منى أبو زيد تكتب: في الرؤوس والرمال 

منى أبو زيد تكتب: في الرؤوس والرمال

 

هناك فرق

منى أبو زيد

في الرؤوس والرمال

“السحر شر الموبقات فكيف سحرك جملك.. هبني قليلاً منك إن غادرت كي أتأملك.. لي من حياتي بعضها وأنا وهذا البعض لك”.. محمد المقرن .

عنوان رئيس وعريض تصدر أخبار صحيفة عكاظ السعودية لم يكن موضوعه حدثاً سياسياً أو محفلاً اقتصادياً أو واقعة بوليسية مكتملة الأركان، بل قصة معاناة أسرة سعودية مع شرور السحر. الإعلام السعودي – المرئي أو المقروء – ينزل مُصائبَ من نوع العين والمس والسحر منزلة الكارثة الإنسانية ويتعامل معها باعتبار أنها حقائق مذكورة في القرءان والسنة، وعليه فإن الحديث عنها في وسائل الإعلام ليس – كما هو الحال عندنا – سانحة لاستعراض ألوان الإنكار المتلفع بأثواب التحضُّر والثقافة والدرجات العلمية المترفعة عن شبهة الدجل والشعوذة والخزعبلات.

تقول حكاية المانشيت الصحفي العريض إياه إن أسرة حزينة كثيرة العدد تعرَّض معظم أفرادها لحوادث غريبة ومنغصات عيش عصيَّة على التفسير – بمعيار الواقع العادي – أتت ذات يوم بعامل بستنة لزراعة أحواض زينة أمام أسوار البيت، وفي أثناء الحرث والحفر وجد العامل صندوقاً ملفوفاً بنسيج غريب، ولأن الإيمان بوجود السحر ثقافة سائدة ليس في مجتمعهم فحسب، بل في أروقة ومكاتب صناع القرار، هنالك فرع مختص بمكافحة السحر في إحدى الدوئر الحكومية السعودية. وقد بادر بعض أفراد تلك الأسرة بالاتصال بذلك الفرع الذي أرسل اختصاصيين حملوا صندوق السحر بتدابير احترازية شديدة الصرامة، ثم قامت فرقة عمليات مختصة برئاسة شيخ خبير بفك السحر المذكور.

الصحيفة التي لم تقنع بالاكتفاء بالسرد الخبري للحادثة استنطقت المتحدث الرسمي باسم “وحدة فك السحر” فعلمنا – نحن القراء – أن “العمل” المُكتشف من سحر الصرف، وهو ضرب من ضروب السحر المائي، وضعه الساحر داخل سمكتين وغرس فيهما العديد من الدبابيس والإبر وعقدهما بالخيوط عقدًا محكماً بعد كتابة الكثير من الرموز والطلاسم والحروف والأرقام، إضافة إلى أسماء أفراد تلك الأسرة المنكوبة.

ليس ذلك فحسب، بل سبق وأن ثار في السعودية – قبل بضع سنوات – جدل فقهي واسع المدى حول فتوى لشيخ شهير اسمه عبد المحسن العبيكان بجواز الاستعانة بالجن والسحرة لفك السحر عن المسحور في حال استعصى علاجه، بينما الشائع والذي يطمئن إليه الناس هو العلاج بالرقية الشرعية. ليس في السعودية فحسب حتى الدارما الخليجية قدَّمت في موسم رمضاني مضى مسلسلاً ثلاثيني الحلقات مخصص بأكمله لتناول انتشار ظاهرة السحر في المجتمعات الخليجية وآثارها الكارثية على استقرار الأسر .

عقوبة الساحر في السعودية هي القتل، وقد ناشدت السلطات اللبنانية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية.. إلخ .. – ناشدوا – السلطات السعودية قبل سنوات لإلغاء حكم الإعدام الذي صدر بحق ساحر لبناني ذهب لأداء العمرة فتم اعتقاله بتهمة ممارسة السحر. ورغم صرامة العقوبة لا ولم يستنكف الإعلام السعودي الحديث عن ظاهرة انتشار السحر في بلاد الحرمين.

أين نحن في السودان من مثل تلك الشفافية في مناقشة الظواهر ومعالجة الشرور.

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى