الخناق يضيق أكثر على حكومة الانقلاب مع تهاوي الجنيه

الصيحة: وكالات

شكل الانحدار السريع للعملة السودانية مؤشرا كبيرا على تزايد ملامح اختناق الاقتصاد وسط ترجيحات المحللين بالمزيد من الشلل مع اتساع المخاوف من استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى.

وأكد محللون وتجار ومواقع عالمية تراقب الأوضاع في البلاد أن قيمة الجنيه انهارت بشكل أكبر مؤخرا لتصل خسائرها منذ بداية الأزمة قبل قرابة ستة أشهر إلى أكثر من 40 في المئة.

وتأتي هذه التقارير وسط غياب مؤشرات حقيقية على نهاية الحرب في ظل تمسك طرفي النزاع بمواقفهما بشأن السيطرة على السلطة في البلاد رغم المحاولات من المجتمع الدولي.

وأكد متعاملون وتجار عملة أن الجنيه سجل الأحد الماضي “انخفاضا تاريخيا” مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازية.

وبينما نشر البنك المركزي أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه وحدد سعر الدولار بنحو 810 جنيهات، بلغت قيمة العملة الأميركية في السوق الموازية نحو 880 جنيها، وهو أدنى مستوى للعملة.

وقال أحد المتعاملين في مجال النقد الأجنبي لوكالة شينخوا “بلغ سعر الدولار 880 جنيها للشراء وهو أدنى مستوى تاريخي للعملة السودانية، و885 جنيها للبيع في السوق الموازية، مقارنة بحوالي 810 جنيهات في بعض البنوك المحلية”.

زهير البكري: التراجع المستمر لسعر صرف الجنيه مؤشر على انهيار قادم
وأوضح أن سعر الريال السعودي بلغ حوالي 225 جنيها في السوق السوداء للمرة الأولى، بينما يبلغ في البنوك نحو 196 جنيها، مما يؤكد مدى تأثير الأزمة العسكرية على سوق العملات.

وتبرز مشكلة سعر صرف العملة المنخفض كثيرا أمام الدولار كأحد العوامل الرئيسية التي تؤثر كثيرا على القدرة الشرائية كونها تفقد المداخيل قيمتها قياسا بما كانت عليه في السابق.

ويتوقع الخبير الاقتصادي زهير البكري أن تؤدي الحرب المستمرة منذ أشهر إلى تدهور اقتصادي كبير. وقال إن “التراجع المستمر لسعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية يشكل مؤشرا على انهيار قادم”.

وكان خفض قيمة الجنيه من أبرز وأصعب الخطوات التي اتخذتها البلاد في إطار سلسلة إصلاحات نفَّذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

وأدى تعويم العملة إلى استقرار سعر الصرف لأشهر، ولكن الاقتصاد الكلي تعرض لضغوط منذ أن أطاح الجيش بالحكومة التي كان يرأسها عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021، وعلق المقرضون الدوليون الكثير من المساعدات.

ويعاني معظم السودانيين من التضخم المرتفع والانخفاض الحاد في قيمة العملة وتدهور مستويات المعيشة منذ سنوات طويلة. ويعتمد حوالي ثلث السكان البالغ عددهم الإجمالي 46 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية.

وقللت الجهود الحكومية من مستويات التضخم التي تجاوزت 300 في المئة العام الماضي إلى 80 في المئة قبل الحرب، وكانت تستهدف بلوغه 25 في المئة بنهاية هذا العام، لكن لا توجد مؤشرات على أنه سينخفض.

ووجه الصراع المحتدم الذي يعصف بالبلاد منذ منتصف أبريل الماضي ضربة قاصمة للاقتصاد، كما عطل طرق التجارة الداخلية مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة.

عادل محجوب: إذا لم يتدخل المركزي فسيتخطى سعر الدولار الألفي جنيه
وتضررت الدولة بسبب تراجع الإيرادات العامة والخسائر الكبيرة التي طالت الناتج المحلي الإجمالي وتأثر جميع الأنشطة الاقتصادية.

وحتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع، عانى الاقتصاد من ركود عميق بسبب أزمة تعود إلى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

ويبدو أن السودانيين أمام موجة غلاء أخرى مع تعرض الجنيه إلى الانهيار وخاصة أنه يؤثر على استخدامات الدولار الجمركي في عمليات الاستيراد التي أضحت شحيحة للغاية.

ويتوقع الخبير الاقتصادي عادل محجوب أن يتخطى سعر صرف الدولار الأميركي حاجز الألف جنيه في غضون شهرين ما لم يتخذ البنك المركزي تدابير فعالة لإنقاذ الوضع.

وقال إنه “لا بد من تدخل عاجل من قبل البنك المركزي لاتخاذ تدابير لإصلاح سعر الصرف، والتحكم في سعر العملة الوطنية، وإلا فإن الانهيار الاقتصادي الشامل سيكون نتيجة حتمية”.

وفي منتصف 2021 ألغى السودان العمل بالدولار الجمركي المستخدم في تقييم السلع المستوردة. وقالت وزارة المالية في ذلك الوقت إن “القرار جاء استكمالا لتوحيد سعر الصرف”.

وأكدت الوزارة أن الإجراء لن يفضي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية المستوردة، أو مدخلات الزراعة والصناعة.

والدولار الجمركي هو سعر خاص للدولار الأميركي مقابل العملة المحلية، بأقل من سعر السوق، للحيلولة دون ارتفاع أسعار السلع للمستهلك النهائي.

وقبل قرار الإلغاء كان الدولار الجمركي يعادل حوالي 28 جنيها، بينما يبلغ سعر الدولار في السوق في ذلك الوقت نحو 375 جنيها.

ومر البلد الذي ظل مسؤولوه يكابدون من أجل تحسين المؤشرات السلبية بأزمات متكررة شملت نقصا في سلع رئيسية تشمل الخبز والطحين والوقود تفاقمت من جراء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية قبل عام ونصف العام.

وتشير التقديرات الدولية إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجع بمقدار 40 في المئة جراء النزاع. وقالت الأمم المتحدة مؤخرا إن “النشاط الاقتصادي تعطل وتعرضت القدرات الإنتاجية للخطر، وتوقفت عجلة الإنتاج والأنشطة بالكامل، ما أدى إلى بطالة جماعية”.

وبدءا من هذا العام، كان من المفترض أن تبدأ وتيرة تحسن الاقتصاد، حيث كان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس المقبلة بنسب تصل إلى 3 في المئة، دون أن يواجه أي انكماش، وفق صندوق النقد.

وفي ظل الوضع الراهن فإن ذروة البطالة لن تكون في حدود 33.1 في المئة كما كان يتوقعها صندوق النقد، بل ربما تزيد.

كما أنه من المستبعد أن تجني الدولة حوالي 50 في المئة من إيراداتها من الموارد الضريبية وفق مستهدفات ميزانية 2023.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأت السلطات في اتخاذ إجراءات صعبة في الوقت الذي كان ينتظر فيه هذا العام لحصد ما تحمله من أعباء.

ومن بين تلك التدابير ما قامت به الحكومة في العام الماضي عندما رفعت الدعم نهائياً عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي شملت تحرير العملة المحلية.

ومنذ انفصال جنوب السودان في العام 2011، تراجع إنتاج السودان من النفط، الأمر الذي دفعه إلى استيراد أكثر من 60 في المئة من احتياجاته من الوقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى