الحكيم بهلول

*مرت زبيدة زوجة هارون الرشيد ببهلول وهو يلعب مع الصبيان ويخط الأرض بأصبعه، فلما رأت ذلك زبيدة تأملت فيما يصنع ثم قالت له: (ماذا تفعل؟)

*قال البهلول للصبيان وهو يخط بتراب الأرض بأصبعه: (لا تهدموا البيت الذي بنيته) ثم التفت إلى زبيدة وقال: (أما ترين أني مشغول ببناء بيت؟).

*أرادت زبيدة مساعدة بهلول إلا أنها كانت تعلم أنه يرفض ذلك تأملت قليلاً ثم قالت: (أراك تبني بيتاً جميلاً يليق بالعظماء وها أنا أرغب بشرائه منك) أجابها بهلول وهو منكس رأسه إلى الأرض يخط على ترابها بإصبعه: (هذا البيت؟ نعم أبعه إياك)

*نظرت زبيدة إلى الخطوط المعوجة التي رسمها بهلول على الأرض وقالت: (اشتريت منك هذه الدار فكم ثمنها؟)

*قام بهلول على قدميه وأشار بيده إلى الصبيان وقال: (بألف دينار لي ولهؤلاء الذين أعانوني على البناء).

أشارت زبيدة إلى خادمها وقالت: (اعطه ألف دينار) ثم انصرفت عنه. أخذ بهلول النقود وقسمها بين الفقراء.

*مضت الأيام وذات ليلة رأى هارون في المنام أمراً عجيباً رأى كأنه يساق إلى الجنة فلما بلغ أبوابها قيل له هذا قصر زوجتك زبيدة فلما أراد الدخول منعوه من ذلك.

*وفي الصباح التالي قص هارون رؤياه على علماء قصره فقالوا: (سل زبيدة عن ما فعلت من بر).

*فلما سألها أخذت تفكر في العمل الذي استحقت من أجله قصراً في الجنة فلم تتذكر سوى أنها أعطت بهلول ألف دينار وقصت خبرها على هارون.

*أدرك هارون ضرورة البحث عن بهلول ليشتري منه البيت الذي ليس له في هذه الدنيا قرار لكنه يكون في الآخرة قصراً مشيداً فأين بهلول؟

*بحث عنه فوجده في مكان ما يخط بالتراب مع صبيان الحارة، قال: بهلول وحاول عدم الاكتراث: (أرى أقرب أقربائي يلعب مع الصبيان ويعبث بإصبعه على التراب)

*أجابه بهلول: (نحن نتمتع بما رزقنا الله في هذه الدنيا وها أنت ترى أني مشغول ببناء بيت على أرض الله لكي أبيعه). قال هارون: (ليست قصور الملوك كالبيوت التي أنت مشغول ببنائها إلا أنني مع ذلك أود شراء أحدها).

* نظر بهلول لهارون نظرة تأمل ثم هزأ منه ضاحكاً وقال: (ثمن هذه الدار باهظ جداً) قال هارون وهو يتظاهر بعدم المبالاة: (كل ما تعلقت به رغبتنا لا يصعب علينا حصوله وإن كان ثمنه باهظاً).

*فذكر بهلول آلاف الأكياس والبساتين والأموال الطائلة قيمة لتلك الدار. سكت هارون والغضب قد استولى عليه لأن ما طلبه بهلول ليس بالشيء القليل فإنه لو جمع ثروات الأغنياء كلها لما بلغت سعر هذا البيت.

*أراد هارون أن يعرف اللغز وراء كلام بهلول وما يريد من ورائه، فقال لبهلول: (لقد بعت مثل هذه الدار لزبيدة بأقل من ذلك بكثير فقد بعتها بألف دينار ولما أردت شراءها منك أراك تقول قولاً شططا!!)

*نهض بهلول من الأرض ومحا ما كان قد رسمه على الأرض بأطراف أصابع قدمه، وقال: (ليعلم الخليفة أن بينه وبين زوجته زبيدة فرقاً شاسعاً، فإن زبيدة اشترت وهي لم تر وأنت رأيت وتريد أن تشتري) ثم عاد مرة أخرى ليلعب مع الصبيان….

*قيل لبهلول، وهو على قصبته: أجب هارون الرشيد فجاء على القصبة إلى أن بلغ إليه، فسلم عليه الرشيد فأجابه. قال الرشيد: كنت مشتاقاً إليك؟ قال بهلول: لكني لم أشتق إليك.
*قال: عظني يا بهلول. قال: وبم أعظك؟ هذه قصورهم وهذه قبورهم! فقال: زدني فقد أحسنت.
*قال: أيما رجل أتاه الله مالاً وجمالاً وسلطاناً فأنفق له ماله وعف جماله وعدل في سلطانه كتب في خالص ديوان الله تعالى من الأبرار.
*قال الرشيد: أحسنت، أحسنت يا بهلول كيف أنت مع الجائزة؟ قال: أردد الجائزة على من أخذتها منه، فلا حاجة لي فيها.
*قال له: يا بهلول فإن يك عليك دين قضيناه. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء أهل العلم بالكوفة أجمعت آراؤهم على أن قضاء الدين بالدين لا يجوز.
* قال: يا بهلول فنجري عليك بما يقوتك ويقيمك. فرفع بهلول طرفه إلى السماء وقال: يا أمير أنا وأنت من عيال الله. محال أن يذكرك وينساني. فأسبل هارون السجاف ومضى.

*وصار بهلول يقول: توكلت على الله وما أرجو سوى الله وما الرزق من الناس بل الرزق من الله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى