بدون زعل

عبد الحفيظ مريود
أمم متحدة، أها وتانى؟

عام ٢٠٠٩م، رافقت نائب رئيس الجمهورية، الأستاذ على عثمان محمد طه، لتغطية خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللقاءات الجانبية – كما هى العادة – لفتح “مسارات جديدة”، والبلاد على مشارف الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال…واحدة من الأحاديث المشوقة التى يمكن أن تخوضها هى تلك التى ستجمعك مع السفير خالد موسى دفع الله. كان يوشك أن يكون سفيرا، على ما أذكر..عبارة خالد موسى، السفير الكامل الدسم الآن، التى ما تزال عالقة فى ذهنى ( أخوانا ديل عندهم طريقة تفكير عجيبة..بفتكروا إنو لو جا شيخ على ح يحل كل مشاكلهم مع المجتمع الدولى، وح يرتب العلاقات مع الامريكان..طريقة عمل النظام الامريكى ما عندها علاقة بتصوراتهم)..خالد حينها كان ضمن طاقم السفارة فى واشنطن..ينضم طاقم واشنطن، أو بعضه ليساعد، كما صورت لى مخيلتى عن العمل الدبلوماسي..الأشخاص المفتاحيون المرافقون للسيد النائب كانوا : مصطفى عثمان اسماعيل، التجانى صالح فضيل، يحى حسين…والأشخاص العاديون كانوا : دينق ألور ” وزير الخارجية حينها”، بونا ملوال، الذى انضم إلى الوفد قادما من أكسفورد، حيث يقوم بالتدريس، والصحافيين، بالطبع : خضر الفحام، سيف الدين البشير، حسن ساتى، شخصى الضعيف، وحاتم حسن بخيت، شقيق الصحفي كمال حسن بخيت، وكان وقتها مسؤولا عن الإعلام بمجلس الوزراء، قبل أن يخلف الفريق طه الحسين، مدير مكاتب الرئيس البشير، وقبل أن تتم إقالته، هو أيضا، فى أعقاب فضائح مجلجلة.
شايف كيف؟
خطاب على عثمان محمد طه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشبه الخطابات العادية. يمكن أن يقدمه غندور، على كرتى، مصطفى عثمان نفسه، أو الدرديري محمد أحمد، الذى لم يهنأ بمنصب وزير الخارجية، على غرار ما جرى للشاعرة الكبيرة روضة الحاج، فقد كانوا وزراء منحوسين، مع رئيس وزرائهم محمد طاهر ايلا..كان خطابا سودانيا كوزا…والخطاب السودانى الكوز ينبنى على الطلس..لاعتقاد راسخ لدى إخواننا الكيزان أنهم – لفرط ذكائهم – سيبيعون البحر للجميع، فيما يكون البحر ، فى الوقت ذاته، حكرا لهم، يتصرفون فيه كما يشاؤون.
شايف؟
كنت أنتظر – بفارق الصبر – موعد مقابلة النائب لوزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايز، أو ” كوندى”، كما يحب أستاذنا بروفسور عبد اللطيف البونى أن يدلعها، مبديا شغفا بدويا بها. والنصيحة أنا شخصيا مكسر فيها، إذ ذاك.
المهم…
جاء الموعد. كان يرافق على عثمان : السفير عبد المحمود، التجانى فضيل، ومصطفى عثمان…كان وزير الخارجية دينق ألور غائبا عن أغلب اللقاءات..وإذا حاولنا أن نستنطقه – كتلفزيون – كان يقول لنا ” اسألوا مصطفى عثمان أو التجانى فضيل”..اللقاء تم فى فندق فى مانهاتن، تستغله الخارجية الأمريكية، أو يتبع لها..ذهبنا…فتشونا، كأى ناس من العامة، دخلنا…كوندى شامخة كنخلة فى أرض المحس..اللقاء لم يتعد الثلث ساعة…كانت تتحدث هى فى الربع الساعة منه…صارمة، “تورور” للتلاميذ المشاغبين أمامها..انصب حديثها على الأوضاع فى دارفور، وكيف أن الحكومة لم تبذل جهدا لتنجز ما طلب منها..لتحسين الأوضاع…قاطعة طريق الأمل : بغير تغيير على الأرض فى دارفور ستظل الأمور على ما هى عليه..ثم وقفت، شامخة، كنخلة فى أرض المحس..أو كمحسية، فى الواقع.
حسنا…
الانتصار الدبلوماسي الأكبر للكيزان، وهم يخوضون “معركة الكرامة”، ضد الدعم السريع، والذي ينشد له صحافيوهم الأناشيد، هو ذهاب الفريق أول ركن البرهان إلى نيويورك، وخاطبته للجمعية العامة للأمم المتحدة..ثمة عقدة كيزانية من أن الرئيس البشير كان عاجزا عن ذلك، وعن المشاركات الدولية التى تكون فيها أمريكا وأوروبا متحكرات..حدث تعويض نفسى بأن جنرالا جديدا، يتبعونه، ويسبحون بحمده أصبح يخاطب الجمعية العامة(بالمناسبة البرهان خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة ٣ مرات منذ سقوط البشير). وهو أمر مؤسف أنهم تعودوا أن يقودهم “جنرال” فى الجيش، بدلا عن أن يقودهم حسن الترابى..وذلك منذ المفاصلة ١٩٩٩م، حين اتبعوا أمر فرعون، فأصبح لابد من فرعون، يقودهم، كما حل بالمصريين.
الشيئان العظيمان فى خطاب البرهان هما : ضرورة قيام المجتمع الدولى بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية…يا الله…الحركة الإسلامية التى ملأت الدنيا زعيقا، بكفرها بالمجتمع الدولى الجائر، والقانون الدولى المسيس، تنحدر إلى أن تقبل بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية..أين ذهبت الادبيات تلك، التى تغنت بها حين تم تصنيف حماس منظمة ارهابية؟ بل أين الكتب العظيمة المفندة للإرهاب، كان كان السودان مصنفا فى قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ أين التنظير الفلسفى والاصولى فى “مفهوم الارهاب” نفسه، الذى تتخذه دول ” الاستكبار” عصاة لمعاقبة الشعوب والأمم المتطلعة للإنعتاق و “تحقيق الذات”؟ لقد أصبح الوقت وقتا لتغيير القميص..فصار تبنى مفاهيم الغرب وقوانينه “شرعيا”..مثلما دفع الكيزان بالسلطان سعد بحر الدين ، سلطان دار مساليت، وهو على حافة القبر، ليدلى بإفاداته أمام الجنائية الدولية، متهما الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية للمساليت…وحتى أمس كانت الجنائية كفرا بواحا فى أدبيات الكيزان…و ” السودان لم يوقع، وليس ملزما…وأوكامبو تحت جزمتى” فما عدا مما بدا…القانون الدولى والمفاهيم الغربية لا يليق تطبيقها علينا، يليق بغيرنا؟ وسعد بحر الدين يعلم أن الدعم السريع لم يقم بشيئ…غرر به وبالمساليت جهاز الأمن والجيش فى الجنينة، لطرد العرب ك ” مستوطنين جدد”، فقام العرب بطرد المساليت وسلطانهم من الجنينة إلى غير رجعة..حتى بعد زيارة السلطان للجنينة..
الأمر الثانى هو أنكم – المجتمع الدولى – حسب خطاب البرهان – إذا لم تساعدوني للقضاء على الدعم السريع، الذى لن أفاوضه، ولن أوقف الحرب ضده، فإنه سيعيث فسادا فى الإقليم، بنقله للزعزعة وعدم الاستقرار، لأنه يتلقى دعما اقليميا ومقاتلين، وانا لا أتلقى..
ذلك هو الانتصار الدبلوماسي المهيب للكيزان وجنرالهم الطريد
شايف كيف؟
ستكون – بالتأكيد – هناك لقاءات مغلقة، مثل لقاء كوندى مع شيخ على، الذى يحمل عصا موسى، وهو ينزل نيويورك…وسيكون هناك ” ورورة” ظريفة، للسيد البرهان، لن تحضر إلى الإعلام.. اعجبتنى مفردة “ورورة” حين استخدمها السفير عبد الله الأزرق فى مقاله الاخير…مع إنى توجست أن يأتى الدرديري محمد أحمد، آخر وزير خارجية للإنقاذ، فيصنفها مفردة غرب افريقية، من ” عرب الشتات”، ولا علاقة لها بالوجدان السودانى، مثل نشيد “صه يا كنار”…والدليل على ذلك هو أن جارنا فى السكة حديد بابنوسة اسمه صالح، كان ملقبا ب “وروار”، وهو من التعايشة، الغرب أفارقة.
شايف؟
المهم:
كنت قد حذرت من غوائل الشهر السادس للحرب…
الحرب فى هذه المرحلة يا سعادة صحافيى الكيزان هى أن يذهب البرهان للتفاوض…دون المزيد من إذلال الجيش وكتائب النفاق من براء ومسيلمة…أو أن تغره رحلة نيويورك، فيخوض فى غوائل الشهر السادس..لأن المعارك على الأرض لن يكسبها، ولو جاء بشهداء الميل أربعين..
فى الشهر السابع ستنضم كتيبة من المجاهدات، تم تخريجها حديثا فى مروى، قرأت الخبر..وذاك أمر آخر، كما تعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى