دروسٌ من تجربة الكيزان (2-2)

بعد المُفاصّلة انفرق التنظيم عن عرّابه وقائده الملهم ومفكّره الرئيس.. أكلت الثورة أبوها.. وحاولت أن تقف وتمشي دونه دونما جدوى.. مثلما حدث للحزب الشيوعي بعد غياب عبد الخالق محجوب من توهان وفقدان للبوصلة حدث للحركة الإسلامية..

أولاً، صعدت مجموعات ضخمة من الصفوف الخلفية بل ومن خارج الصفوف إلى دائرة التأثير المُباشِر في حركة الدولة (طه نموذجًا)..

بفضل تغيير اتجاه العقلية الأمنية صوب الداخل (المُفاصل)، انعقد الرأي والفعل لمن لا تربطهم أي وشائج حقيقية وعميقة بالتنظيم وبدأ نجمهم في الصعود..

أكثرهم فجورًا في الخصومة وفحشاً، تأبّطوا كل الشرور ودان لهم (القصر) بعد أن أوى أولو الإربة إلى (المنشية) في خطوة اختطّها التّرابي بانفعال ظاهر وخيال قاصر..

كان يظن أن سحره لا يُجارَى وسطوته لا تُضارَع، ليسقط في امتحان قديم مكشوف…

(الما قادروا ما تهاظروا)..

(جفلن) من حوله تباعاً تلكم القواعد ولم يستطيع أن (يقرع) الباقين، لكنهما معاً مارسوا طقوس (الهياج)، وبدأوا حملتهم الضروس ضد إخوان الأمس خصوم اليوم..

و(أبو القدح بيعرف بكان يعضي أخو)..

إلى تلكم الطقوس تدين ثورة ديسمبر المجيدة بالكثير..

انساق نفر غير يسير من صفوة وأذكياء الحركة الإسلامية خلف الترابي مُخلصين ومُخبتين فلو خاض ثبج البحر لخاضوه معه..

كانت مفاصلة نوعية، إذ أذهبت عن التنظيم الرداء القومي الذي حصّنه وأعلى كعبه بفضل حمله لأهل الهامش.. فانفضّ غالب قيادات الحركة من أهل دارفور ولم يذهبوا مع من عندهم ذهبُ.. بل اختاروا الترابي والعدل والمساواة!!

بي هنا (جاطت)، وبعد الترابي لم يعُد ثمة كبير.. انتزعت تلك الآصرة وحلّت مكانها (الشلليات) ومراكز القوة الهشة، الرابط الذي يجمعهم معاً هو البشير ومزاجه المُتقلّب فتارة يميل والتانية جافي..

غابت الرؤية الكلية واستباحت العنصرية البغيضة والجهوية النتنة الساحة.. لتضيق القاعدة الاجتماعية لمشروعهم.. ويحل البشير مشروعاً قائماً بذاته تحمله النوائب وتحطه النكبات والمزاج.. وتتزيا معه ومُتماهية كل فرصة للنقاش.

مضت العشرون عاماً على أصول جديدة من التداوُل لا يملك التنظيم فيها (شروى نقير)!! حتى إن أمره بما فيه من خصوصية أصبح في يد البشير حجراً وقوامة!!

في السنوات العشر الأولي كان التنظيم والدولة والبشير في يد الجماعة.. 

ويد الله مع الجماعة..

بعد المفاصلة صار التنظيم والدولة والجماعة في يد البشير يقلبهم كيف يشاء..

الشورى لم تعُد مُلزمة ولا يبكي عليها أحد..

جرت محاولات إصلاح متعددة، ولكن لأن قاسمها المشترك كان البشير، جرت بلا روح وغابت عنها قوة الدفع الذاتية التي اتّسم بها التنظيم قبل أن يقوده أحدهم بالميري الكامل..

أيقن الترابي بعد زمن أخضر ضائع وطويل أن ما فعله يوم قرار المفاصلة لم يكن صائبا ولم يقُد إلى أي حلول عملية في تطوير خطاب الحركة وحركتها.. والخاسر الأكبر هي الحركة الإسلامية بكل شقوقها والتي أرغمها أن تبدأ مشواراً جديداً ومستحيلاً في اتجاهات مُتعدّدة ولكنها لا تؤدي إلى أي مكان.. وليس في العمر ما يكفي لبدايات جديدة..

سأعود…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى