عضو المجلس السيادي الفريق ركن “ياسر العطا” : هذه هي  أسرار سقوط “البشير”.. وتنبّأنا برحيله منذ يناير

البرهان كان أحد المنفذين لانقلاب (90) ضد الإنقاذ الذي أُعدم فيه ضباط رمضان

خشينا انشقاق القوات المسلحة وكنا نعمل على طمأنة صغار الرتب

تخوّفنا من قوات الدعم السريع واعتبرناها حامية للنظام وهذا ما دار بيني وبين عبد الرحيم دقلو

 

كشف عضو المجلس السيادي الفريق ركن ياسر العطا كواليس سقوط نظام البشير، وكيفية اجتماعاتهم وتخوفهم من انشقاق المؤسسة العسكرية مثلما حدث في سوريا، مؤكداً أن كل المؤشرات والاتصالات  التي كانت تتم أكدت جدية الحراك وضرورة تغيير نظام الإنقاذ ودولة الحزب الواحد.

ظل العطا على الرغم من اجتماعاته المتواصلة بالقصر يتحدث عن تفاصيل إسقاط النظام  مسترجعاً الكثيرمن الأحداث، بعضها للنشر وأخرى غير ذلك، مدافعاً ومنافحاً عن الفريق أول ركن عوض بن عوف واصفاً إياه بالحكمة، وأوضح كيفية الإطاحة به بسبب البيان.. الكثير من التفاصيل في هذا الحوار:

حوار ـ هبة محمود سعيد

تصوير ـ  محمد نور محكر

*دعنا نقلب معك سعادة الفريق كواليس سقوط (البشير)، ما الذي دار خلف كواليس المؤسسة العسكرية؟

بطبيعة عملنا كعسكريين كنا ننظر إلى تلك الثورة التي عمت كل أرجاء السودان، وإلى ذلك الحراك الثوري الكبير، وبصفتنا جهات أمنية وعسكرية كانت تأتينا المعلومات الدقيقة، وكانت كل الاتصالات التي تتم تقول إن هناك حراكاً حقيقياً ليس منه رجعة، وأنه لابد من تغيير نظام الإنقاذ ودولة اًلحزب الواحد.

*متى أيقنتم أن النظام ما عاد له أن يستمر؟

منذ يوم  4 ـ 6 يناير 2019

*في آخر حوار للفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” ذكر أنك كنت دائم التردد عليه وتطلب منه التدخل واستلام السلطة، فلماذا أنت تحديداً؟

مبتسماً.. ليس ياسر العطا وحده،  نحن كنا ننظر كضباط للجيش داخل القوات المسلحة إلى إن هناك وقتاً محدداً إن لم تتدخل فيه القوات المسلحة بصورة حاسمة قد تنفلت البلاد تماماً، وفي ذات الوقت إذا لم نتدخل نحن أو تأخرنا في التدخل، قد تؤدي إلى مزالق اقتتال داخلي أو انشقاق وتصدع داخل جسد المؤسسة العسكرية.

 *معادلة صعبة؟

نعم، كنا نشعر أن الضباط من الرتب الصغيرة والوسيطة بدأت في التململ، فهم وبحكم تجربتهم العسكرية يرون أن الجيش السوداني لديه إرث وعادات وأعراف وتقاليد في شكل الانحياز إلى الشعب، والجميع  يعلم ارتباط الجيش بالشعب وهو ارتباط كبير جداً، ولذلك كنا لا نريد لنظرة الشعب السوداني واحترامهم للجيش والمؤسسة العسكرية وهيبته وتفاخرهم به أن تقل إن نحن تأخرنا، ثانياً في ذات الوقت كنا لا نريد الاستعجال في التدخل لاعتبارات أن قد تكون هناك بعض الفئات قادرة على تحركات عسكرية لصالح النظام، وهذه كانت المشكلة في سوريا، عندما بدأت بعض الوحدات التعاطف مع الشعب، وأخرى تعاطفت مع النظام وبدأت مسألة الاقتتال التي انتهت بحرب أهلية عمت كل سوريا الشقيقة. ولذلك كانت معادلة صعبة بالنسبة لنا ما بين تحقيق خيار الشعب ورغبته ورغبات هؤلاء الشباب البواسل وبين الحفاظ على المؤسسة العسكرية من الانشقاق والتصدع والحفاظ على البلاد من الانجراف إلى اتون حرب أهلية فكان الخيار الصعب.

*كيف تجاوزتم هذه المعادلة وما هي متطلبات التدخل؟

المرحلة تطلبت جلوس القيادات التي كانت تشعر بالحراك الثوري، لابد من الحديث بينهم حتى يكون التدخل دون إراقة دماء ودون خسائر كبيرة في صفوف المؤسسة العسكرية وفي إمكانيات الدولة ومقدراتها وفي الشعب.

*هل كانت هناك جلسات سرية بينكم؟

في البداية كان لابد من جلسات تمهيدية، كنا نجلس مع عدد من الضباط معظمهم كانوا يحملون رتب لواءات وبعض العمداء والعقداء، وكنا نطمئن الضباط الصغار أن البلاد في ايد أمينة وأن قيادة القوات المسلحة في تجانس.

*من أبرزهم؟

لا داعي لذكر الأسماء تفصيلاً،  لكن عدد من القادة الموجودين الآن في القوات المسلحة برتبة لواء. كنت أنا وأحد اللواءات نذهب للقيادات الأعلى ونتحدث معها، ثم نقوم بمناقشة السيد الفريق البرهان ووصلنا إلى أنه لن نترك البلاد تنهار.

*لماذا الفريق البرهان تحديداً وهناك رتب أعلى منه؟

نحن داخل القوات المسلحة نعرف بعضنا تماماً،  نظهر أمام الشعب بمظهر واحد وهو الميري هذا، ولكن في داخلنا نعرف بعضاً كما ذكرت لك، وعندما نلجأ إلى الفريق أول البرهان، نلجأ له لأننا كنا نعرف أن شخصيته العسكرية متكاملة، فهو رجل خبر كل أنحاء السودان شمالاً وغرباً وجنوباً وشرقاً ووسطاً وعمل فيه، ويعرف كل التعقيدات القبلية والجهوية، وكنا نعرف حتى الشعور الداخلي  ومدى تجاوبه مع الحراك ونبض الشارع والثورية، ولا أذيع لك سراً أنه كان أحد الضباط  الأساسيين المنفذين لإنقلاب 90 ضد الإنقاذ الذي أعدم فيه 28 ضابطاً في رمضان، فكنا نعرفه ونعرف بالمقابل الآخرين.

*لماذا لم يسلم الفريق البرهان من ولائه للنظام السابق، وتم وصف المجلس العسكري بالمجلس الكيزاني؟

الفريق البرهان ليس لديه علاقة بما يشاع عن ولائه أنا أعرفه معرفة حقيقية، واتفقنا معه على أن نحافظ على القوات المسلحة والمنظومة العسكرية في أن لا تتقاتل في بعضها.

*أثناء اجتماعاتكم للمحافظة على المؤسسة العسكرية، ألم تتخوفوا من قوات الدعم السريع على اعتبارها قوات لحماية النظام؟

بالتأكيد، فقوات الدعم السريع كانت تتبع للقوات المسلحة منذ إنشائها باسم قوات حرس الحدود، ثم تم تغير اسمها إلى الدعم السريع، ونقلت تبعيتها إلى جهاز الأمن، ثم انتقلت إشرافيتها المباشرة تحت سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة. وخروجها من القوات المسلحة، ولّد لدينا شعوراً أنها قوات لحماية النظام من الجيش نفسه، ومسألة حميدتي وترددها في وسط قادة الضباط كانت تزيد من تولد هذا الشعور، لكن مع بدء الحراك، قادة الدعم السريع وتحديداً الأخ الفريق أول “حميدتي” أعلن بكل أمانة وكل وضوح أنه مع الثورة، وهو رجل صادق ورصيد حي وكبير جداً لمرور الفترة الانتقالية بصورة متوازنة والوصول إلى انتخابات حرة نزيهة وترسيخ المسألة الديمقراطية إذا الناس استفادت منه الفائدة القصوى.

*ما هي آلية التنسيق بينكم وقوات الدعم السريع أثناء الحراك وكيف استطعتم العمل سوياً؟

المخاوف كانت موجودة كما ذكرت لك، أنا تحدثت مع الفريق عبد الرحيم دقلو شقيق الفريق حميدتي، عن الوضع في البلاد وقال لي (نحن ما عندنا بندقية في الدعم السريع توجه ضد الشعب).

*تحدثت معه وفق أي منطلق، خوفاً على القوات المسلحة أم خوفاً على مصير البلاد من آخرين؟

تحدثت معه من منطلق أنني لا أريد أن يكون هناك اشتباك داخل الوحدات العسكرية إطلاقاً، كنت أريد الخروج من هذا الحراك الثوري وننحاز لخيارات الشارع السوداني بأقل ما يمكن من الخسائر، وكانت أكبر خسارة لنا هي خروج الدعم السريع عن اتجاه الشعب، حتى إن لم تسل قطرة دم واحدة فخروجها كان خسارة، (إذا قالوا والله نحن ما عندنا علاقة بيكم وعايزين نسرح قواتنا دي) فهي خسارة للعسكرية وللإقليم  وخسارة كبيرة للسودان، فالدعم السريع هي الاحتياطي الاستراتيجي لحماية الدولة.

*لماذ تعتبر خروجها خسارة؟

لسرعة حركتها وتجهيزاتها، فالجيش بتنظيمه وأعرافه وتقاليده حركته تكون بطيئة والدعم السريع، تم تكوينه على أساس خفة الحركة مع كثافة النيران.

*عندما تحدثت مع “عبد الرحيم دقلو” كنت واثقاً أنه سيلبس مطلبك؟

نعم، وكنت أعلم أنه سيناقش ذلك مع الفريق حميدتي.

*تحدث إلى حميدتي؟

نعم، وتفاجأت في اليوم التالي، وأنا كنت وقتها مديرًا للعمليات وكنا نعمل على تجهيز زيارة الرئيس السابق للجزيرة، أن حميدتي خاطب قواته بكلام واضح أن الدولة فيها الفساد والشعب لديه الحق في الخروج على الدولة، وأن الشعب لم يعد قادراً على إطعام نفسه والدولة لم تبذل جهدًا لمعالجة الأزمة وجميع الأموال لا تذهب إلى مطلوبات الشعب، وأوضح بكل شجاعة أن الدعم السريع ليس لديه أي بندقية واحدة ستوجه إلى الشعب السوداني. بعدها غطينا زيارة الرئيس وقمنا بتأمينها وعادت القوات، وفي اليوم الثاني كان هناك لقاء في بيت الضيافة جمع عدداً من العسكريين وطلب الرئيس من حمديتي المشاركة مع القوات الأخرى في تفريق المظاهرات وأمام الرئيس أوضح الفريق أول حميدتي  بكل شجاعة أن قواته غير مدربة للتعامل مع المواطن، وأنها مدربة للتعامل مع العدو في الحدود، وأنه لم يأت إلى العاصمة عقب استدعائه إلا لتأمين العاصمة فقط من حدوث انفلات أمني من أي جهات أخرى أو حدوث تفجيرات من قبل منظمات إرهابية، وأنه ليس مسؤولاً من مظاهرات وطبيعة عساكره طبيعة بدوية ليست طبيعة مدن ولا تعرف شكل التعامل مع الناس كيف يكون، وقال إن تفريق المتظاهرين جريمة لن يرتكبها إطلاقاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى