اغتيالات الضباط.. من يقف وراءها؟

اغتيالات الضباط.. من يقف وراءها؟

الخرطوم- أحمد جبارة

غموض كثيف يكتنف، مقتل ضباط بالجيش السوداني، والتي وقعت بعدد من ولايات دارفور خلال الأيام الماضية، إلى جانب مقتل ضابط بقوات الدعم السريع، الأمر الذي أفرز تساؤلات عدة حول من يقف وراء تنفيذ عمليات وإلى أين يمضي الوضع الأمني، خاصة وأن حوادث الضباط تعتبر مؤشراً خطيراً لانفلات الأوضاع والانزلاق نحو أتون الحرب والمواجهات العسكرية في الإقليم الملتهب منذ سنوات طويلة.

ماذا جرى؟

واغتال مسلحون الأسبوع الماضي ضابط رفيع في الجيش السوداني بمدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، وقال مسؤول بولاية وسط دارفور لـ”سودان تربيون” إن “مسلحين مجهولين فتحوا النار على المقدم أحمد بخيت بسوق حي المحافظين وسط مدينة زالنجي، ما أدى لوفاته في الحال ونهب سيارته، ونوَّه إلى أن الجُناة المسلحين فروا إلى خارج زالنجي، وأن قوة مشتركة من الجيش والدّعم السريع تتعقبهم.

حادثة أخرى

ولم تكن حادثة مقتل المقدم هي الوحيدة في الأسبوع الماضي، إذ شهدت مدينة نيالا نهار الأحد الماضي، مقتل عقيد في الجيش على يد مسلحين مجهولين حاولوا نهب سيارة عسكرية كان يستقلها ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من القبض عليهم حتى الآن.كما لقي نقيب في الدعم السريع مصرعه بعد أن أطلق عليه مسلحون النار شرقي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور. كذلك، وفي العاشر من فبراير الماضي أصيب 3 عسكريين إثر تعرُّض موكب يقل والي وسط دارفور، سعد آدم بابكر، لإطلاق نار بمنطقة جبل مرة، وفي شرق دارفور وقبل أيام أيضاً تعرُّض أحد ضباط قوات الدعم السريع لعملية اغتيال من قبل مجهولين.

دقلو على الخط

ولأن مقتل ضباط من الجيش السوداني، أمر مخيف ويدعو للقلق، كان لزاماً على الدولة أن تدخل الطمأنينة في نفوس المواطن، إذ طالب نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، بضرورة حسم الفوضى، مؤكداً أن الحوادث التي وقعت مؤخراً في نيالا وزالنجي والضعين، دليل على الفوضى التي تستوجب الحسم من قبل الأجهزة التي يجب أن تتحمَّل مسؤوليتها، مقراً بتقصير الدولة في أداء واجبها تجاه الشعب السوداني، وكشف عن عقد اجتماع سابق مع اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع، أعطى فيه مؤشرات واضحة حول بعض مظاهر الفوضى ووجه بضرورة حسمها حتى لا تتفشى في البلاد، مشيراً إلى أن الأجهزة ستقوم بواجبها لتحقيق الأمن والاستقرار بالبلاد، معلناً عن الوقوف مع أسرة الشهيد وأبنائه أسوة بما يقدَّم لزملائه.

أسباب القتل

ويقول الخبير العسكري أمين إسماعيل، في إفادته لـ(الصيحة) أن عمليات اغتيال الضباط من الجيش السوداني يعني أن هنالك خلل في مكان ما، معللاً بأن أسباب الخلل عديدة، أبرزها، خروج الضباط من  المعسكرات – سيما في ظل السيولة الأمنية- من غير حراسة، مشدِّدًا على ضرورة أن يكون مع كل  ضابط حراسة أي كان رتبته، منوِّهاً إلى أن هذه واحدة من الأشياء التي أحدثت سيولة أمنية وسبب رئيس في اغتيال الضباط، وأضاف:عربات الضباط التي تمت سرقتها غالية الثمن وهنالك مشاكل أمنية في الحدود ويحتاجون لمثل هذه العربات ويمكن أن تتسلَّل مجموعة من دول الجوار لسرقة هذه العربات، ولم يستبعد مجذوب أن وجود جهات تسعى للوقيعة بين القوات المسلحة وجهات أخرى خاصة في ظل حديث حول الخلاف بين الجيش والدعم السريع، ورأى مجذوب أن من يقف وراء عمليات الفتل جهات لديها إمكانيات ووسائل عالية في التخفي، فضلاً عن وسائل الحركة لجهة أنه لم يتم القبض عليها ولم يعرف لها أثر، وطالب الخبير العسكري  بوقف إجراءات سكن الأسر مع  مناطق العمليات العسكرية، مردفاً، إذا لم تستطع أن تؤمن نفسك كيف تؤمن  الأسر، ودعا القوات المسلحة المرابطة في الحدود لتشديد الانتباه لجهة إنها محل استهداف باعتبار أن المنطقة بها تداخل قبلي وتوجد بها جماعات مسلحة، ونبَّه مجذوب إلى أن الدول المجاورة لدارفور بها -أيضاً-  مشاكل أمنية ويمكن أن تتسلل منها مجموعة وتحدث فوضى وسرقة في الإقليم، وشدَّد إسماعيل على ضرورة أن تصل القوات المسلحة للجناة  وأن لا يكون هنالك استعجال في القضية والتي بحسب حديثه أصبحت قضية رأي عام تتطلب إصدار بيان واضح من الجيش  وإشراك المواطن فيما يدور من تبادل للمعلومات.

غياب الشرعية الدستورية

أما المحلِّل السياسي عبدالقادر محمود صالح، يقول في مجمل إفادته لـ(الصيحة): إن مثل هذه الحوادث لا تخرج من سياق الانفلات الأمني الذي ساد البلاد عقب تفجر ثورة ديسمبر، ويمكن عزو هذا الانفلات بحسب صالح إلى الغياب الكامل للشرعية الدستورية في البلاد منذ ٢٠١٩م، وحتى هذه اللحظة، وتجدر الإشارة إلى العديد من الحوادث المماثلة في مناطق متفرِّقة من البلاد، حيث ظهرت مجموعات متفلِّتة هدفها ترويع الآمنين ونهب ممتلكاتهم في المدن والأرياف أبرز هذه المجموعات كانت ومازالت مجموعات “٩”طويلة، وأكد صالح أن الفراغ الدستوري إضافة لعدم توافق القوى السياسية أوجد حالة من الفوضى رغم وجود السلطة العسكرية الراهنة، مستدركاً،  لكن لا تستطيع هذه السلطة أن تأتي بأسباب الاستقرار والسلم الاجتماعي ما لم يكن هنالك جهاز تشريعي يسن القوانين الرادعة للمتفلتين، وأضاف، كذلك هنالك مجموعات عديدة من العناصر المتفلتة التي وجدت بسبب دخول الحركات المسلحة في ميدان السلطة والسياسية وترك العديد من منسوبيها دون مرتبات مما جعل البعض منهم يفكر في امتهان مهنة النهب المسلح والتي هي ليست بالجديدة وإنما ظهرت الآن بسبب الضغوط الاقتصادية وتحول الحركات من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلام المزعوم، وأكمل صالح، كذلك هنالك مجموعة عوامل للقتل أبرزها العوامل  الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي أفرزت خطاب الكراهية بين مكونات المجتمع السوداني المعروف عنه بالسلم الاجتماعي المستمر. ولم يستبعد صالح إن يكون وراء عمليات القتل عناصر النظام السابق حيث بحسب صالح  تحاول جاهدة إلى صب مزيد من البنزين على نار الفوضى السائدة حتى تتمكن من إفشال تطلعات الشعب السوداني في التغيير والتحوُّل الديموقراطي.

ويرى عبدالقادر أن المقدم ركن أحمد محمد، قد راح ضحية جراء هذه الفوضى وكما أشارت المعلومات حول ملابسات قتله فإن الجناة كانوا يقصدون سرقة ونهب ممتلكاته، داعين القائمين على أمر سلطة الأمر الواقع تدارك الوضع قبل فوات الأوان وذلك مزيد من التحلي بالمسؤولية الوطنية وترك المشهد السياسي للمدنيين دون مناورة أو مراوغة حتى يستطيع المدنيين إقامة السلطة والنظام، ومن ثم يقول صالح: سيسود الأمن والاستقرار في ربوع البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى