متلازمة تعدد الجيوش المُرتكزة على السياسة والقبيلة والجهة وراء مأزق السُّودان التاريخي والصراع الحرج الماثل الآن

 

*متلازمة تعدد الجيوش المُرتكزة على السياسة والقبيلة والجهة وراء مأزق السُّودان التاريخي والصراع الحرج الماثل الآن*

*مهدي عبدالله حامد*

*غَرَق* السُّودَان مجددًا في مستنقع أزمة سيِّاسيِّة؛ عسكرية؛إجتماعية؛ جهوية غير مسبوقة على إثرها إزداد المشهد تعقيدًا وغموضًا؛ الحال الذي قاد إلى صراعً سياسيً محمومً ؛متعددٍ الإتجاهات والتوجهات؛ أنتج سيولةٍ أمنيةٍ خطرةٍ تُنذر بمواجهات محتملة في ضوء هذا الإستقطاب الحاد وآخر مضاد؛ الأمر الذي عمق من خطورة تفرعاتها ومآلاتها على إرباك المشهد الذي يكننفه غموض كثيف ومناخ ملغوم فالكل حذر وقلق ، إلا أنه ورغم كل هذه المخاطر الماثلة لا زال الجمود سيد الموقف وأطرافه تتحفز لخوض غمار الخيارات الصعبة واتخاذ القرارات الحرجة ؛ لتتسع بذلك الهوة هنا وهناك ولم يبدئ أي طرفٍ ليونةٍ في التموقف أو أي مرونة في التموضع الأمر الذي أوصل البلاد إلي قمة ذروة الإنقسام المدني المدني والعسكري العسكري المُتصاعد حيال تباين الرؤى والأهداف لدى الجهات المتصارعة الآن والعاجزة على تجاوز حال انسداد الاُفق وكسر الجمود ؛ وبالمقابل لم تلُح أي بأرقة أمل تطوي مرحلة التباعد والتباغض من أجل فتح مسارٍ جديدٍ لآفاق المستقبل وإيجاد مخرجًا حقيقيًا لإنهاء أزمات البلاد المُتراكمة…

*فلم تكُن* خيبات الفشل الناجمة عن توابع الصراعات العبثية وليدة اللحظة وكما إنَّ هذه الظروف الهشة لم تَُخَلقٌ بمحض الصدفة ؛ وإنما هي حالة متوارثة لدى الفاعلين والنافذين في الشأن السُّوداني من العسكريين والمدنيين الذين أدخلوا البلاد عنوة في مطبات التناحر والتنافر ؛ فكيف لا وقد تم تجريب أكثر من ثمانٍ نسخ من الدساتير والأوامر العسكرية ؛ وأربعة أنظمة عسكرية إنقلابية؛ وثلاثة ثورات شعبية ناجحة؛ وأربعة مراحل إنتقالية حقيقية؛ وستة إنتخابات تعددية؛ وأربعة حروبات أهلية مُتطاولة؛ وثلاثة أنظمة ديموقراطية منتخبة؛ وتسعة إتفاقيات للسلام، ولا تزال البلاد لم تشهد وضع مستقر حتى الآن…

*فبالأساس* لم تتأسس الدولة السُّودانية كنتيجة طبيعية للصراع السياسي الإجتماعي الناضج والمنظم ؛المؤسسي والمسؤول وإنما تأسست بصعود قوى إجتماعية ذات ابعاد جهوية عززت من دور القبيلة في السُّلطة والمنظومات العسكرية والإقتصادية والثقافية على حساب بقية مكونات البلاد الأُخرى ، الأمر الذي قأد إلي إندلاع الثورات المسلحة وبروز خطاب الكراهية وتنامي دعاوى التهميش وتصاعد حدة إمتعاض الريف على مركزية الدولة السُّودانية المُهيمنة التي احتكرت القرار الوطني لدى نطاق القبلية والجهوية بشكل صارخ لجهة إحكام سيطرتها على مصير ومستقبل البلاد بصورة منفردة وقد تمكنت من ذلك طيلة هذه الأزمنة…

*فمن الملاحظ* هناك علاقة مُتلازمة ومتداخلة ذات رباط وثيق تاريخيًا ما بين الجيوش القبلية والجهوية المُرتكزة على سُّلطات جهاز الدولة السيِّاسيِّة والأمنية فرضتها المركزية الحاكمة التي استفادت من سطوتها التاريخية حتى الآن؛ الأمر الذي أورث السُّودان هذا المأزق المُستحكم والمُستفحل الذي تطورت حلقاته بوضوح في الصراع الحرج على السُّلطة مع الآخريين الماثل أمامنا الآن؛ والنابع من الطموح والأطماع ذات الصبغة الإثنية المُسيسة…

*وبهذه التواصيف* أعلاها نجد دون عناء إنَّ المؤسسة العسكرية جعلت من التفاوض التكتيكي والأمني أداة لكسب الوقت وآلية في كيفية إدارة الصراع بغرض إبرام تسويات التجزئة بغية ضمانها للإحتفاظ بخيوط اللعبة في يدها والتملص من التزاماتها متى ما رغبت في ذلك؛ الأمر الذي جعل الممانعين والرافضين لهذه الممارسات خارج أطر معادلة تسويف القضايا المصيرية والتلاعب بالحقوق العادلة والمشروعة ورفض الرضوح للحلول المعطوبة…

*لذا فإنَّ أزمة* ومأزق الحكم في السُّودان بنيوي وجوهره يتمحور حول النظام الإجتماعي والجهوي اللذان يتسمان بخاصية عدم المساواة في حقوق المواطنة وللأسف ظلت هذه المتلازمة تمثل مأزق السودان التاريخي والماثل ؛ وبالتالي فلابد من اجراء تغيير جذري في أجندات التركيبة الموروثة لصالح معادلات جديدة وتموضعات قومية تؤسس لعقد إجتماعي جديد يستوعب التعدد والتنوع بشكل حقيقي وفعلي يظهر في جهاز الدولة ككل دون تمييز ؛ وإبعاد المؤسسات العسكرية والجيوش المتعددة عن ممارسة السياسة والتجارة والتنقيب…

*فالإرث* “السياسي” الذي أوصل البلاد إلي هذه المرحلة المتأخرة من الخور والعجز ، قد قاد إلي الهزائم المعنوية التي ضربت شرائح المجتمع وتآكلت طبقاتها الضعيفة التي لم تعد تحتمل صداع السجالات الدستورية والقانونية بقدر حوجتها إلي ايجاد اجراءات اقتصادية سريعة وفعالة تحسن من أوضاعها المعيشية والحياتية بأسرع ما يمكن وترتيب أولويات القضايا مثل ملفات العدالة والعدالة الإنتقالية وإصلاح مؤسسات الدولة وإجراء ترتيبات دستورية جديدة وترتيبات أمنية وفق جداول زمنية متفق عليها لدمج كافة الجيوش المتعددة في جيش وطني قومي مهني موحد وتحقيق السلام الشامل والعادل والمُستحق مع الحركات التي لم توقع بعد ؛ والعمل على كيفية إدارة السُّلطة بطرق إنسانية ووطنية تراعي التعدد القبلي والجهوي وتخاطب التنوع الثقافي والتاريخ المشترك للسودانيين السودانيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى