الموت القادم من الشرق والغرب

فزعت “قحت” في يوم الفاشر من فداحة ما حصل لـ(سلك والأصم) هناك.. لم تكن الورود حَاضرةً، فعادت سارة نقد الله لتقدم استقالتها والتزمت الخرطوم الذهول والصمت.. بينما نامت الفاشر هادئة ووادعة لبعض الوقت.

وقتها للأسف اِنبرت الجبهة الثورية لتصطاد في المُعتكر، وتقول إنّها وحدها من تملك الإذن بالدخول إلى تلك المناطق المقفولة!!

لم تناقش الصفوة السياسية موقعة إستاد الفاشر، حيث لم تشأ أن يعكر صفوها (شوية عيال) – مثلما قال بيان لتجمُّع المهنيين – وأنّ الأمر عابرٌ ومَعزولٌ ومنسي لن يُؤثِّر ولن يضر و(تمر أيّام وينسى غُرُوره ويلقي هوانا راجيه).

رجاءات الشرق القريبة التي خرجت موكباً ضد التهميش نهار الخميس الفائت، لتلامس بعضاً من ثورة الفاشر في غضبها البائن من المركز (الجديد القديم) الذي لم تسنح له الفرصة بعد لتعويض عجز الدولة السودانية عن الإيفاء بمُتطلبات بناء دولة وأمة عصريّة.

الثورة لا ينبغي أن تتوقّف عند حُدُود إعلان الانتصار و(وي وي وي).. بل ينبغي أن يلحقها سعي واجتهاد فكري مُتواصلٌ ودؤوبٌ لتوحيد هذه الأمة وفق فلسفة سياسية جامعة تُتيح للجميع الشعور بأنّ (هذه أمتكم أمة واحدة)، وأن الحرية والعدالة وتحقيق السعادة هي قيم يُساندها الجميع من أجل الجميع.. يجب أن تبدأ الحكومة مشروعها الوطني المُعلن، فتمنحنا بعض الثقة والأمل في وعيها بـ(باكر) المدخر لنا.. ذلك الوعي الذي (يتنزل من مناطق الوعي إلى مناطق اللا وعي).

إنّنا حينما نُعاني أو نتعرّض من حكومة الثورة لذات التّعاسة التي يُمكن توقعها في بلد من دون حكومة، فإنّ هتاف الجماهير المُستحق سيخنقها:

(يا ليتنا انكسرنا ولا بكم انتصرنا)

ذلك السعي يجب أن يبدأ الآن في أيِّ قاعة أو مُلتقى في حزمة من الأفكار المبثوثة ليعرف الناس أن قضاياهم ومصالحهم الحقيقية يتم تداولها على نحوٍ عميقٍ أبعد قليلاً من (الدسيس) و(الدسديس)، وأنّ عُلماءنا الأجلاء يَستطيعون أن (يكنسوا) مَجامير الصراع المُحدقة و(يمسحوا) الدمعة الحَرّاقة.. وهم من قبل وبعد قريبون من نصف رأي حكومتهم.

اخرجوا من (زنزانة الوثيقة).. و(جواز نكاح المرأة) و(تمثال عبد العظيم) و(صلعة أبو اللمين) وخوضوا فيما ينفع الناس.

خفتم أن تذكروا كيف يُدار السودان، وأفرغتم الوثيقة من أهم بنودها، وتركتم الأمر لرئيس الوزراء الذي اكتفى بإيراده خلسةً من بين كلمات عابرة في مؤتمره الصحفي لإعلان التشكيل الوزاري.. وحتى تلكم الكلمات كانت من قبيل طرح التّساؤُل للرأي العام للنقاش والإفادة، لذا ظَلّ السؤال حائراً وتغيبها: 

(كيف يحكم السودان)؟!.

1/ الدولة الموحدة التي تفوض السلطات؟!.

2/ النظام الفيدرالي الولائي؟!.

3/ النظام الفيدرالي الإقليمي؟!.

4/ النظام الفيدرالي الهجين؟!.

5/ الاتّحاد الحُر؟!.

6/ نُموذج الإجماع القومي؟!.

ثمة عصف ذهني ينتظر الجميع فلا تذهبوا عنه بعيداً، استحلاباً لـ(شُخب) الرضاء الكاذب وأحابيل الغبائن المُهلكة.

لا تستهينوا بـ(مغارز عبد الواحد) و(قطع الطريق القومي) و(احتجاجات كسلا)، ولا تتعاملوا مع حالات التبرُّم والضيق باعتبارها أزمة وتعدِّي، بل هي إشارات للخطر وأجراس إنذار لما ينبغي إنجازه في مُنهمك إعادة اللحمة الوطنية ومصالحة الأمة ومصالحها.

علينا أن نلتقي الآن.. إمساكاً بمعروف وتحديد دقيق للعقد الاجتماعي الجديد والتّوافُق أو تسريح بإحسان.. بدلاً من هذه المُغالبة التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد.

عهدنا على، حمدوك ألا تنتهك كرامتنا ولا تؤذي مصالحنا ولا يؤذي بعضنا بعضاً.. أجمع رأيك حول هذا والزم أو فغادر ساحليك إلى الأبد: 

قد رشحوك لأمرٍ إن فطٍنتَ له * * * فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى