، وأن المحكمة تعاملت مع الحقائق الثابتة والبيِّنات، وتعاملت فقط مع المبلغ المضبوط  وقامت بتوضيحه، أما بخصوص المادة (21)، فإنها أخذت حقها ومستحقها في ورقة الاِتّهام، وعند استجواب المُتّهم لم يحدد سعر الصرف مُقابل الجنيه السوداني، أما مسألة الـ(25) مليون دولار جاءت على لسان المُتّهم ولإثبات ما يدعونه يَجب الدفع بالبيِّنة المَقبولة، كَمَا أنّ عبء الإثبات يقع على الدفاع وليس الاِتّهام، وأنّ المَحكمة فصلت فيه بقرار توجيه التهمة، وفق ما رسم المشرع وفي إطار طلبات المُراجعة، ومضى القاضي أنّ المرحلة الآن تتعلّق  بتلقي بيِّنات مُستندية أو قولية.. أما تفصيل عناصر هذا الأمر سابقٌ لأوانه، واستند القاضي في ذلك وفق نص المادة (139) قانون الإجراءات الجنائية بمُناقشة تلك البيِّنات كل مواد الاِتّهام لمعرفة كل ما عليه تقرّر رفض الطلب والاستمرار في الإجراءات.

إضافة شُهُود 

تقدّم ممثل الدفاع بطلب للمحكمة بإضافة (4) شهود للإدلاء بأقوالهم في القضية، بخلاف الكشف المُرفق لدى المحكمة، غير أنّ المحكمة طالبت الدفاع بتسمية وتحديد الشُّهود، حيث التمس الدفاع تسليم المحكمة أسماء الشهود اليوم لسماعهم، وحَدّدَت المحكمة جلسة الخامس من أكتوبر لمُواصلة سماع بقية الشهود.

سَماع شُهود

واستمعت المحكمة لثلاثة شُهُود دِفَاع، مُمثلين لمُؤسّسات عامة وخاصّة، من بينها قناة “طيبة الفضائية”، حيث جزم مدير الشؤون القانونية بقناة “طيبة” بعدم وجود أيّة علاقة للرئيس المخلوع البشير بالقناة، وقال عند مثوله شاهداً للدفاع عن البشير بتُهم تتعلّق بالثراء الحرام والمشبوه والتّعامُل بالنقد الأجنبي أمام المحكمة أمس، إنّ القناة استلمت مبلغ (100) ألف يورو كدعمٍ مالي تبرُّعاً من البشير بتاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر العام الماضي، وتم تحرير إيصال باستلام المبلغ من الإدارة المالية وتسليمه لمندوب الرئيس آنذاك.

وقال الشاهد إنّ عبد الحي يوسف عضو في القناة، وإن القناة لديها مديران هما “صلاح الدين النور وماهر سالم”، ونفى معرفته بملاك الأسهم في القناة، وَأَكّدَ علمه باستلام المبلغ المذكور، وأضاف “أوجه صرف المبلغ لدى الإدارة المالية”.

فيما قال شاهد بالسلاح الطبي، أنّهم تلقوا دعماً لتأسيس بعض المشاريع، قسطرة القلب، الرنين المغنطيسي والأشعة المقطعية، ونفى صلته باستلام المبالغ التي رُصدت لتلك المشاريع، بينما قال ممثل المراجع القومي، شاهد الدفاع: حسب القانون لا بُدّ أن تُخضع كل الوحدات في الدولة للمُراجعة القانونية، وكشف عن حسابات خاصة برئاسة الجمهورية لا تُخضع للمُراجعة، وفي سؤال الاِتّهام عن الأموال المُجنّبَة، قال الشاهد إنّ أيِّ مالٍ مُجَنّبٍ يُعتبر مُخالفاً للقانون، وأضاف: أيِّ مَالٍ ينطبق عليه صفة المال العام يجب أن يورد إلى وزارة المالية، وأيِّ مالٍ حسب قانون الإجراءات المالية يجب إدخاله في حساب وزارة المالية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى