مَن يُهرِّب الذهب؟

وزارة المعادن: السودان يفقد 77% من إنتاج الذهب

وزارة المعادن: السودان يفقد 77% من إنتاج الذهب 

خبير: مُتنفِّذون في الإنقاذ هم من نفّذ هذه الجريمة 

وزير معادن سابق: التهريب يتم عبر الحدود شمالاً وشرقاً وجنوباً 

مُنقِّب: سياسة المركزي الاحتكارية دفعت المُنقِّبين للتهريب

خبير جيلوجي: الفاقد السنوي نتيجة التهريب يبلغ ثلاثة مليارات دولار 

تحقيق / محيي الدين شجر 

بالرغم من إنتاج السودان الهائل من الذهب الذي وضعه في المرتبة الثانية على مستوى القارة الإفريقية  كما تشير أضابير وزارة المعادن السودانيةـ والذي يجعله من أغنى دول العالم، إلا إنه يعد من أفقر دول العالم بسبب اختفائه من ميزانية الدولة ثم تهريبه بصورة مكثفة خارج السودان.

إن الذي يتتبع عمليات تهريب الذهب يتبين له أن كميات كبيرة منه تهرب عبر مطار الخرطوم تحت بصر أجهزة الكشف الدقيق للمعادن كما يلجأ المهربون إلى تهريبه عبر أرحام النوق وبيعه  إلى تجار مصريين بواسطة القبائل الحدودية عبر الصحراء كما كشفت لنا عدد من المصادر.

 “الصيحة” للإجابة على السؤال الكبير (من يهرب الذهب السوداني إلى الأسواق الخارجية وكيف ولماذا؟ استنطقت عدداً من المختصين والعاملين في تجارة الذهب ..

اعتراف 

الحكومة السودانية اعترفت بفقدانها نحو 77% من إنتاج البلاد من الذهب خلال النصف الأول من العام 2018 مرجحة تهريبه إلى خارج القُطر، وقدّرت وزارة المعادن إنتاج الذهب خلال الشهور الستة الأولى من ذات العام بنحو 63 طناً.

وقالت وزارة المعادن وقتها في بيان لها  إن حجم الفاقد بين الذهب المنتج والمصدر للخارج والمخزن من جانب الحكومة بلغ 48,8 طن، موضحة أن قيمة صادرات الحكومة بلغت 422,5 مليون دولار ..

وقالت إن إنتاج التعدين التقليدي بلغ 55,2 طن، في حين بلغ إنتاج الشركات الاستثمارية 8,1 طن. 

لماذا التهريب إذن 

قال لـ (الصيحة المُنقّب عن الذهب في منطقة أبو حمد محمود عبد الرحمن، إن سياسات بنك السودان التي تقوم 

على احتكار شراء الذهب وفرض السعر الرسمي للدولار يدفع المنقبين لتهريبه إلى الخارج للاستفادة من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وطالب بنك السودان بالمحافظة على الذهب السوداني واتخاذ سياسات مُرضِية للمنقبين ..

تهريبه عبر مُتنفّذين

 البروفيسور محمد الرمادي مستشار سابق  لوزارة المعادن، قال لـ (الصيحة) في تعليقه على تهريب الذهب السوداني: حقيقة الذهب معدن نفيس، وبالتالي تسهل ممارسة المخالفات فيه لتحقيق أكبر قدر من المال من قبل  ضعاف النفوس فيعلمون على تهريبه.

 وزاد بقوله:  للأسف النظام السابق أفسح المجال لمتنفذين بتهريب الذهب بدليل أنه بالرغم من أخبار القبض على شحنات ضخمة من الذهب مهربة عبر مطار الخرطوم لم نسمع حتى الآن عن أسماء متهمين أو عن محاكمات جرت لهم.  مضيفاً: وزير الصناعة ذكر (بعضمة لسانه) أن ما ينتج من الذهب الأهلي يبلغ 250 طناً، وأنا استوثقت من معلومته عبر خبراء التقيتهم وعبر أشخاص لهم علاقة بإنتاج الذهب في السودان، ووجدت أن إنتاج الذهب الأهلي  لا يقل عن 200 طن، وهي تساوي 8 مليارات دولار في السنة، كان من المفترض أن تدخل في حصيلة البنك المركزي لتحل كثيراً من الإشكالات التي يعاني منها السودان، وكنا سنتمكن من استيراد الأدوية المنقذة للحياة واستيراد حاجة السودان من الوقود والدقيق وغيرها من السلع الاستراتيجية.

سياسات مفصلة:

ومضى يقول: النظام السابق فتح لمتنفذين لتهريب الذهب وفصلت سياسات لتفسح لهم المجال للتهريب، وكان من المفترض أن يكون الذهب تحت سيطرة البنك المركزي ومنع التداول فيه كما تفعل دول العالم، حيث تمنع السعودية التداول  في النفط، والذهب هو نفط السودان ومع ذلك يتم تهريبه عبر مطار الخرطوم وغيرها من المنافذ ..

ليضيف متحدثاً بحسم: لابد من فتح ملف تهريب الذهب وملاحقة الذين حرموا الشعب السوداني من مليارات الدولارات، وذلك لإحقاق الحق ومحاكمة المفسدين ولتكون العقوبات رادعة وعبرة لكل من يفكر في تهريب الذهب.

وقال: من المسائل الخاطئة أن النظام السابق سمح لبعض الشركات بأن تتولى شراء وبيع الذهب وهو أمر غريب  ونوع من الفساد..

وأضاف: ليس من الصعب قفل المنافذ لتهريب الذهب وغيره من السلع كالقمح والوقود، لكنهم كانوا يقصدون فتحها، وكانت التناكر تمر بتعليمات من نافذين، وكل هذا أدى إلى تدهور الاقتصاد، ولهذا لابد للحكومة القادمة أن تعمل على  إغلاق منافذ تهريب الذهب والصمغ العربي والسمسم إغلاقاً حقيقياً.

 وزاد بقوله: تهريب الذهب أدى إلى انهيار الاقتصاد، حيث يفقد السودان  بليارات الدولارات سنوياً، ورغم هذا تسمح السلطات بتهريبه من قبل شرذمة من الشخوص .

صعوبة السيطرة:

 الدكتور العالم الجيلوجي محمد أبو فاطمة عبد الله وزير المعادن بحكومة إيلا السابقة،  ومدير عام الهيئة العامة للأبحاث الجيلوجية السابق، استفسرته (الصيحة) عن تهريب الذهب السوداني، فقال إن السودان بلد مترامي الأطراف تصعب السيطرة على حدوده، ومعظم تهريب الذهب يتم عبر الحدود شمالاً وجنوباً وشرقاً، وقال إن التهريب يكون من مناطق الإنتاج  التي لا يصلها بنك السودان..

السارقون:

ولمعرفة الكيفية التي يتسرب بها الذهب الذي تنتجه الحكومة إلى الخارج عبر التهريب، يقول مدير عام هيئة الأبحاث الجيلوجية ـ مكتب بورت سودان الأسبق ـ  عمار سيد أحمد شليعة إن قانون الثروة المعدنية, الذي نعرفه, صدر, ولم تكن لوزارة المعادن أذرع غير الهيئة العامة للأبحاث الجيلوجية ومؤسسة التعدين السودانية التي آلت إلى الزوال، وذكر أن القانون  فوض الجيلوجيا لتوقيع العقود وتسلم الإيجارات والعوائد الجليلة على المنتج والمراقبة والإشراف على كل التراخيص..

 وكشف في حديثه لـ (الصيحة) أن الإنتاج الكلي للذهب يبلغ (92) طناً منها ما يقارب (26) طناً تنتجه شركات كبرى أو أجنبية.  

 وذكر أن من يقوم بمنح التصاديق وتحصيل الإيجارات والعوائد الجليلة ينبغي عليه معرفة كمية الناتج وتوريد ما يأخذه من المستثمر كاملاً لوزارة المالية، وأن يكون مسئولاً أمام المحاسبة عن كل ناتج الذهب. 

وأضاف بقوله في معرض تنمية محافظات البحر الأحمر ببورتسودان في, العام 1992م, كنت مسئولاً عن جناح معرض (اللجنة الاقتصادية), بنادى هيئة الموانئ البحرية, ومشرفاً على معرض الهيئة العامة للأبحاث

الجيولوجية, وعند زيارة الرئيس السابق  للمعرض, للمؤتمر, رأى الرئيس, صورة لأول سبيكة ذهب, مع العاملين بشركة أرياب, فسألني, في حضور العوض محمد الحسن حاكم الإقليم الشرقي, والسيد قلندر, رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة, سألني: (هل يمكن سرقة الذهب وتهريبه.

 ويضيف: قلت له: (أن هذه السبيكة يحملها المسئولون في شنطة سمسونايت, ويغادرون بها, وهي مختومة بطائرة, صغيرة, من موقع الإنتاج, إلى الخرطوم), وأضفت: (في الطائرة يمكن أن تتم سرقة الذهب …. و لكنّ هذا لن يحدث بالطبع, لأن هؤلاء الناس من (ناس الإنقاذ), وناس الإنقاذ , شرفاء)…. ضحك  الرئيس … وما زلت أذكر قولته وهو يصافحني: (عديلة).

 نفي:

القاضي النور حسن، رئيس شعبة الطواحين بمنطقة العبيدية قال إنهم  كمعدنين لا يستطيعون تهريب الذهب لأن مهمتهم تنتهي في مرحلة (الشيشنة)، وأشار إلى أنها مرحلة لا يهرب فيها الذهب،  حيث يتم تهريبه بعد صهره.

 وقال في حديثه لـ (الصيحة) إنهم كمعدنين يقومون بتسليم الذهب الخام  إلى مجموعة صاغة بالخرطوم في عمارة الذهب ثم يقومون بإدخال الذهب إلى الفرن ويتحول الى سبائك. وكشف أن مسؤولي جهاز الأمن يوزعون فورمات بكميات الذهب للإحاطة بالمنتج. 

وأضاف: إنتاجنا من الذهب غير ثابت ويزيد في المواسم ولكن في المتوسط ما بين (18-20) كيلو في اليوم، وقال إن أكثر التهريب يتم بالخرطوم لأن ما يتم عبر حدود السودان يتم من أشخاص لا يملكون المال ويجازفون لتهريبه، ولكن التهريب عبر مطار الخرطوم فيه تغطية حقيقية..

 الفاقد السنوي:

 التقت “الصيحة”  بخبير في مجال الذهب ـ فضل حجب اسمه ـ حيث قال: التهريب عموماً من اختصاصات الجمارك والأمن والشرطة، أما وزارة المعادن فهي المنتجة، ولهذا يتم ربطها بقضية تهريب الذهب، وقال إن الوزارة منعاً لتهريب الذهب اقترحت إنشاء لجنة تضم كل الجهات التي لها علاقة بتهريب الذهب من استخبارات وأمن اقتصادي وشرطة وجمارك، وذلك لتحديد أسباب تهريب الذهب، وقال إن الشركة عملت لثلاثة اشهر ثم حددت أسباب تهريبه، وأهمها أن بنك السودان لا يشتري الذهب بالسعر العادل، كما أوضحت أن الذهب يهرب عبر مناطق لا يصلها بنك السودان كجنوب كردفان وعبر الحدود مع ليبيا وعبر الشرق مع إثيوبيا ومصر.

وقال إن الفاقد السنوي من الذهب يبلغ ثلاثة مليارات دولار تقريباً وفق الدراسات التي أجريت، وذكر أن اللجنة قدمت توصيات وضعت مصفوفة لتنفيذها وتمثلت في توفير أجهزة لكشف الذهب في المعابر والمطارات، ولكن القضية الأساسية هي أن حكومة السودان لم تستطع وضع سياسات ناجعة للحد من تهريب الذهب.

وذكر أن تهريب الذهب بدأ في العام 2013م حيث ظهر الفارق بين المنتج والمصدر.

عيوب:

وحول عمل شركات أجنبية في مجال الذهب رد بقوله قد تكون هنالك عيوب في تلك الاتفاقيات، لكن عملها قانوني وهي تملك الخبرة والقدرة المالية، لأن الاستثمار في مجال التعدين يحتاج إلى رأس مال ضخم وتقانة غير موجودة في السودان.

 وأضاف أن 20% من الذهب المنتج يتم عبر شركات و80% تعدين أهلي، وذكر أن التعدين الأهلي له أضرار جسيمة على البيئة وعلى الإنسان، ولابد من إيقافه في حين أن الشركات تضع خطة وتجعل المنجم يعمل لمدة ثلاثين عاماً.

وحول إنتاج الذهب في النصف الأول من هذا العام، قال إنه أقل من العام السابق بسبب تأثر الإنتاج بعدم الاستقرار ولن يصل مائة طن، نافياً أن يكون الإنتاج الأهلي في حدود 200 طن. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى